استمع إلى الملخص
- يسلط الفيلم الضوء على التحديات التي تواجهها النساء الأصليات، مثل العنصرية والتمييز، ويقدم نظرة حميمة على حياتهن اليومية في إطار درامي يجمع بين الجريمة والإثارة.
- بأسلوب سردي متمهل، يبرز الفيلم قوة النساء الأصليات في مواجهة التحديات، مركزاً على العلاقات الإنسانية والتعاطف مع الشخصيات النسائية.
لا تريد روكي (إيزابيل ديروي ـ أولسون)، ابنة الـ13 عاماً، شيئاً أكثر من المشاركة في رقصة الأمّ والابنة مع والدتها تاوي، في "مهرجان باو واو" الكبير المقبل، في مدينة أوكلاهوما. في العام الماضي، سيطرت الاثنتان على هذه المنافسة، كما تُخبِر خالتها جاكس (ليلي غلادستون) بابتسامة. لكن "الرقصة الفاخرة (Fancy Dance)" للاثنتين، وهذا عنوان الفيلم المستقلّ (2023) لإيريكا ترامْبلاي، تواجه خطر ألا تحدث، لأنّ تاوي مفقودة منذ أسبوعين، وتعيش روكي مع جاكس في منزل الأخيرة، في محمية سينيكا ـ كايوغا للسكّان الأصليين.
سريعاً، يزور موفدٌ من مكتب رعاية الشباب منزل جاكس بسبب اختفاء أختها، التي يبحث عنها المجتمع الأصلي بشكل مكثّف، ويأخذ ابنة أختها بعيداً عنها. سبب ذلك إدانات سابقة لجاكس بالمخدّرات. تضع السلطات الهندية لحماية الأطفال ورعايتهم روكي تحت وصاية جدّها الأبيض المنفصل فرانك (شيا واغِن)، الذي لا تعرفه إطلاقاً، والذي غادر المحمية منذ سنوات، بعد وقتٍ قصير على وفاة زوجته الأصلية، والدة تاوي وجاكس. السلطات، التي لا تتردّد لحظةً عندما يتعلّق الأمر بانتزاع طفل أصلي من عائلته، لا تهتم أبداً بالبحث عن الأمّ المفقودة.
لا يوجد في أي مجموعة سكّانية أخرى في الولايات المتحدة وكندا عددٌ مماثل من النساء المفقودات والمقتولات، كحال المجتمعات الأصلية، ما أدّى إلى تأسيس حركة MMIW (نساء وفتيات السكّان الأصليين المفقودات والمقتولات).
في فيلمها الروائي الطويل الأول هذا، تقدّم إيريكا ترامْبلاي، المقيمة في نيويورك، وابنة شعب سينيكا ـ كايوغا، نظرة حميمة على حياة النساء الأصليات في "ريز" (اسم المحمية في الفيلم) التي لم تُعرض سابقاً على جمهور عريض.
في النهاية، تهرب جاكس مع ابنة أختها، التي تلتقطها ليلاً من منزل والديها في إحدى ضواحي الطبقة المتوسطة، وتنطلق معها إلى "مهرجان باو واو"، على أمل لقاء أختها هناك. في الوقت نفسه، تبحث هي وشقيقها جيه جيه (ريان بِغاي)، شرطي القرية، عن مكان وجود تاوي، التي تعمل راقصة وتبيع المخدرات في معسكر لعمّال النفط.
تحصل جاكس وروكي، كامرأتين قويتين، على ما تحتاجان إليه للبقاء على قيد الحياة بجرأة كبيرة. تسرقان سيارات وبنزينا من محطة الوقود، وتقتحمان فيلا معروضة للبيع، للاختباء من رجال الشرطة وعملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي، الذين يطاردون جاكس بتهمة اختطاف ابنة أختها القاصر، المتورّطة بدورها في كلّ هذه الاحتيالات. يتّضح مدى خطورة وضع الاثنتين، عندما يوقفهما ضابط في إدارة الهجرة والجمارك في موقف سيارات: "ما وضعكما في الهجرة؟"، يسأل ضابط الشرطة الأبيض المرأتين، ويتعيّن عليهما تبرير سبب خروجهما في الأماكن العامة.
يروي "رقصة فاخرة" قصة غير مُبهرة، لكنّها قوية، عن الحياة اليومية العنصرية التي يتعيّن على السكّان الأصليين تحمّلها في المجتمع الأميركي. تتألّق ليلي غلادستون في دورها كامرأة قوية ومثليّة من السكّان الأصليين لا تنهزم، وتصرّ على القتال من أجل نفسها وعائلتها، بلا تراجع أو استسلام. عملٌ يتحدّى التعريفات والقوالب الواضحة، ففي 90 دقيقة، يُقدّم الفيلم نفسه كفيلم جريمة وإثارة، وقصة نضوج، ودراما اجتماعية، وفيلم طريق، وحكاية عن تفكّك عائلة يتعيّن عليها التعامل مع اختفاء أحد أفرادها، وكذلك مع السلطات التي تنتزع الأطفال من أسرهم بشكل أعمى.
هذا موضوع مؤثّر على السكّان الأصليين في الولايات المتحدة وكندا عقوداً من الزمن. موضوع حسّاس وشائك في تاريخ القارة الحديث، وتناوله العام الماضي مسلسل كندي قصير بعنوان "Little Bird". تنوّعٌ يشير إلى ازدياد الانشغال بالموضوعات المتعلّقة بالسكّان الأصليين، كما يُظهر الفيلم الأخير لمارتن سكورسيزي، "قتلة زهرة القمر" (2023)، التي مثّلت فيه غلادستون أيضاً.
لا تقدّم ترامْبلاي (سينمائية متخصّصة في الأفلام الوثائقية، دُعِم مشروع فيلمها الروائي بمنح عدّة من "مهرجان ساندنس السينمائي") صورة رومانسية للحياة الأصلية في الولايات المتحدة، بل صورة رصينة وبسيطة. هذا أسلوب سردي متمهّل، وتطوّر دقيق للشخصيات، إلى أداء تمثيلي رائع. أسلوب خلق القوة السردية لفيلمٍ مُصمّم إلى حدّ كبير كفيلم طريق، يُقدّم قصة لافتة وممتعة في بعض مواضعه. المناخ الاجتماعي في بيئة البطلات قاسٍ، وهناك اتّجار كثير بالمخدرات، واستهلاكها. تدور أحداثه (فيه حوارات بلغة كايوغا، وشارك في إنتاجه فورست ويتايكر وغلادستون نفسها) في نوادٍ ليلية، حيث تنتشر الكحوليات وتعاطي المخدرات بكثرة، وحيث تحاول البطلات النجاة في سياقٍ يهيمن عليه العنف العنصري والجنسي، إذْ يميل معظم العاملين البيض في النفط إلى إقامة علاقات مسيئة مع نساء من المجتمعات الأصلية.
لا تذهب الكاتبة والمخرجة ترامْبلاي أبعد من ذلك في إدانتها، ولا تستسلم لإغراءات الصوابية السياسية، إذْ تركّز على العلاقات الإنسانية، وتتعاطف مع الشخصيات النسائية التي يجب أن تسعى وتجد طريقها في سياقات قذرة، تفتقر إلى الفرص، وفي حالات كثيرة إلى العدالة.