يكتب الفلسطينيون رسائلهم من غزة حيث يتعرضون لحرب إبادة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. ينعون أهلهم وأصدقاءهم وزملاءهم وجيرانهم وحيواناتهم... ويقدمون لنا نظرة عن معنى أن تكون إنساناً يشهد على إبادة شعبه.
في 7 أكتوبر، كتب الروائي محمود جودة من غزة: "عائدون... هذا المستحيل الذي سيتحقق يوماً ما، مات الكبار يا بن غوريون، وها هم الصغار يتّجهونَ نحوَ الأصل، فلا توطين، ولا وطن بديل، بلادنا أولى بنا نروحها رافعي الأعلام حاملي الأرواح على الأكفّ. سنواتٌ طويلةٌ حاول فيها العرب والعجمُ حرفَ البوصلة، سرقة الأمل، إطعام الفم كي تغفل العين وما غَفَلت. المجد يا بلادي التي لا تموت، ولن تموت ما دام أهلها رغم الظلم قادرين على الضحك والأمل والتضحية. صبرت غزة على ما لا يمكن لأحد الصبر عليه، شكرت غزة الجميع، وبذلَت الدمَ تلو الدم، ودقت على صدرِها ودافعت عن كل أطرافِ الوطن. فعلتْ كلَّ ما يجبُ عليها فعلُه بالتمامِ والكمال. لكن الجميعَ أرادَ لها أن تركعَ على ركبتيها. لا ركبَ في غزة لتركعَ عليها، لو كان ذلك لفعلَت منذ زمنٍ بعيد. غزة غيومٌ تحلّقُ في السماء، غزة اللعنةُ الأبدية، غزة مفاجأةُ الله، أنْ لا خوفَ عليهم، ولا هم ييأسون. الآن، الأمرُ أضحى سيَّين، أحياءٌ موتى، وموتى أحياء، لم يتركوا لنا مجال إلا أن نتفجّر، وها نحن نفعل".
وفي 9 نوفمبر/ تشرين الثاني، كتبت الشاعرة هند جودة: "لا سكر في المدينة! أريدُ أن أخبزَ كعكةً ولا سكرَ في المدينة، لا ابتساماتِ تهطلُ في الوجوه العابرة، لا شرفاتِ تطلُّ على الأحلام، والنوافذ لم تعدْ إلى أماكنِها منذُ آخرِ الحروب! أريدُ أن أخبزَ رغيفاً ولا قمحَ في الحقول، لا يوجدُ سوى فزاعةٍ متهالكةٍ ترهبُ الفلاحين، ولا تخيفُ الغراب! أريدُ أن أخبزَ قمراً، ولا فرنَ يتسعُ لاستدارتِه الشاهقة، لذا قررتُ أن ألتهمَ قلبي نيئاً، فلا نارَ في المدينة!".
وكانت هند جودة قد كتبت في 12 أكتوبر: من يعيدُ لنساءِ غزة ضجرَهُنَّ العادي؟! من يعيدُ لهنّ مكانسَهُنّ، قدورَ الطبخِ وجلسة العائلةِ حولَ طعامِها الساخن؟ من يعيدُ لهنّ انتظارَ عودةِ الصغارِ من المدارس؟! من يعيدُ لحظةَ الاستيقاظِ في الصباحِ العادي وكسلِ الصغيرِ الذي يسألُها خمسَ دقائقَ نومٍ أخرى ليُكملَ الحُلم؟! من يعيدُ لهنّ نهارَهُن الهادئ وحبلَ غسيلٍ طويلاً؟".
وفي 23 أكتوبر، كتب الشاعر حيدر الغزالي من غزة: "أحلامُنا بسيطةٌ جداً. أريدُ أن تمشوا في جنازتي، أن تُلقوا على وجهيَ الزهور، هذا لأنني أريدُ وجهي، أريدُ وجهي، ولأنني لا أحبُ الانتظار. أريدُ من غرفتي التي اتسعت لأحلامي الكبيرة ألا تخنقَني. لا أريدُ انتظارَ الموتِ تحتَ الركام، فإني -مرةً أخرى- لا أحبُّ الانتظار، وقبلَ هذا الموت، أريدُ أن أكونَ إنساناً لآخرِ مرة. أن أرشفَ التوت في ليالي السُّكون، وأعبرَ نقياً، إليك يا الله...".
وفي 24 أكتوبر، كتبت الشاعرة فداء زياد من غزة: "أعيشُ هذه الإبادةَ بخيالاتِ ثلاثةِ صغارٍ: أولُهم كان يختفي تحت شرشَفِه ويقولُ أريدُ أن أكونَ شبحاً كي لا تراني الطائرة، وثانيهُم كان يقولُ عن صوتِ قصفِ الزوارقِ الحربيةِ صوت أخطبوطِ البحر، وآخرُهم كانت تقولُ ليتني سلحفاةٌ أخبئُ كلَ الناسِ في قوقعتي. يا يدَ الخيالِ هدْهِدي كلَّ الصغارِ واحفظي لهُم أحلامَهم".
الرسائل نشرتها صفحة مؤسسة العمل للأمل على "فيسبوك".