يبدو أن ارتباط السوريين العاطفي بالدراما التلفزيونية، الذي تنامى في ظل واقع الاغتراب والحياة الاجتماعية المتشظية التي يعيشها السوريون حول العالم وفي بلدهم، فتح آفاقاً جديدة للاستثمارات الفنية الحكومية الرخيصة. استثمارات تكلفتها تكاد تكون صفراً، تقوم فكرتها على اجترار الدراما السورية واستنزاف أرشيفها حتى آخر رمق، لينتج عنها عدد لامحدود من الفيديوهات، تنشره مئات القنوات على "يوتيوب"، تقترن جميعها بشبكة وطن التي تحكم قبضتها على أرشيف الدراما السورية وأرشيف التلفزيون السوري كاملاً.
ليس لدينا أرقام دقيقة حول الأرباح التي تحققها قنوات "يوتيوب" التابعة لشبكة وطن أو الشريكة معها، لكن إدراك أن الربح المادي وحده هو الهدف من نشر عشرات الفيديوهات من الأرشيف يومياً هو أمر بديهي؛ لأن كل الدلائل تشير إلى أن شبكة وطن لا تسعى إلى نشر الدراما السورية وتكريسها فعلياً. ولو كان الأمر كذلك، لما كانت ستتدخل لحظر جميع القنوات التي تعيد نشر مقاطع صغيرة من الدراما السورية. ولو كانت تهتم بالدراما السورية التي تجتر إنتاجاتها فعلياً، لكانت ستحاول التفاوض مع أصحاب الأغاني التي تمر في المسلسلات السورية القديمة، لتجد حلاً لكل المشاهد الطويلة التي تمر في المسلسلات السورية على "يوتيوب" من دون صوت.
وفي سبيل تحقيق أكبر قدر من الكسب، تلجأ "وطن" وشركاؤها إلى العديد من الأساليب والحيل التي تمكنها من الاستثمار بالأرشيف بأرخص التكاليف. فإضافة إلى وجود عدد كبير من قنوات "يوتيوب"، التي تقتصر مهمتها على اقتطاع مشاهد من المسلسلات وإعادة نشرها يومياً تحت عناوين مثيرة للضحك أو السخرية، توجد أيضاً قنوات تبذل جهداً أكبر لخلق أعمال درامية من لا شيء.
الأسلوب الأول والأكثر شيوعاً هو صناعة "أفلام" بأسماء شخصيات من مسلسلات قديمة يعرفها الجمهور جيداً، فيها تجمع جميع المشاهد التي تظهر فيها الشخصية المختارة، من دون بذل أي جهد لخلق سياق درامي يربط المشاهد ببعضها ويبني قصة مكتملة المعالم. الخلل في السياق الدرامي يبدو أكثر وضوحاً في "الأفلام" المبنية على شخصيات من مسلسلات في السياق المتصل- المنفصل، كما هو الحال في فيلم "أبو طمزة" مثلاً، الذي جمعت فيه جميع مشاهد الممثل حسام تحسين بيك من مسلسل "عيلة سبع نجوم"، من دون مراعاة أن كل حلقة من المسلسل تروي حكاية مختلفة.
أما الأسلوب الثاني، فهو صناعة "أفلام" تحمل أسماء مسلسلات سورية معروفة، تُختصر بفيديوهات تتراوح مدتها بين الساعتين والثلاث ساعات ونصف. المفارقة تكمن بأن بعض هذه الفيديوهات تنجح باختزال حكاية المسلسل وعرضها بشكل جيد، لتبين هذه الفيديوهات عيب الدراما السورية الأساسي، فمعظم المسلسلات التي تمتد على مدار ثلاثين حلقة وتصل مدتها الزمنية لما يزيد عن 22 ساعة، يمكن اختزالها بثلاث ساعات فعلياً.
وبالنسبة للمسلسلات السورية التي أنتجت في الأعوام الأخيرة، ولم تتمكن من تحقيق أي نجاح يُذكر، فيُستثمر فيها بطريقة مختلفة كلياً، إذ تقوم القنوات التابعة لشبكة وطن بتغيير اسمها وإعادة نشرها مع شارة جديدة تحمل عنواناً آخر. الهدف هو إيهام الناس بأنهم يتابعون مسلسلاً جديداً كلياً، لعله يحقق هذه المرة النجاح الذي فشل بتحقيقه عند العرض الأول، أو على الأقل أن يكسبوا من خلاله ساعات مشاهدة إضافية. هذا النوع من الاستثمار يزداد في المواسم الدرامية؛ ففي رمضان الماضي، نُشرت العديد من المسلسلات على "يوتيوب"، وعُوملت كمسلسلات جديدة بالفعل، إذ كانت تبث كل يوم حلقة حتى نهاية الشهر