ريم كيلاني... هذا ما قاله المغنّي

19 يونيو 2022
يمثّل هذا الإصدار خطوةً أولى لمشروع بحثي وموسيقي طويل (من الفنانة)
+ الخط -

تفتتح الفنانة الفلسطينية ريم كيلاني مشروعها المُنقب عن موسيقى المجتمعات بألبوم مصغّر، يتألف من أغنيتين. تؤدي كيلاني، في هذا العمل، قصيدتين باللغتين العربية والفارسية، هما "قال المُغني" للشاعر الفلسطيني محمود درويش، و"طائر السحر" للإيراني محمد تقي بهار.

تعود الأغنية الإيرانية للفنان الإيراني الراحل محمد رضا شجريان (1940 - 2020). تقاطع موقف شجريان السياسي مع فنه؛ إذ كان له صوت معارض لنظام الشاه وكذلك نظام الملالي في إيران. تمثّل استعادة كيلاني شجريان خطوةً أولى من مشروع  طويل، تتناول فيه موسيقى مجتمعات عايشتها كيلاني أثناء طفولتها في الكويت، كما أنها ظلت مجاورة لها في بريطانيا، حيث تقيم الآن.

في نفس الوقت، يشمل هذا المشروع أغاني المجتمعات الذين منعت إدارة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، أفرادها من السفر إلى الولايات المتحدة. وهي موسيقى تنتمي، إضافة إلى ايران، لبلدان عديدة، منها اليمن والصومال وغيرها.

تقول قصيدة محمود درويش في مطلعها "هكذا يكبر الشجر، ويذوب الحصى، رويداً رويداً، من خرير النهر". ويستهله لحن كيلاني غناءً بروح الإلقاء، مع مصاحبة للبيانو على مقام العجم "المينور". واحتاطت بأن تجعل من اللحن خطاباً بليغاً، يصوّر فيه أداء الكلمة دلالةَ المعنى.

وبعد إلقاء قصير أقل تنغيماً، تتنامى حركة اللحن بغنائية عند مفردة "ويذوب"؛ فتبرر استعادة أول البيت بنفس المنحى التنغيمي، ليكون للبيانو دور الجرسية، إنما بتحولات تتوافق مع التصعيد اللحني والأدائي. ولعلها أرادت الاستجابة لدور التصوير في طريقة التعبير اللحنية والغنائية على حد سواء.

وهذا المجرى يحدده ظهور المغني على طريق المدينة وهو يشهر لحنه، بتعبير ضمني يتهادى فيه صوتٌ كاستجابة لحركة إيقاعية؛ فيمتد بعد توقف الغناء إلى فاصل قصير بضربات مترقرقة.

أول خطاب يوجهه المُغني للريح، ويستجيب اللحن بتصعيد متوتر، على خلفية متشنجة للبيانو. وهذا التعارض ينتقل إلى طابع مسرحي في التعبير الغنائي. يتبعه فاصل على العود بعلامات شرقية، بينما تصاحبه ارتعاشات بيانو متوترة. وتبلغ الأغنية ذروة تصعيدها الخطابي في "دمريني".

هنا، يكون الصراخ مصبوغاً بترعيش صوتي غير مُبالغ فيه، تعمقه العُرب الصوتية. فالزخارف تلامس الطابع الغنائي الإيراني، وهذا التفاعل الأسلوبي المُتعدد ساهم في التعبير العام. وربما تعمدت ريم كيلاني ذلك، أو أنها استجابت بصورة تلقائية لشهرين من التمرن على أداء أغنية شجريان الإيرانية.

يبرز دور العود في تحديد مسار الأغنية، بعد مدخل اتسم بسيطرة للبيانو. وهنا يكرس العمل أيضاً حضور أجناس ثقافية عبر الآلات؛ العود (شرق)، البيانو والكونترباص (غرب). وهذا حضور تمارسه الإيقاعات، والدرامز الغربي، والتُمبك الإيراني، إضافة إلى الطار الفلسطيني.

جسدت القصيدة كعمل لحني أيضاً افتتاحية لمشروع بحثي واسع في موسيقى المجتمعات. وهذا بحد ذاته يُعبر عن التغريبة الفلسطينية التي امتزجت وتعايشت وسط مجتمعات مختلفة وثقافات عديدة.

ينتقل خطاب المُغني من التصعيد المتوتر إلى انفراج يتسم بغنائية عاطفية، تنبعث من الصدر. ويبلغ ذروة ذلك التعبير، بعد إلقاء سردي جاف، بينما يؤكد أنه مات واقفاً كالشجر.

تُعد أغنية شجريان بمثابة لقاء كيلاني الأول مع موسيقى المجتمعات. وكانت الكويت ملتقى لأكثر من ثقافة موسيقية، بما في ذلك أغاني إيرانية. وشكل شجريان، إلى جانب نجمة الستينيات والسبعينيات كوكوش، أبرز الأصوات الإيرانية المعروفة هناك.

نجوم وفن
التحديثات الحية

ويبدو أن كيلاني تعمدت أن يكون هناك تجاور مقامي، فأغنية "طائر السحر"، وبالإيرانية "مُرغِ سحر"، لحنها أشبه بترنيم إيراني على مقام عجم، ويسمى في إيران ماهور. بينما يطلق العرب اسم ماهور على مقام من عائلة الراست، والذي يُشتق في البداية على جنس الراست، لينتقل من الدرجة الخامسة إلى جنس العجم.

وبالطبع، يعتمد النسيج الموسيقي الإيراني على نظام يعرف بـ"دوستكاه"، وهو ما نسميه في العالم العربي "مقام".

وبالنسبة لمغنية عربية؛ فإن كيلاني نجحت في إجادة اللون الإيراني. وبصورة أخص في ما أضفته من مساحة ترنيم. ولم تغفل أيضاً، كمنفذة موسيقية، عن إضفاء طابع عربي في بعض لمسات العود.

المساهمون