رون داينز (2/ 2): السينما لن تُغيّر العالم لكنّها تساهم في ذلك قليلاً

02 فبراير 2022
رون داينز في حفلة "سيزار" الـ46 (2021) الفرنسية (توماس سامسون/فرانس برس)
+ الخط -

بمناسبة مشاركته في الدورة الـ19 (11 ـ 15 أكتوبر/تشرين الأول 2021) لـ"المهرجان الدولي لسينما التحريك بمكناس"، حيث قدّم "بطاقة بيضاء"، عُرض فيها بعض إنتاجاته القصيرة، وتلاها نقاشٌ ثريّ مع الجمهور؛ كما شارك في مائدتين مستديرتين حول إنتاج وتطوير مشاريع سينما التحريك، وأنشطة أخرى، تناول المنتج رون داينز ـ في حواره مع "العربي الجديد" ـ مسائل عدّة تختصّ بإنتاج أفلام التحريك، القصيرة والطويلة والوثائقية.

في الجزء الأول (31 يناير/كانون الثاني 2022)، غاص داينز في علاقته الشخصية والمهنية بآليات الإنتاج والمتابعة، وقبلهما بكيفية اختياره مشروعاً، والعمل عليه. في الجزء الثاني، يُكمِل سرده لتفاصيل جمّة ومتنوّعة.

(*) يروقني حقاً تنوّع المشاريع التي تنتجها شركة الإنتاج الخاصة بك، لأنّ هناك تنويعاً في مدّة الأفلام وتقنيات التحريك. كما أنّك أنتجتَ فيلماً وثائقياً. كيف جاءتك هذه الفكرة؟

مُخرج هذا الفيلم شخصٌ غير عادي. مجنون تماماً. بدايةً، التقيتُ شخصاً مُكلَّفاً بتوليف الفيلم قبل الاشتغال على مرحلة ما بعد التصوير. قال لي: "أعرفُ مخرجاً يريد صُنع فيلمٍ عن تاريخ السينما التجريبية". سألته: "لماذا تريد صنع فيلمٍ آخر عن هذا الموضوع؟"، فأجابني: "لا وجود لأيّ فيلمٍ من هذا النوع"، فكان ردّي الفوريّ: "إذاً، لا بُدّ أنْ ينوجد". هكذا، بكل بساطة.

بالنسبة إليّ، عندما أنتج فيلماً، فذلك لأنّي أرغب في مشاهدته. أصلاً، أقرأ السيناريو، لكنّي أريد مشاهدته، أنا كطفلٍ مدلّل، وهذا يُكلّف غالياً (ضحك). الكتابة ليست المرحلة النهائية. الأمر يشبه سيرورة الفراشة. السيناريو بمثابة اليرقة، ويجب أنْ تصبح اليرقة فراشة، وينبغي أنْ تكون الفراشة جميلة. عندما أكون أمام اليرقة، تتكوّن لديّ رغبة عارمة في أنْ أرى كيف ستبدو عندما تتحوّل إلى فراشة.

(*) هل تُخطّط لإنتاج أفلامٍ وثائقية أخرى؟

مُنفتحٌ أنا على كلّ شيء. أترك المجال مفتوحاً للانجراف مع التيار. إذا عثرتُ على موضوع وثائقي يُثير اهتمامي، أسعى إلى إنتاجه طبعاً.

(*) ما التحدّيات التي يواجهها إنتاج أفلام التحريك، في سياق هيمنة عروض منصّات المشاهدة والبثّ عبر الإنترنت؟

أعتقدُ أنّ الشيء الذي سيثير الاهتمام يكمن في أن تدعم هذه المنصّات مشاريع أكثر جرأة، ربّما بأموال أقل، لكنْ أنْ تُسلّط الضوء عليها بطريقة أو بأخرى، لإبرازها بين العروض الأخرى. أنْ يُسلّط الضوء على أفلامٍ كـ"مارونا"، لأسبوعٍ أو شهرٍ، على منصّة مُعيّنة. سيكون هذا مفيداً أكثر، وأقلّ كلفة من حملاتٍ ترويجية في كلّ بلدٍ على حدة. سيكون رائعاً أنْ تدعم كلّ منصّة بعض الأفلام المتفرّدة، وتقول "إنّ هذا الأسبوع مخصّص بالفيلم الفلاني، وننصحكم بمشاهدته. لا يتعيّن عليكم الاستمرار في مشاهدته إن لم يرقكم، لكن امنحوه فرصةً من فضلكم".

مجازفة مشاهدة فيلم على منصّة، في المنزل، أقلّ تعقيداً من ركوب السيارة أو الترام للذهاب إلى الصالة، ودفع ثمن التذكرة، لمُشاهدة فيلمٍ ربما يكون سيئاً في النهاية. هكذا، سيقبل المشاهدون أكثر على المجازفة، وربما يقودهم ذلك إلى مُشاهدة هذا النوع من الأفلام في الصالات أيضاً، في مرحلة تالية.

(*) ما الفرق، من حيث المقاربة والصعوبة، بين إنتاج فيلم تحريك قصير وآخر طويل؟

يبلغ عدد صفحات عقد إنجاز الأفلام الطويلة عشرة أضعاف عدد الصفحات في عقد الفيلم القصير. من قبل، كنتُ أعتقد أنّ بإمكاننا استرداد الأموال المصروفة في إنتاج الأفلام الطويلة، بحكم أنّها، عكس القصيرة، تُوَزّع في الصالات وتُسوَّق دولياً. لكنّ الأمر يزداد صعوبةً يوماً تلو آخر.

بالنسبة إلى الفيلم القصير، ينبغي التأكّد من قدرتك على الانتهاء من العمل عليه، مالياً، قبل البدء في الاشتغال عليه، لأنّك لن تحصل على المال الكافي بعد ذلك. من البديهيّ أن تكلفة إنتاج كلّ دقيقة مختلفة تماماً بين الفيلمين الطويل والقصير. هناك مالٌ قليل لإنتاج فيلمٍ قصير، لكنّ المشاكل نفسها تقريباً، في العمق.

الأمر مُعقّد للغاية. يتعيّن عليك تشكيل فريق إنتاج من 5 أشخاص على الأقلّ، في الحالتين. لا أزال أنتج أفلاماً قصيرة، لكنّ المُهمّة تزداد صعوبة كلّ مرة، لأن المال لا يتوفَّر دائماً، وتُصبح الأمور أكثر توتّراً. لكنّي أحبّ ذلك، لأن هناك حرية أكبر في تناول المواضيع في الفيلم القصير.

(*) بعد الفترة الحرجة التي تلت تفشي كورونا، وما كان لها من تداعيات كارثية على إنتاج الأفلام وتوزيعها، التي أتخيّل أنّها كانت أكثر تأثيراً على سينما التحريك، هل هناك خطة للجهات المشرفة على القطاع في فرنسا لإعادة إطلاق النشاط؟

لا، ليست هناك خطّة خاصّة. أعتقد أننا حصلنا على دعم جيّد نسبياً أثناء فترة الحجر. كانت الإجراءات مختلفة تماماً، في ظلّ هذه الأزمة الصحية، عمّا يُتّخذ عادةً في أزمةٍ اقتصادية. كان علينا الانتظار حتّى تمرّ الفترة الحرجة، وأنْ نُمنّي أنفسنا بأنّ الأشخاص الذين لم يستهلكوا الصُوَر في هذه الفترة، سيستهلكونها بشكل مضاعف بعدها. هذا يحدث اليوم فعلياً. في فرنسا، الطلب قوي للغاية على الأفلام حالياً.

إلى ذلك، معدل البطالة منخفض جداً، ويستمرّ في الانخفاض، ليصل إلى مستوى أقلّ مما كان عليه قبل الأزمة. هذا إيجابيّ جداً. لكنْ، من ناحية أخرى، لاحظنا أنّ بعض الشركاء لم يفهم قواعد اللعبة. أرسلنا إليهم الملفات، لكنهم بقوا في منازلهم، بعد اعتيادهم على ألاّ يفعلوا شيئاً. أقصد المؤسّسات العامة تحديداً. كأنّهم فقدوا الاهتمام بإنجاز المهام التقليدية، التي اضطلعوا بها في الـ20 أو الـ30 عاماً الأخيرة. بينما يتعيّن على مالك شركة دفع رواتب الموظّفين، والمحافظة على شكل من أشكال النجاح، وعلى قدر مُعيّن من الربح، والعثور على مشاريع مناسبة لتحقيق ذلك. لكنّ المؤسّسات العامة تمتنع، أحياناً كثيراً، عن الردّ في الوقت المناسب.

(*) بما في ذلك التلفزيون الفرنسي؟

نعم. كان الاشتغال مع "فرانس تلفزيون" صعباً، في الفترة الأخيرة.

(*) رغم أنّك فزت بكلّ شيء تقريباً.

ليس كلّ شيءٍ.

(*) الجوائز المهمّة، لا سيما "غراند شلام" المهرجانات الأوروبية، "كانّ" وفينيسيا وبرلين. عددٌ قليل جداً من المخرجين نجح في ذلك، على مستوى الفيلم الطويل مثلاً. فقط مايكل أنجلو أنتونيوني وجورج كلوزو وروبرت ألتمان. العائق الوحيد في حالتك هو أنّ "الدّب" فضيٌّ وليس ذهبياً.

نعم. هذا مبعث ندمي الكبير في الحياة (يضحك)، إلى جانب الـ"أوسكار" الذي رُشِّحتُ له من دون الحصول عليه.

(*) من ينظر إلى الجوائز الرفيعة الكثيرة التي حصلت عليها، ويراك بالأمس مُنتظراً عند باب صالة السينما، بعد انتهاء عرض "مارونا"، لتسأل المشاهدين عن رأيهم فيه، وتنظر من فوق أكتافهم توقاً إلى اكتشاف العلامة التي منحوها له، كشخصٍ بدأ للتوّ في المجال، يتساءل: كيف تحافظ على الحافز لتقوم بكلّ ما تقوم به؟

في الواقع، كنتُ سعيداً جداً بالحصول على "السعفة الذهبية" لمهرجان "كانّ". لكنْ، بالنسبة إليّ، لم تكن هذه غاية بحدّ ذاتها، خاصّة أن عمري كان 40 عاماً. لم يكن ممكناً التوقّف عند 40 عاماً طبعاً. بعد ذلك، ليس هناك مجال للاستراحة. هناك دائماً أشياء أخرى يتعيّن القيام بها. أشكال جديدة يجب العثور عليها. مؤلّفون ينبغي اكتشافهم. قصص جديدة تستحقّ أن تُروى.

عندما أنظر إلى الفرق بين ما يصلني على الورق والنسحة النهائية للفيلم، ينتابني شعور رائع دائماً. عندما أرى الناس يتأثّرون ويضعون علامةً كاملةً للفيلم، وآخرون يخرجون من الصالة بعيون مغرورقة، أشعر بسعادة عارمة. هذه أشياء تؤثّر فيك حقاً.

أعلم جيداً أنّ السينما لن تُغيّر العالم، لكنّها تساهم في ذلك قليلاً. مهمٌّ أنْ يتذكّر الناس أشياء جميلة. أنْ يحتفظوا بشيءٍ جميل فيهم.

المساهمون