"زفاف مونسون" في الدوحة... بهجة تحت أمطار الهند

19 نوفمبر 2022
يأتي العرض في إطار برنامج "قطر تُبدع" الثقافي بمُناسبة استضافة كأس العالم (العربي الجديد)
+ الخط -

أخذت المخرجة الأميركية الهندية، ميرا ناير، الجرعة الكبرى من الرومانسية والبهجة في فيلمها الشهير "زفاف مونسون" لتكون مسرحية موسيقية اختارت أن تقيم عرضها الأول في قطر، من 17 نوفمبر/تشرين الثاني حتى 27 منه، في إطار برنامج "قطر تُبدع" الثقافي بمُناسبة استضافة بطولة كأس العالم.

والجمهور الكبير الذي تابع المسرحية على مسرح عبد العزيز ناصر، في سوق واقف، أغلبه شاهد الفيلم الذي حقق شهرة عالمية واسعة منذ إصداره في 2001، وعليه كانت شخصيات الفيلم، وقد مضى عليها أكثر من عشرين عاماً، تستعاد عبر قصة طافت العالم ولكن بروح مسرحية بطلها الغناء والموسيقى والرقص والفكاهة والحب.

جاء فيلم "زفاف مونسون" في صورة مغايرة خارجة عن نمط بوليوود، وهو ملحمة الأدوات البسيطة في ستة أسابيع من الشغل، تحكي بضعة أيام تسبق زفاف الشاب الهندي (هيمانت) القادم من نيوجيرسي الأميركية على شابة هندية بنجابية في جنوب دلهي العاصمة.

وموعد الزفاف المرغوب في الثقافة الهندية هو شهور الرياح الموسمية "Monsoon" الجنوبية الغربية في الهند والمناطق المجاورة، التي تتميز بأمطار غزيرة جداً، تجلب الخير والفيضانات العنيفة أحياناً.

تحت هذا المطر يمكن اقتناص لحظة العمر في زفاف يبقى إلى الأبد، كما يتمنى الجميع، بينما المطر السنوي يروج ويجيء. وفي مواسم الزواج والأمطار الموسمية تطورت تقاليد هندية في الأزياء المناسبة التي يمكن أن تواجه البلل، والألوان التي تنسجم مع أجواء مغسولة بالماء، ومحفوفة بالبرق والرعد.

بيد أن ميرا ناير جعلت من زفاف مونسون مجالاً لمقاربات ثقافية، بين مجتمع هندي يقابله مجتمع هندي مهاجر إلى أميركا (العريس وذووه) أو إلى أستراليا، وما في ذلك من مواجهات أغلبها كوميدي، وبعضها صادم، ومع كل هذا ستكون الكاميرا العفوية والفوضوية تنقل أزمات مقيمة في المجتمع المحلي من الفوارق الطبقية والتزييف الاجتماعي، ولكن دون إغفال الترابط الأسري، الأمر الذي يستغربه ويستحسنه هندي متشرب بثقافة غربية.

هذه الجذور التي استندت إليها المسرحية تستلهم ما تريد من النص الأصلي، وفي بالها عرض فرجة على مسرح، استطاعت فيه تقديم سينوغرافيا غنية متعددة الأبعاد في هارمونية بصرية وسمعية على مساحات متعددة بين الحوش والشارع والطابق العلوي من فيلا العروس.

خليط من اللغات واللهجات، تسيطر فيها اللغة الإنكليزية بالطبع. فالفكرة الأساس التي يقوم عليها العمل، هو هذه الطبقة الاجتماعية في الهند كما هي حالها في عالمنا العربي، تفاخر بأنها تتحدث لغة مستعمرها، وإن لم يعد مستعمراً فهو النموذج الذي يشير إلى العصرنة، وتخشى أن تنكشف أي ثغرة تهز موقعها. نموذج ذلك بالطبع "لاليت" أبو العروس الذي يقترض المال من رفيقه في لعبة الغولف لإتمام زفاف ابنته على هذا القادم من أميركا.

في هامش هذه الطبقة، كان الشغيلة وأصحاب الحرف، وهم كما في الفيلم يظهرون كما تريد ميرا ناير بقوة، شركاء أصيلين في إنتاج المعنى على أرض الهند المتنوعة.

هناك قصة حب ذات شعرية عالية بين منظم الحفلات (دوبي) الذي يتوه في محبوبته الخادمة (أليس) إلى درجة أنه يأكل زهرات المخملية وهو شارد، وهو ذاته الخلطة بين الذكاء الفطري وملامح السذاجة، والذي لديه لكل سؤال جواب، حتى أنه توقع عدم نزول المطر في يوم الزفاف لأن الطواويس كفّت عن الرقص، وليس لديه أي مشكلة في أن تخالفه الأحوال الجوية وتمطر الدنيا بغزارة.

ينتصر الحب على طريقة ميرا ناير، أي وسط انكشاف الذات على آلامها، ووضع طبقات المجتمع المحلي والصراع الثقافي مع الخارج أمام فكاهة سريعة الإيقاع، قدمت أسئلتها تاركة لآخرين أن يطرحوا المزيد منها في الوجه الآخر للفكاهة: المأساة.

سيبدأ عرض المسرحية من 17 نوفمبر حتى 27 في  مسرح عبد العزيز ناصر (العربي الجديد)
تعرض المسرحية من 17 نوفمبر حتى 27 في مسرح عبد العزيز ناصر (العربي الجديد)

في إطار مسرحي، مضت الأمور كما يمكن أن تمضي دون لي أذرع. خرج الجميع من المسرح ولوحظ على الفور الأثر الذي تركه العرض وقد أطرب الناس موسيقياً وأضحكهم مرات كثيرة.

عليه، لم يؤثر تناول العصير أو غياب المستوى الساخن من القبلات على العرض، لأن الشكل المسرحي كان في غالبه غناء ورقصاً، وحوارات مرحة بين جماعتين هنديتين في المهجر والداخل. ولدى عرض أي محتوى فني حول العالم، (بالتحديد المسرح) فإننا نعثر على نسخ قد لا تكون متطابقة، آخذة في الاعتبار حساسيات ثقافية، كأن تعرض مسرحية أجنبية أمام جمهور هندوسي تتضمن ذبح بقرة كرتونية، أو حتى قبلات متوافرة لدى عرضها في برودواي.

هذا كله يمضي دون جعجعة، إلا إذا كانت ضمن حملة على التقاليد العربية كما جاء في تقرير لإحدى وكالات الأنباء (وربما كانت الجهة المنتجة رابحة من الضجة) لم تر في العرض إلا أنه محروم من كل هذا.

سينما ودراما
التحديثات الحية

أما جمهور مسرح عبد العزيز ناصر فهو أمام مسرحية تقول وتري شيئاً آخر إضافياً فوق ما فعله الفيلم الفائز بجائزة "الأسد الذهبي" في مهرجان البندقية السينمائي والذي رشح لجائزة "غولدن غلوب" لأفضل فيلم دراما وجوائز الأكاديمية البريطانية للأفلام (بافتا). إنها قطعة جذابة على مدار ساعة ونصف من غناء بأداء عال، فردي وجماعي، مع موسيقى الوتريات الهندية يترأسها السيتار، والإيقاعات اللاهبة بقيادة الدهولاك والطبلة.

وهو قبل هذا وبعده عرض "يطرح التوازن بين السكون والموسيقى وبين الظلام والفرح، كما أفادت ميرا ناير في تصريح سابق، مضيفة أن "القصة في جوهرها تتعلق بالحب الذي نُريد أن نفهمه والذي نتوق إليه جميعاً".

المساهمون