دراما الرعب العربية: خوف أقرب إلى الضحك

07 يناير 2021
لعلّ مسلسل "ما وراء الطبيعة" من أبرز إنتاجات نوع الرعب (نتفليكس)
+ الخط -

ليست العلاقة جيدة ما بين المشاهد العربي والأعمال الدرامية العربية المصنفة في فئة الرعب horror. هناك فجوة كبيرة واضحة أحدثتها عوامل عديدة جعلت طبيعة هذا النوع من الأعمال في موضعٍ متدنٍ أمام غلبة الأعمال الغربية وسطوتها على ذوق الجمهور. بالطبع، لا نحتاج إلى مراجعة ذاكرة سينمائية شاملة ومناقشتها، لفهم هذه العلاقة. أعمال عربية مرعبة، رغم قلتها، كافية لتكون مسبارنا نحو فهم العوائق التي جعلتها في حالة شللٍ وجمودٍ، فأصبحت عبئاً على كل تطور محتمل قد تضاهي به جودة الأعمال العالمية.

نلاحظ في السنوات الأخيرة صعودًا للأعمال العربية التي تتناول مواضيع مخيفة ومثيرة للرعب في نفس المشاهد. مجموعة محاولات خجولة فشلت في معظمها. ربما بعضها حقق نجاحًا، ليس على الصعيد الفني، الدعاية والترويج مرفقًا بهما نوع البلبلة التي أثارتها هي التي شكلت محور اهتمام المتلقي. على رأس هذه الأعمال، المسلسل الأردني "جن" الذي بثته شبكة نتفليكس الأميركية منتصف 2019. وحده وقع اسم الشبكة الأميركية في العالمين العربي والغربي كفيل بنجاح تسويق أي عمل يعرض على منصتها. تبقى النتائج مرهونة باستحسان العمل أو نبذه. لكن "جن" شكل حالة خاصة عند المشاهدين العرب، نظرًا لمشاهد القبل فيه، وهو ما شكل حالة استهجان واستنكار كبيرين لدى المتابعين، نظرًا للحساسية الخاصة التي تثيرها هذه المواضيع، لدى قسم كبير من الجمهور في العالم العربي والإسلامي.

لم يقترب المسلسل ولو قليلًا من صنع نموذج بصري فريد ومتقن. فشل واضح في جميع العناصر من حيث الإخراج والتمثيل والسيناريو والحبكة. لا يعنينا كثيرًا نجاح العمل أو فشله بقدر ما تعنينا القصة التي بنيت عليها أحداث هذه التجربة. فالعمل يتمحور حول قصة "الجن"، واحدة من الحكايات المرعبة المأخوذة من قصص الأديان أو من بعض الأساطير العربية. تجربة مكررة لم تستطع انتشال نفسها من قالب السينما العربية الغارقة في التنميط والاستهلاك. وإن كان التراث العربي يزخر بالحكايات والقصص والأساطير الشعبية القوطية التي تصلح لتكون مواد بصرية تعرض على الشاشة، مثل الطنطل والقطرب والعظروط والسعلاة، والندّاهة والنمنم، وغيرها من قصص العفاريت والخوارق والماورائيات، غير أنها لم تواكب بعد حركة التغيير والتطوير العالمية، لتكتفي الشاشة العربية بتقديم أعمال وصل التكرار فيها حد اللامعقول. فما الغاية من طرح أفلام ومسلسلات، لا زالت حتى يومنا هذا متشبثة بنوعية المواد ذاتها، وإن اختلفت السيناريوهات المطروحة فيها؟ مثلًا، نجد تكرارًا واستهلاكًا كبيرين لحكايات الجن والندّاهة في كثير من الأعمال، منها فيلم "الإنس والجان" و"التعويذة" و"قنديشة" و"الفيل الأزرق"، ومسلسلات مثل "ما وراء الطبيعة" و"الرابوص"، ما جعلها تنغلق على نفسها وتجر معها بانغلاقها هذا مخيلة المتلقي العربي.

يتجه غالبية العرب إلى تفضيل قصص الرعب الغربية على العربية، ومرد ذلك يعود إلى نجاح الاقتباسات السينمائية، خصوصًا الأميركية منها. فالسينمات الغربية عرفت كيف تستثمر هذا النوع من الفنون من خلال تصوير قصص حضارات الأمم بأساطيرها وموروثاتها ومروياتها وخرافاتها. وقد مهد لظهور حكايات الرعب مجموعة كبيرة من الكتّاب، شعراء ورواة ومسرحيين، فبرزت تجارب كتابية كثيرة لهذا النوع من الفنون انطلاقًا من العصور الوسطى، ونخص بالذكر "الكوميديا الإلهية" للشاعر الإيطالي دانتي أليغييري (1265 - 1321) التي أثرت في قصص وروايات الأدب الألماني، وأشهرها رواية "مطرقة الساحرات" التي ألفها هينريتش كرامر عام 1487، ومسرحية فاوست الشهيرة ليوهان غوته. وهناك في الأدب الإنكليزي، اشتهرت أعمال لكل من وليام بيكفرود وآن رادكليف، وميري شيلي، ومن ثم روايات الإيرلندي برام ستوكر صاحب رواية "دراكولا" الشهيرة. نضيف إلى ذلك أشهر كتاب أميركا في أدب الرعب، مثل إدغار آلان بو وهوارد لافكرافت، وفي أدب الرعب المعاصر الروائي ستيفن كينغ.

 

 الفن التشكيلي كان له أيضًا تأثير كبير مواز لتأثير الحركة الأدبية على مخيلة السينمائيين. ولعل أشهر اللوحات التي ساهمت في إثراء سينما الرعب لوحة "زحل يلتهم ابنه" للرسام الإسباني فرانشيسكو غويا، ولوحة "حديقة الملذات الدنيوية" للرسام الهولندي هيرونيموس بوش، ولوحة "الرؤوس المقطوعة" للرسام الفرنسي تيودور جيريكو، وغيرها العشرات من هذه الرسومات. مجمل هذه الأعمال تقابلها على الساحة العربية ثلة من الأسماء للأسف. حصرت فقط في أدب الرواية والقصة، ومن مصر حصرًا، ولعل أشهر الأعمال تلك التي كتبها الكاتب المصري الراحل أحمد خالد توفيق، الأب الروحي لأدب الرعب العربي الذي بدأ يستقطب أقلاماً شابة، كحسن الجندي وأحمد السعداوي وتامر إبراهيم. ومع وجود هذه الفئة القليلة، نضيف سببًا آخر يعلل ضعف المنتوج العربي لفن الرعب السينمائي والتلفازي.

إن صناعة المحتوى السينمائي والتلفزيوني لا تزال في حالة نهوض متأرجح بين علوٍ ودنوٍ لأسباب اقتصادية وسياسية ودينية. ومع أية محاولة جديدة لإنتاج عمل عربي مخيف ومرعب، سيتأثر حكمًا بالأسباب المذكورة آنفًا، من دون أن نغفل عن ذكر التقنيات والمؤثرات البصرية الحديثة التي تفتقر لها الدراما العربية، فما بالك بصناعة محتوى مرعب ومخيف يشترط وجود مثل هذه الأدوات لتكتمل الصورة المخيفة في مخيلة المشاهد العربي. وهذا ما يثير، أرجح الظن، الخوف لدى المخرجين لتقديم أعمال من هكذا نوع.

سينما ودراما
التحديثات الحية

وعندما يتحقق العمل، ويتم إصداره، سنلاحظ إلى جانب ضعف مستوى الرهبة والخوف في القصة، أن معظم الأعمال التي شاهدناها ظهرت مشوهة وركيكة أمام الكاميرا، بعد أن حشرت نفسها في دائرة الاقتباس والاستنساخ الرديء. ولا نكتفي بهذه الأسباب، بل نضيف إليها سببًا آخر له بالغ الأثر في ضعف هذه النوعية من الأعمال. فإن كانت الأعمال المطروحة تحت إطار الرعب وإثارة الهلع والذعر في نفوس المشاهدين، فإن على صناع العمل التغلب وبشكل دقيق، على الحالة الميلودرامية الطاغية التي تصبغ البناء الدرامي. فالقضايا التي تتناول حكايات صلبها الخيال والرعب والماورائيات، لها أدوات إنتاجية خاصة جدًا من جهة الإخراج والتصوير والموسيقى والأداء، لا يصلح معها إقحام المبالغات العاطفية والرومانسية، وفرض حالة تصالح تلقائي مع البيئات الاجتماعية وثقافاتها التي اعتادت تذوق الدراما بمختلف أشكالها من كأس الميلودراما.

المساهمون