"ذي أونيون يساند إسرائيل، إذ يبدو أن هذا الخيار يورطكم أقل"، هكذا كتب الموقع الأميركي الساخر في 13 أكتوبر/ تشرين الأول، بعد أسبوع على بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، في أعقاب عملية طوفان الأقصى التي نفذتها مقاومة "القسّام"، الذراع العسكرية لحركة حماس، رداً على اعتداءات القوات والمستوطنين الإسرائيليين المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني وممتلكاته ومقدساته.
في ما يشبه المانيفستو، مضى الموقع الساخر في استعراض الكيفية التي سيتابع فيها حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على الفلسطينيين: "في لحظات الاضطراب مثل هذه، يعتقد بعض الأشخاص أن مسؤولية موقع صحافي عريق مثل ذي أونيون التعمق في صراع لا يعود لعقود، بل لقرون. هؤلاء الأشخاص على خطأ. بدلاً من ذلك، ترغب هيئة التحرير في اغتنام هذه الفرصة للإعلان عن دعمها الكامل والحاسم لإسرائيل، لأنه، بصراحة، يبدو أنه الخيار الذي يورطكم أقل. دعونا نكون واضحين: هذه لحظة مشحونة بالتوتر، وهي لحظة لم تستقطب الأميركيين فحسب، بل استقطبت الناس في أنحاء العالم كافة. إنها لحظة تتطلب حساسية فائقة والتزاماً صارماً بمعايير الموضوعية الصحافية، وببساطة، لسنا مستعدين للقيام بذلك. وبدلاً من ذلك، سنقول فقط إن ذي أونيون يعبر عن تضامنه الثابت مع إسرائيل ونكتفي بهذا الحدّ... لماذا؟ أولاً لأن هيئة التحرير هذه لا تحب أن يصرخ عليها أحد، وثانياً لأن هذا الخيار سيجعل عدد الأشخاص الغاضبين منا أقل. لا نريد مواجهة الإدارة الأميركية بأكملها التي عبرت من خلال الرئيس بايدن (جو) عن دعمها الثابت لإسرائيل... سنقول ببساطة: يجب دعم إسرائيل بشكل كامل في حملتها العسكرية لاستئصال الشر من جميع مخابئه. هذه الجملة المكونة من 19 كلمة (بالإنكليزية) ستوفر علينا عناء التعامل مع هذا الوضع الصعب... قد يصفنا البعض بالجبناء، ولهؤلاء لا يسعنا إلا القول: إن كان الجبان هو شخص يتجنب اتخاذ موقف إشكالي من أجل منفعته الشخصية، فإن الجبن وسام سترتديه هيئة التحرير بكل سرور مرة بعد مرة". وكتب لاحقاً عن بايدن "الذي يحث الأميركيين على عدم السماح للخطاب الرقمي الخطر بدفعهم إلى أنسنة الفلسطينيين".
بعد نحو شهر على بدء حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين في غزة، والتي راح ضحيتها أكثر من 10 آلاف شهيد، ولم تستثن المستشفيات والمدارس والكنائس والمساجد، أو "صراع بين أطفال النور وأطفال الظلمات" وفق تعبير رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يبدو بيان "ذي أونيون" الساخر أكثر بلاغة وموضوعية ومهنية من كلّ التقارير والمقالات التي يواظب الإعلام الغربي، وتحديداً الأميركي، على نشرها.
فجأة تحولت النكتة في الإعلام الأميركي أكثر موثوقية من مراسلين وصحافيين ومذيعين وهيئات تحرير فتحت صفحاتها للتباكي على القتلة، والتشكيك في أعداد الشهداء، وتجهيل المجرمين، لا بل والدعوة إلى دعم هؤلاء ومساندتهم بكل ما يلزم.
"ذي أونيون" يقوم بما يقوم به منذ تأسيسه عام 1988: السخرية. وقد يسأل واحدنا نفسه عن نفع السخرية بينما نتفرّج على الإبادة تحدث أمام أعيننا. لكن هذا السؤال يتراجع حين نعرف أن مجلة علمية (إي لايف) فصلت رئيس تحريرها (مايكل آيزن)، بعدما نشر مقالاً ساخراً من "ذي أونيون" عنوانه "انتقاد المحتضرين في غزة لعدم إدانتهم حماس في كلماتهم الأخيرة"، في الوقت الذي كان فيه الإعلام الغربي يتعامى عن المجزرة ويطالب ضيوفه من الفلسطينيين بإدانة عملية طوفان الأقصى. "مساندة إسرائيل" هي فعلاً الخيار الذي يورطكم أقلّ إذاً. لاحقاً، كتب الموقع عن "المناصرين بشدة لحرية التعبير المؤمنين بأن الأميركيين يجب أن يكونوا قادرين على التعبير عن أي رأي يريدونه، باستثناء ذلك الذي يثير غضبهم"، وابتكر منشوراً آخر على شكل نصيحة: "شاركوا هذه الصورة لنتنياهو مبتسماً حتى تستعيدوا وظائفكم".
وعلى هذا النسق، كلما سخر "ذي أونيون" أكثر، ظهر موقف الإعلام والمسؤولين الغربيين، وعلى رأسهم الأميركيون، أكثر فجاجة ووقاحة، وأثبت الموقع الساخر أنه أكثر جرأة ومهنية.
في 16 أكتوبر مثلاً، كتب "ذي أونيون" لقرائه عما "يجب معرفته عمّا يحصل في إسرائيل وغزة". "أين يقع قطاع غزة"؟ "لا داعي لتقلقوا بشأن هذا الأمر. لن يكون موجوداً بحلول نهاية الأسبوع". "كيف قارب الإعلام الصراع"؟ "بعجلة وبلا مسؤولية". "كم عدد مَن ماتوا"؟ "الأمر منوط بما إذا كنتم تريدون احتساب الوفيات الفلسطينية أيضاً". "ما كان ردّ الفعل العالمي"؟ "ساهم الأشخاص حول العالم من خلال سيل في الرسوم البيانية". "كيف ردّت الولايات المتحدة"؟ "ذكّر قادة الولايات المتحدة الأميركيين بأن بلادهم لديها مسؤولية أن تكون متعبداً غاضباً على مذبح الموت". "كيف تحاول إسرائيل تجنب سقوط ضحايا من المدنيين"؟ "يُمنح المدنيون في غزة الفرصة لطردهم من وطنهم إلى الأبد". "ما الدروس التي علينا استخلاصها من هذا الصراع"؟ "التجريد من الإنسانية يولد تجريداً من الإنسانية، والإرهاب يولد إرهاباً، ولا أحد منا سيكون حراً إلا إذا تحررنا جميعاً، أو يمكنكم ببساطة أن تشيحوا أنظاركم".
وأعدّ الموقع مثلاً تقريراً ساخراً "سأل فيه السياسيين عن الأسباب التي تمنعهم من المطالبة بوقف لإطلاق النار". والإجابات كانت مثلاً: "لم تتح لي فرصة عيش حرب عالمية منذ كنت فتى"، و"وقف إطلاق النار قد يوصل للفلسطينيين رسالة بأننا نهتم لأمر عيشهم أو موتهم"، و"الصواريخ حسنة السلوك قلّما تدخل التاريخ"، و"أهل غزة أحرار في إطلاق حملة تبرعات متى أرادوا".
هذه الإجابات متخيلة وساخرة، لكن أليست أكثر صراحة من القول "هل تقترحون وقفاً لإطلاق النار للسماح لحماس بإعادة تنظيم صفوفها؟ ليجعلوا أنفسهم في وضع يسمح لهم بالمقاومة أكثر؟ أعني… هذه مسرحية من حماس، وعلينا أن نكون حذرين حتى لا ننجرف إليها" (رئيس الوزراء الأسترالي السابق سكوت موريسون)، أو القول إن وقف إطلاق النار "سيجمد الصراع" (زعيم حزب العمال البريطاني كير ستارمر)، أو وصف من يدعون إلى ذلك بـ"المتطرفين" (عضو الكونغرس عن ولاية نيوجيرسي جوش غوتهايمر عن زملائه في الحزب الديمقراطي الأميركي).
من ضمن ما نشره "ذي أونيون" أيضاً منذ بدء العدوان: "إسرائيل تحذر من أن غزة لا تزال تؤوي مئات الأطباء"، في الوقت الذي يواصل الاحتلال استهداف المستشفيات التي خرج أصلاً 16 منها من الخدمة منذ بدء العدوان، وفقاً لوزارة الصحة في غزة، من دون أن ننسى المجزرة التي ارتكبها في مستشفى الأهلي العربي المعمداني، والتي خلفت مئات الشهداء والجرحى. ووسط محاولات الاحتلال إنكار مسؤوليته عن هذه المجزرة والادعاء بأن جهة فلسطينية تتحمل مسؤولية توجيه صاروخ "عن طريق الخطأ" إلى مبنى المستشفى، خلص الموقع الساخر إلى أن "الجيش الإسرائيلي يقول إنك أنت، القارئ، من فجّر المستشفى".
كما كتب: "جوردان بيترسون يحاجج بأن من يتمتعون بمعدل ذكاء منخفض عن حد معين يحق لهم التكاثر"، في ردّ ساخر على موقف الأكاديمي والمعالج النفسي الكندي جوردان بيترسون الذي خاطب نتنياهو، عبر منصة إكس (تويتر سابقاً)، طالباً منه فتح عنان "الجحيم" على الفلسطينيين لأن الكيل قد طفح، وذلك في نفس اليوم الذي نفذ فيه المقاومون عملية طوفان الأقصى.