عند كل حرب تخوضها جماعة الحوثي اليمنية، في البدء يكون الزامل. ويعده مناصرو الجماعة جبهة بحد ذاتها، فمن قلب الجبهات تتسلح به معنويات المحاربين للقتال، ومن خارجها تُعلن التعبئة.
ازدهرت زوامل الحوثيين إبان سنوات الحرب في اليمن، لكن بعض بريقها تراجع فترات الهدنة أخيراً. ومع العدوان الإسرائيلي على غزة، عادت الزوامل لتُنشد ملونة بالبارود، دعماً للمقاومة الفلسطينية.
قبل أن يُعلن الحوثيون، لأول مرة، مسؤوليتهم عن استهداف ميناء إيلات الإسرائيلي، كان أبرز منشدي الجماعة، عيسى الليث، ينشد متوعداً: "الحرب حرب وإحنا لها وأغمار كرب مهما تكون أهوالها"، في أبرز زوامله عن قطاع غزة.
ففي الـ31 من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أعلنت الجماعة عبر متحدثها الرسمي، دخول الحرب ضد إسرائيل، مؤكدة أن سفن الاحتلال التجارية "هدف مشروع" عند عبورها خطوط الملاحة قبالة اليمن.
وبصرف النظر عن طبيعة العمليات، وربما محدودية تأثيرها على مجرى الأحداث في غزة، أمام استمرار جيش الاحتلال في قتل آلاف المدنيين؛ فإن زوامل الليث تأتي بصوت الحرب ووقعها، بأسلوبها الحماسي، وتعابيرها المتخمة بمفردات القتال.
يمتاز زامل "صباح السبت" بحيوية أدائه، وطابعه الحماسي، الذي تبدو فيه صورة المعارك نزهة. يستهل المنشد زامله بأداء حماسي، متمهل بعض الشيء. اللافت أن الزامل يستعير مطلعاً إيقاعياً يقترب من أسلوب أغنية مغربية. والهدف من ذلك، استهداف شريحة أوسع من المستمعين، بمسحة إيقاعية يمكن العثور عليها في أغان راقصة.
يمكن تقسيم الزامل إلى أنماط تتسم بتفاوت في التسارع اللحني، ما بين السرعة المعتدلة والتهدئة، للإسراع بشكل أكبر. مع الاحتفاظ بميزان إيقاعي واحد طوال الزامل.
يعكس "صباح السبت" بصورة واضحة رسائل الجماعة السياسية، وموقفها من العدوان على غزة، مؤكداً: "وأمثالنا من بايخوض أمثالها، وأهوالنا من باتكون أهوالها". ويتسم الأسلوب اللحني بطابع غنائي، يمتزج فيه أسلوب الزامل بالشيلات والغناء والإنشاد المألوف.
لكنه قبل ذلك، يبدأ بوتيرة منخفضة، يمكن وصفها بالتمهيد، ليصل ذروة حماسته في أداء أكثر التصاقاً بالهتاف، وما يتسم به أسلوب الزامل. فالحماسة هنا مطبوعة بالتحريض للفعل أو لتأكيده: "فجرها شظايا، تمطرها الصلايا، واطمرها مهالك، واغمرها منايا".
وهنا نلاحظ مزيجاً واضحاً من أسلوب الزامل الذي يتسم بالترحيب، أو التعبير عن بُشرى، لكنه أيضاً يمزجه بأسلوب الغناء الحديث، وتحديداً في موسيقى البوب، مع ما يحمله من ملامح الزامل التقليدي، كما لو فيه تعلو الأصوات مرتجلة. يضيف، بصيغة تؤكد الفعل: "التنكيل تنكيل والسجيل سجيل يا أسراب المسير يا طير الأبابيل".
وأبابيل هي أسراب من الطائرات المُسيرة التي تستخدمها حركة حماس في غزة، وتسميتها مأخوذة من القرآن الكريم. ورغم أن الزامل يأتي بصيغة احتفالية لعملية طوفان الأقصى؛ فإنه لا يخفي رسائل مُبطنة من موقف جماعة الحوثي في دخول المشهد. وهو ما ستعلنه لاحقاً، عبر عدة عمليات، بما في ذلك استهداف سفن تجارية مرتبطة بإسرائيل.
يؤدي الليث الزامل في أسلوبه الإنشادي والحماسي، وتكمن وظيفته في تصوير الحرب كملحمة لبطولة المقاتلين. ويعمل على تصوير ذلك بوصفه مآثر للمقاتلين. وبخلاف ما تتضمنه زوامل عيسى الليث من تطوير، بما في ذلك إدخال بعض التحولات اللحنية، فإنه يحتفظ بكثير من أسلوب الزامل التقليدي.
غير أن الطابع التقليدي لهذا اللون الإنشادي، كان غالباً ما يستقر على وتيرة لحنية واحدة لا تتغير، يمكن أن تُعاد مع كل بيت أو بيتين. لكن ما يُقدم في الوقت الحالي، يتسم بتغيرات لحنية، لإضفاء طابع تعبيري أوسع، يتوافق مع مضمون كلماته مقارنة بالسابق. كما سنجده في الزامل المذكور سلفاً.
وهذا جانب يتضح أيضاً في زامل "طوفان الأقصى". وفيه، يتخذ اللحن أسلوباً تبشيرياً، مُرجعاً ما حدث يوم العملية التي تبنتها المقاومة الفلسطينية، بأنه تسديدة من الله. فبخلاف الزامل السابق، نرى الطابع اللحني لهذا الأخير أقل حماسة. يستهله بمطلع مُرسل، في أول بيتين، يعقبه إنشاد موقع.
ولحن الزامل منسوج على غرار الأغنية الحديثة، كمذهب وغصن؛ إذ يعود إلى غناء المطلع المُرسل، الذي يمتزج لحناً بأسلوب الابتهال، لكنه يستمر بعدها بأبيات متعاقبة، مع الاحتفاظ بنفس البناء اللحني لكل أربعة أشطار.
لا بد من الإشارة إلى أن ألحان الزوامل بسيطة، مساحة نغماتها لا تتجاوز أوكتافاً واحداً، أي سُلم ثماني درجات صوتية. بمعنى أنه لا يتطلب مساحة صوت قوية، ولا يتسم بجوانب لحنية مُعقدة تتطلب مهارات صوتية. لكن ميزة الليث هو أسلوب أدائه المُعبر. يتسم "طوفان الأقصى" ببناء حالم يحمل وعداً للحظة خلاص القدس، لكن بقيادة زعيم الجماعة.
وفي غنائية مفعمة بحماسة النشيد، يتوعد صوت الليث: "في يوم رباني بُهت من يشهده، صاروخنا بارق وصرختنا وعود، صرخة من الله العظيم مؤيدة، تنزل عليهم مثلما صيحة ثمود". بعدها يعود إلى اللحن المطلع المُرسل، مُبشراً فيه، بما تعززه الجماعة لدى أنصارها، بقيام أبو جبريل، كما يُكنى زعيم الجماعة، من منبر الأقصى خاطباً بالحشود، وسيف جده في يده.
بينما "الأنصار" (اليمنيون في أدبيات الحوثي) يدخلون من باب العمود، في محاكاة لمروية شائعة عن قدوم المُخلص أو المُنتظر.
إلى جانب ذلك، عالجت مواضيع الزوامل أهم الأحداث المُصاحبة للعدوان على قطاع غزة، بما في ذلك زامل "المقاطعة" الذي يدعو فيه لمقاطعة السلع الأميركية والإسرائيلية.
وفي زامل آخر، بعنوان "الثورة الكبرى"، توصف عملية طوفان الأقصى بالثورة. لا يختلف طابع هذا الزامل عن ألحان الأناشيد التابعة لحزب الله اللبناني، أي أن أسلوبه لا يتصل من قريب أو بعيد للحن الزامل، بل إن عناصر لحنية لبنانية تطغى على لحن النشيد.
لعل الزامل الأشهر هو "سفينة ومليان أبوها سلاح"، من أداء أمين حمزة وعماد عنقاد. يمتاز اللحن والأداء بطابع الألحان الشعبية اليمنية، وهو ما تتسم به الكلمات، مثل تساؤل: "وأين بارجاتهم كيف ما درو، وأقمارهم قال جاها كُساح"، وما يحمله ذلك من تعظيم لنجاح عملية اختطاف السفينة، وإجبارها على الرسو قرب الشاطئ اليمني.
ونجحت جماعة الحوثي في توظيف الزامل، وهو الغناء التقليدي للقبائل اليمنية. وذلك لارتباطه بالثقافة السائدة لدى تلك الشرائح المستهدفة بدرجة أساسية في الحشد والتعبئة على جبهات القتال. كما أنهم نجحوا في نشرها، كثقافة تقليدية كانت مقتصرة على القبيلة، إلى الفضاء اليمني العام.
وما كانت الزوامل لتحقق هذا الانتشار في اليمن، وكذلك في بعض بلدان الخليج العربي، لولا ما شهده غناؤها من تطور في أساليبها اللحنية وتراكيبها الشعرية.
ورغم تطوير الزامل، حافظ مؤدّوه على طابعه العام، وتحديداً أسلوب أدائه، رغم وجود استعارات ومحاكاة لحنية لأشكال مختلفة. كما أنه يمكن ملاحظة تغير في الأسلوب العام لبعض الزوامل، فخلافاً لما كان سائداً في نسيج ألحانه التقليدية من قفزات نغمية، أصبح ملحوظاً اعتماد أسلوب السُلم الموسيقي في كثير من الزوامل الحديثة، والذي يُبنى فيه اللحن على تدرج النغمات صعوداً أو هبوطاً. وذلك على غرار الألحان الشرقية على سبيل المثل في الشام ومصر والعراق.