زلزال المغرب: تدفّق الأخبار الكاذبة على مواقع التواصل

10 سبتمبر 2023
انتشرت الأخبار الكاذبة على مختلف المنصات (فاضل سنة/ فرانس برس)
+ الخط -

قد يكون البحث عن أسباب انتشار الأخبار الكاذبة وتلك المضللة سؤالاً تخطاه الزمن، فالتعامل مع هذا النوع من الأخبار بات أمراً واقعاً، ومواجهة يومية، على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي وسائل الإعلام. لم تعد إذاً الأخبار الكاذبة "ظاهرة"، لكنها جزء من المشهد الإخباري اليومي.
فمع كل حدث سياسي كبير، باتت ماكينات إعلامية، وشركات علاقات عامة، وأجهزة أمنية، وأطراف سياسية، تتورّط في بثّ هذا النوع من الأخبار، بهدف التأثير على الرأي العام. كما أن التضليل بات صناعة تقدّر قيمتها بمئات ملايين الدولارات، مع تجنيد جيوش إلكترونية، وحتى صحافيين ومؤثرين للترويج لها، بصفتها وقائع حقيقية.

2.6 مليار دولار

عام 2021، كشف تحليل لمنظمتَي "نيوزغارد" و"كومسكور" أن قيمة الإعلانات المنشورة في مواقع تروّج للأخبار الكاذبة، من قبل شركات عالمية، بلغت 2.6 مليار دولار كل عام. واستُخدمت أموال الإيرادات لدعم الادعاءات الصحية الكاذبة والأساطير المناهضة للقاحات خلال فترة تفشي فيروس كورونا، إلى جانب التضليل الانتخابي والدعاية الحزبية وغيرها من أشكال الأخبار الكاذبة.
وإن كان التضليل يجد في السياسة ملعبه المفضّل، فإن الكوارث الصحية وتلك الطبيعية كشفت أن لا حدود لانتشار الأخبار الكاذبة.

زلزال المغرب

نبدأ من زلزال المغرب الأخير. في اليومين الماضيين غرقت مواقع التواصل الاجتماعي بالأخبار الكاذبة، سواء من ناحية أعداد الضحايا، أو الأخبار المنتشرة عن قرب وقوع زلزال ثانٍ في نفس المناطق المدمّر، أو من ناحية الفيديوهات والصور القديمة التي أعيد نشرها بصفتها حديثة من موقع الكارثة.

منصة مسبار رصدت في ساعات قليلة عدداً كبيراً من الأخبار المضللة، والكاذبة، أو المجتزأة، المرتبطة بالزلزال. وأبرزها:

  • فيديو لانهيار مبنى في الدار البيضاء، إذ انتشر هذا الفيديو بكثرة على اعتبار أنه من آثار الزلزال، وقد نشرته حسابات عربية وأخرى عالمية. إلا أن "مسبار" كشفت أنّ مقطع الفيديو قديم وليس لانهيار منزل في الدار البيضاء خلال الزلزال، بل يعود إلى ديسمبر/ كانون الأول عام 2022، للحظة انهيار منزل بدرب مولاي الشريف في مدينة الدار البيضاء، وفقاً لما نشرته مواقع إخبارية مغربية وقتها.
  • كذلك انتشر فيديو على تطبيق تيك توك، يدّعي ناشروه أنّه من زلزال جديد ضرب المغرب صباح السبت، بعد الزلزال الذي دمّر مناطق واسعة في البلاد ليل الجمعة. تحققت "مسبار" من الادّعاء المتداول وتبين أنّه مضلّل، إذ إنّ مقطع الفيديو قديم ويعود إلى الزلزال الذي ضرب كهرمان مرعش في تركيا في فبراير/ شباط الفائت.
  • من ضمن الفيديوهات التي لاقت تفاعلاً عربياً واسعاً، ذاك الذي يظهر ثبات شيخ وهو يُقدّم محاضرة في مسجد، أثناء وقوع الزلزال، وبعد التحقق منه عثرت مسبار على الفيديو منشوراً في مواقع التواصل الاجتماعي، منذ شهر ديسمبر/ كانون الأول عام 2014، مع عنوان يفيد بأنه يظهر شيخاً يُدعى موسى عزوني وهو يلقي درساً دينياً في مسجد الرحمة في بلدة بوقرة في ولاية البليدة الجزائرية، يوم 26 ديسمبر، قبل أن تُباغته هزة أرضية، بقي خلالها ثابتاً مهدئاً للناس وهو يُردد التكبيرات.
  • في سياق المواد المصوّرة نفسه، انتشر على مختلف المنصات فيديو زعم متداولوه أنّه لكاميرا مراقبة ترصد لحظة وقوع الزلزال في مدينة القنيطرة في المغرب. لكن بعد التدقيق في الشريط بيّنت "مسبار" أنه نُشر للمرة الأولى في فبراير الماضي، وهو لكاميرا مراقبة في إحدى البنايات توثق لحظة وقوع زلزال تركيا وسورية، حينها. ويظهر من تاريخ تصوير المشهد في المصادر القديمة أنه التقط في السادس من فبراير 2023، وهو التاريخ ذاته الذي وقع فيه زلزال تركيا وسورية.
  • هذه عيّنة صغيرة من الأخبار التي لاقت تفاعلاً وانتشاراً واسعاً على مواقع التواصل، إلى جانب أخبار مجتزأة اخرى، أبرزها تداول حسابات وصفحات عبر مواقع التواصل الاجتماعي ادّعاءات مفادها أن العالم الهولندي المتخصص في علم الزلازل، فرانك هوغربيتس، توقّع، قبل أيام، حدوث الزلزال في المغرب، تحديداً. وبالتحقق، وجدت "مسبار" أنّ الادعاء المتداول غير دقيق، إذ لم يُحدد العالم الهولندي دولة المغرب في توقعاته حول وقوع الزلزال، بل نشر تغريدة عبر حسابه في موقع إكس في الرابع من سبتمبر/ أيلول توقع فيها حدوث هزات قوية بين 5 و7 من الشهر الحالي، نتيجة تقارب بين عطارد والزهرة واقترانين قمريين مع المشتري وأورانوس، من دون أن يسمّي المنطقة التي سيحدث فيها الزلزال.
  • بدورها، رصدت منصة في ميزان فرانس برس الأخبار الكاذبة التي انتشرت بعد الزالزال، وأبرزها فيديو يدّعي ناشروه أنّه لإعصارٍ مدمّر ضرب الولايات المتّحدة بعد ساعات من زلزال المغرب الأخير. إلا أنّ الادعاء خطأ. يظهر الفيديو إعصاراً ضخماً يقترب من أبنية وسط رياحٍ شديدة. ولقي المنشور إياه آلاف التفاعلات عبر مختلف المنصات، لكن في الحقيقة الإعصار لم يقع، ولا وجود له في المواقع الإخبارية الأميركية. وعند تقطيعه إلى مقاطع ثابتة، يتبيّن أنه نشر للمرة الأولى قبل أيام من وقوع الزلزال على منصة تيك توك، وهو عبارة عن مشاهد مركبة لأكثر من حدث، ولا علاقة له بالزلزال.

زلزال سورية وتركيا

وأمام فاجعة بحجم زلزال المغرب يبدو التدقيق بالأخبار بالنسبة لكثيرين ترفاً لا وقت له، خصوصاً أن مواقع التواصل الاجتماعي، خلال الكوارث الطبيعية أو الحروب، تتحوّل إلى مصدر الأخبار الأول، بدل وسائل الإعلام، بسبب سرعة الوصول إلى مكان الحدث، ونشر المواد البصرية المباشرة.
لنعد إلى أشهر ماضية، وقت الزلزال المدمّر الذي ضرب سورية وتركيا. وقتها أدت الأخبار الكاذبة إلى تأخير عمليات الإنقاذ في مناطق عدة، إلى جانب تأجيج مشاعر عنصرية ومعادية في بعض المناطق التركية ضد المصابين السوريين والعرب.
وبيّن وقتها رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية فخر الدين ألطون أنّ الشائعات والمعلومات المضللة التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي عقب الزلزال تسببت في إلحاق أضرار جسيمة خلال عمليات إنقاذ المتضررين. وقال عبر حسابه الرسمي على موقع تويتر إنّ "المعلومات المضللة والأخبار غير المؤكدة والكاذبة المتداولة تسببت خلال الزلزال الأخير بإلحاق أضرار جسيمة خلال عمليات الإنقاذ". وأضاف أنّ "الناجين من الزلزال والذين يضحون بأنفسهم في الميدان عانوا بشكل كبير من هذا الكم الهائل لهذه المعلومات".
واستشهد بعدد من الأمثلة لادّعاءات لا يمكن تصديقها، مثل محاولة المواطنين إخلاء المدينة تفادياً لزلزال آخر قيل إنه سيقع،  وانقطاع أنشطة البحث والإنقاذ بسبب كذبة أنّ سد هاتاي انفجر وستغرق المدينة. كما كان للمعلومات المضللة دورٌ في تعطيل توفير الاحتياجات الأساسية لضحايا الزلزال، مثل المأوى والدواء. 
ودفع انتشار الأخبار المضللة الحكومة التركية إلى الإعلان عن تفعيل تطبيق "خدمة الإبلاغ عن المعلومات المضللة" على الهواتف الذكية، الذي يسمح للمستخدمين بالإبلاغ عن الذين أنشأوا أو نشروا أخباراً زائفة أو مضللة وروّجوها عبر الإنترنت.

المساهمون