يكتب الفلسطينيون رسائلهم من غزة حيث يتعرضون لحرب إبادة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. ينعون أهلهم وأصدقاءهم وزملاءهم وجيرانهم وحيواناتهم... كما يقدمون لنا نظرة عن معنى أن تكون إنساناً يشهد على إبادة شعبه.
في الخامس والتاسع من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، كتبت الشاعرة مريم قوش من غزة: "نفتتحُ يومَنا بتفقدِ من نُحبْ، مَن نجا من الحربِ؟ ومن ارتاحَ منها؟ نبدأُ بالتفتيشِ في قائمةِ الأسماءِ الصاعدةَ إلى السماءِ. في كل يومٍ تتسعُ بوابةُ السماءِ لحشدٍ أكبر من الأحبّة الذين يرحلون. في كلِ يومٍ تزيدُ الأسماءُ وتتسعُ السماءُ. ونحن ما نزالُ ما نزالُ... ننتظرْ! أسماءُ الشهداءِ كلُها مَصحوبةٌ بواو عطفٍ، استُشِهد فلان وأمُه وأبوه وأبناؤه ومربعُه السكنيّ وذاكرتُه وأحلامُه وأيامٌ كانت تنتظرُه... وهكذا... والعطف يطول".
وفي 24 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، كتب الشاعر يوسف القدرة من غزة: "يمكنُني أن أكتبَ قصيدةً بالدمِ النازف
بالدموع، بالغبارِ في صدري، بأسنانِ الجرّافةِ، بالأشلاءِ، بحطامِ البنايةِ، بعرقِ الدفاعِ المدني بصراخِ النساءِ والأطفالِ
بصوتِ الإسعافاتِ، بحطامِ شجرةِ أُحبُها، بكلِ هذه الوجوهِ التي تتفقدُ مفقوديها، بصوتِ الطفلِ أَنَسْ تحتَ الركامِ: أنا لسه عايش، بجثثٍ لا ملامحَ لها، بالانتظارِ والانتظارِ والانتظار! يمكنُني أن أكتبَ قصيدةً بالخذلانِ المُدوّي، بالصمتِ العاري، بالحيادِ اللزج، بالعجزِ المفضوح، بالانبطاحِ لأميركا. ماذا يمكنُ أن تفعلَ قصيدة"!
وفي 21 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، كتب الشاعر عثمان حسين من غزة: "جالسةً كانتِ الحربُ، ثم قامت خجولةً في أيامها الأولى تخفي وجهَها وأنفاسَها. أولُ القتلى سيحملُ اسماً ورقماً، وربما لونُ حذائه ستذكرُه الطبولُ، سيكون محظوظاً، مُعَرّفاً بالشهيد. ونمضي أرقاماً متضاربةً، بلا أسماءٍ أو حكايات. قامتِ الحربُ كفتنةٍ ملعونةٍ، ولم تكن نائمةً كما تدّعي".
وفي 8 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، قالت كاتبة القصة أميرة حمدان من غزة: "كم أنا قوية، اكتشفتُ ذلك كلما اقتربَ الخطرُ وعلا صوتُ الموتِ حولي، ماذا لو كنتُ أنا ضحيتَه التالية، لن يغيرَ هذا شيئاً من حقيقةِ روحي سوى أنني سأنتقلُ حيث كنتُ أحلمُ دوماً. سماءٌ مفتوحةٌ ومدى يتسعُ لفيضِ ما يسكننُي من حبٍ وأغنيات، سأجوبُ العالمَ بخفةِ عصفورٍ وسرعةِ صقرٍ وسأبدلُ ارتفاعاتي صعوداً وهبوطاً فرحاً وتجريباً لشعوري الجديدِ بهذه الحريةِ المطلقة، سأتحررُ من الاحتمالاتِ المنطقيةِ الأرضيةِ التي طالما أرهقتني وأرقصُ كنورسٍ هائمٍ في بحرِ خيالِه الممتد، سأصيرُ لحناً صاعداً من أعماقِ الكونِ السحيقةِ نحو جنتِه العالية".
في 12 يناير/ كانون الثاني الحالي، كتبت الحكواتية بيسان عودة بالإنكليزية: "كبرت عشرين عاماً في الأيام الـ97 الماضية. رأيت فظائع العالم كله. لو أنني طالعت في الكتب ما يحصل بحقنا، لم أكن لأصدق. دمنا مسال على الطرقات، وأجساد المعدمين ممن نحبهم، مع أطفالهم، تحللت في الشوارع. بيوتنا ومدننا تدمرت وأحرقت وسويت بالأرض. حوصرنا، وجعنا... أكلنا ورق الشجر حتى لا نموت من الجوع، ومع ذلك متنا من الجوع. هجرنا من بيوتنا الدافئة، وأقمنا في خيم تملؤها الأمراض. العالم لا يستطيع تغيير ما حدث، لكن من الممكن تغيير مستقبلنا كلنا. أوقفوا هذا الجنون. أوقفوا إطلاق النار الآن".