رياضة اليوغا... نزع فتيل التوتر بين الهند والصين

08 يوليو 2021
في يوم اليوغا العالمي تنظم العديد من الاحتفالات في الصين (Getty)
+ الخط -

في ذروة التوترات الأمنية بين الصين والهند على خلفية النزاعات الحدودية بين البلدين والمستمرة منذ عقود، شهدت العاصمة الصينية بكين مؤخراً فعالية كبيرة بعنوان "الصلاة من أجل الهند"، وذلك في أعقاب تفشي الوباء في الأراضي الهندية ووصول أعداد الوفيات اليومية إلى معدلات قياسية. 

شارك في تلك الفعالية، أكاديميون ومثقفون صينيون وعدد كبير من أفراد الجالية الهندية، إلى جانب مدربي اليوغا الهنود وطلابهم الصينيين، وأعرب المشاركون عن كامل تعاطفهم مع الشعب الهندي، وقد حظي النشاط بتغطية واسعة في وسائل الإعلام الصينية بالإضافة إلى مواقع التواصل الاجتماعي في البلاد، والتي كانت حتى وقت قريب تشيد ببطولات الجنود الصينيين في ردع "التجاوزات الهندية" على الشريط الحدودي الممتد بين البلدين على مساحة أربعة آلاف كيلومتر.

ما تقدم يشير إلى مدى تأثير ونجاح القوة الناعمة الهندية في تسجيل اختراقات داخل المجتمع الصيني، وذلك من خلال "رياضة اليوغا" باعتبارها أحد التسريبات الثقافية التي ساهمت إلى حد كبير في الحفاظ على شعرة معاوية بين الطرفين حتى في أحلك الفترات وأكثرها توتراً، سواء على المستوى السياسي أو الأمني. وكانت رياضة اليوغا قد دخلت لأول مرة إلى الأراضي الصينية في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، عبر أحد البرامج التلفزيونية، وبعدما لاقى البرنامج رواجاً واسعاً، تشجّع عدد من المدربين الهنود وذهبوا إلى الصين لتقديم دورات تدريبة، وسرعان ما تحولت الدورات المحدودة إلى مراكز تدريب دائمة، ومن ثم معاهد وأكاديميات متخصصة تمنح الخريجين شهادات معتمدة وموثقة من السلطات الصينية.

رياضة اليوغا دخلت لأول مرة إلى الأراضي الصينية في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، عبر أحد البرامج التلفزيونية

ومع مرور الوقت أصبح اليوم العالمي لليوغا الذي يوافق 21 يونيو/حزيران الجاري، واحداً من أكثر الأيام خصوصية بالنسبة للصينيين، حيث تنظم احتفاءً بهذا اليوم العديد من العروض والأنشطة في مختلف المدن والمناطق الصينية، بما في ذلك سور الصين العظيم، وقد وصل الأمر ببعض الصينيين إلى المطالبة بإدراج يوم اليوغا في قائمة المهرجانات التقليدية في البلاد.

وكان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، قد تنبّه مبكراً إلى مدى تأثير اليوغا على الشعب الصيني، فقام عام 2016 بإنشاء صفحة خاصة له على موقع ويبو الصيني، وبدأ بنشر مقاطع فيديو لتعليم اليوغا، بالإضافة إلى أنشطة أخرى لها علاقة بالتبادلات الشعبية بين البلدين. وفي زيارة له إلى الصين عام 2015، حضر ناريندرا مودي رفقة نظيره الصيني لي كه تشيانغ، عرضاً مشتركاً لليوغا نظّم في ساحة المعبد السماوي بالعاصمة بكين.

حول ظاهرة انتشار اليوغا، ومدى تأثيرها في المجتمع الصيني، قال أمارجت كومار، وهو مدرب في معهد كوانجو لليوغا، إن الفضل في ذلك يرجع إلى قنوات الاتصال الشعبية بين البلدين، مشيراً إلى أن الصين والهند صاحبتا أقدم الحضارات على مر التاريخ، وتشتركان في الكثير من السمات الإيجابية، من بينها حب الرياضة. وأضاف في حديثه لـ "العربي الجديد"، أن حماسة الشعب الصيني لممارسة اليوغا، تنبع من رغبة الإنسان في تحقيق الانسجام والتوازن بين الروح والجسد، وهو أمر لا يمكن تحقيقه إلا في هذا النوع من الرياضات التي تمنح السكينة للنفس البشرية من خلال طرد الطاقة السلبية وتحويلها إلى قوة إيجابية بناءة.

كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، قد تنبّه مبكراً إلى مدى تأثير اليوغا على الشعب الصيني

ولفت أمارجت كومار، إلى أن اليوغا أصبحت منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، واحدة من أكثر الرياضات شعبية في الصين، ولا تزال تنتشر في جميع أنحاء البلاد. وأضاف أنه يوجد حالياً أكثر من 8500 نادي يوغا في بلاد التنين (منها 280 مركزاً في بكين)، كما وصل عدد ممارسي اليوغا الصينيين إلى 350 مليونا، ما يعني 25 في المائة من إجمالي عدد السكان  (مليار وأربعمائة مليون). وفي سياق متصل، أشار أمارجت كومار، إلى أنه تم في شهر إبريل/نيسان الماضي، افتتاح أول مكتبة وطنية لليوغا في الصين بمدينة كوانجو جنوب البلاد، وقال إن المكتبة تضم أكثر من عشرة آلاف كتاب عن اليوغا الهندية، بالإضافة إلى كتب أخرى حول الطب والعلوم الإنسانية والتاريخ والفلسفة. معتبراً ذلك تتويجاً لسلسلة من الجهود الهادفة إلى تعزيز أواصر العلاقات بين الشعبين المتجاورين.

وعن دور الدبلوماسية الشعبية في الحفاظ على قنوات وخطوط خلفية في ظل علاقات الساسة المشحونة، قال الباحث في الشؤون الآسيوية لي بو، إن ذلك ساهم بشكل كبير في تخفيف التوتر بين البلدين بسبب النزاعات والاحتكاكات الحدودية المستمرة. وأضاف في حديث لـ "العربي الجديد"، أن الصين لديها تجربة سابقة في مسألة الدبلوماسية الشعبية، ودور الرياضة في تطويع العلاقات السياسية التي غالباً ما تكون مشحونة بسبب التنافس التقليدي أو النزاعات بين الدول. وأشار في ذلك إلى مباراة الـ "بينغ بونغ" الشهيرة التي جمعت الفريق الأميركي بنظيره الصيني في العاصمة بكين عام 1971، والتي تسببت في ما بعد بكسر الجمود بين البلدين عندما وطئت قدما الرئيس الأميركي الراحل ريتشارد نيكسون أرض الصين في زيارة تاريخية تكللت بتطبيع العلاقات الدبلوماسية بعد عقود من القطيعة السياسية.

وأكد لي بو، أن بكين تدرك مدى تأثير القنوات الخلفية والتبادلات الثقافية بين الدول، معتبراً أن ما يعرف بـ "دبلوماسية الباندا" التي انتهجتها الصين خلال السنوات الأخيرة، ساهمت بشكل كبير في خفض وتخفيف التوترات خصوصاً مع الولايات المتحدة وحلفائها في الغرب، وأضاف أن الهند تقوم بنفس الدور اليوم مع الصين، وقد نجحت إلى حد بعيد، في إيجاد قنوات بديلة تخطب من خلالها ود الشعب الصيني، في وقت لا يزال فيه الجانبان ينفضان الغبار بعد صدامات دموية على الحدود.

المساهمون