دبلن... مدينة في مفارقة غريبة

01 نوفمبر 2023
إسرائيل تشنّ حرب إبادة على غزّة (محمود الهمص/ فرانس برس)
+ الخط -

تمثل دبلن إحدى أهم مراكز التكنولوجيا في العالم، ما يجعلها تعيش مفارقة غريبة بالتزامن مع عملية طوفان الأقصى والعدوان الإسرائيلي على غزة، فهي تحتضن شركات تكنولوجيا تدعم إسرائيل، بينما هي عاصمة لدولة مؤيدة للشعب الفلسطيني.

ويُنظر إلى العاصمة على أنها واحدة من مراكز التكنولوجيا الرائدة في أوروبا، فهي موطن للمقر الرئيسي لمجموعة بارزة من شركات التكنولوجيا الكبرى. وتنهمك شركات التكنولوجيا والإنترنت الأميركية في دعم الاحتلال بشتى الطرق، إن بالتغطية على تحركات الجيش، أو تسهيل مراقبة الفلسطينيين، أو قمعهم بأشكال عدة. في المقابل، أيرلندا، حكومةً وشعباً، معروفة بدعمها المستمر للشعب الفلسطيني، في ظل علاقات تاريخية وتجربة مشتركة من الاحتلال والقمع والنضال من أجل الحرية. 

في نوفمبر/ تشرين الثاني 1956، كانت IBM أول شركة تكنولوجيا أميركية تنشئ فرعاً في دبلن. في العام التالي، استثمرت شركة إركسون السويدية متعددة الجنسيات في المدينة أيضاً. ومع مرور العقود، أُضيفت أسماء تكنولوجية كبرى. اليوم، دبلن هي موطن لأعمال عشرات الأسماء التجارية، مثل "غوغل" و"أمازون" و"فيسبوك" وغيرها. وتوظف صناعة التكنولوجيا هنا أكثر من 37 ألف شخص، وتدر صادرات بأكثر من 37 مليار دولار كل عام.

وتحتضن المدينة أفضل خمس شركات برمجيات عالمية، وتسع من أكبر عشر شركات تكنولوجيا في الولايات المتحدة، وأفضل ثلاث شركات برمجيات للمؤسسات العالمية، وأربع من أفضل خمس شركات لخدمات تكنولوجيا المعلومات.

وتختار شركات التكنولوجيا دبلن بسبب طبيعة الضرائب وتوفّر الكفاءات متعددة اللغات، بالإضافة إلى الاستثمار الحكومي الكثيف في الابتكار التكنولوجي، علاوة على المؤسسات الحاضنة والمسرّعة التي تركز على التكنولوجيا في دبلن.

تحتضن دبلن أبرز الشركات المتهمة بالتعاطف والتواطؤ مع الكيان الإسرائيلي، سواء بالتضامن مع الاحتلال أو بقمع أصوات الفلسطينيين أو بجعل حياتهم أصعب، ويتعلق الأمر بشركات لها مقرات رئيسية في دبلن، على رأسها "ميتا" و"غوغل" و"أمازون".

وتتهم "ميتا" بالانحياز الواضح لرواية الاحتلال خلال العدوان الإسرائيلي على غزة، من خلال الحد من انتشار المنشورات المؤيدة لفلسطين والتضييق عليها، سواء عبر "فيسبوك" أو عبر "إنستغرام" التابعَين لها. وتتهم "غوغل" بالتغطية على تحركات جيش الاحتلال في غزة من خلال إخفاء بياناته في تطبيقات خرائط "مابس" و"ويز" التابعة له، إضافة إلى تزويد الاحتلال بالذكاء الاصطناعي والتقنيات الأخرى لتسهيل إخضاع الفلسطينيين. وتتهم "أمازون" بمساومة الفلسطينيين على هويتهم ودولتهم، بمطالبتهم بوضع اسم إسرائيل على عناوين الشحنات المرسلة إليهم بالبريد، وإن لم يفعلوا لن يستفيدوا من الخدمة المجانية المقدمة لسكان المستوطنات الإسرائيلية، وسيخضعون لرسوم تفوق 24 دولاراً. 

في المقابل، تُعدّ أيرلندا من أكثر الدول الأوروبية دفاعاً عن الفلسطينيين خلال العدوان الإسرائيلي على غزة، وهذا ليس جديداً على الدولة التي ترى في فلسطين توأماً في النضال من أجل الحرية. وانتشر بكثافة خطاب النائبة في الاتحاد الأوروبي، الأيرلندية كلير دالي، وهي تخاطب رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين وترفض انحيازها إلى الاحتلال الإسرائيلي. وقالت حينها: "فون ديرلاين لا تمثلني، ولا تمثل أيرلندا، ولا تتحدث باسم المواطنين الأوروبيين، نحن نقف مع السلام، ونقف مع حق الشعب الفلسطيني في العدالة".

ولم تنحَز أيرلندا لإسرائيل حتى عندما تعلّق الأمر بقطاع التكنولوجيا نفسه، إذ ندّد رئيس الحكومة الأيرلندية ميشيل مارتن بقرار طرد شركة إسرائيلية لموظفة في مكتبها في دبلن بسبب انتقاد الاحتلال، واصفاً هذا الطرد بأنه غير مقبول.

وفي 2021 أصبحت أيرلندا أول دولة داخل الاتحاد الأوروبي تعلن أنّ بناء الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنات هو "ضم فعلي للأراضي الفلسطينية". وهذا التضامن لا يمثل الحكومة فقط، بل الشعب أيضاً، إذ تشغل فلسطين عقول الأيرلنديين، في ظل علاقات تاريخية مشتركة بين البلدين.

وفي حديث سابق لوكالة الأناضول للأنباء، قال عضو البرلمان الأيرلندي جينو كيني إنه "خلال السنوات الأخيرة، تزايد بشكل لافت تعاطف وترابط ودعم الأيرلنديين مع القضية الفلسطينية، فالاحتلال الإسرائيلي، والاحتلال أو التدخل السياسي في أيرلندا الشمالية من قبل بريطانيا، أحد أوجه الشبه العديدة بين البلدين". وأوضح أن "تقسيم أيرلندا قبل مائة عام، واستمرار تفتيت الأراضي الفلسطينية من قبل المستوطنين غير الشرعيين، يُشعِر الأيرلنديين بتعاطف عميق مع الفلسطينيين في ما يتعلق بالاحتلال والوحشية الإسرائيلية، لأنهم يواجهون أيضاً قمعاً مماثلاً على يد البريطانيين".

المساهمون