في شقة متواضعة على الطابق الأول من بناية سكنية في مدينة غوركي السوفييتية التي استردت اسمها التاريخي نيجني نوفغورود عام 1990، أقام عالم الفيزياء النووي السوفييتي المنشق، أندريه ساخاروف (1921 - 1989) في المنفى لمدة سبع سنوات، برفقة زوجته يلينا بونير، تحت مراقبة جهاز الأمن السوفييتي (كي جي بي).
واليوم تحتضن هذه الشقة، الكائنة في شارع يحمل اسم أول رائد فضاء في العالم يوري غاغارين، متحفاً مكرساً لحياة ساخاروف وإرثه وأعماله التي جعلته يلقب بـ"ضمير الأمة الروسية".
وعند تفقد الشقة/ المتحف، ينتقل زائرها إلى أجواء الحقبة السوفييتية من جهة الأثاث والأدوات المنزلية والمكتبية التي جرى الحفاظ عليها من دون تغيير، وكذلك يطلع في قاعة حديثة على أهم المحطات في مسيرة ساخاروف.
على إثر معارضة ساخاروف التدخل السوفييتي في أفغانستان، نفي إلى غوركي، حيث أقام من عام 1980 وحتى انطلاق قطار إصلاحات "بيريسترويكا". إذ فوجئ عام 1986 بتوصيل هاتف أرضي إلى منزله، وتلقيه اتصالاً من آخر زعماء الاتحاد السوفييتي، ميخائيل غورباتشوف، دعاه فيه للعودة إلى موسكو. ويمكن لزوار المتحف رؤية هذا الهاتف من طراز قديم.
وبعد عودة ساخاروف إلى موسكو، أصبح نائباً شعبياً واكب التحولات الجذرية في البلاد خلال السنوات الأخيرة من عمر الدولة الشيوعية التي تفككت نهاية عام 1991.
وفي الوقت الذي قررت فيه سلطات موسكو إغلاق مركز ساخاروف من طريق فسخ عقد الاستئجار المجاني لمقاره، وسط توجه روسيا نحو الانعزال عن الغرب منذ بدء الحرب في أوكرانيا، لا تزال الشقة في نيجني نوفغورود تحفظ ذكرى أحد رموز قيام روسيا ما بعد السوفييتية للأجيال الجديدة.
يذكر أن ساخاروف أدى دوراً محورياً في تطوير القنبلة الهيدروجينية التي اختبرها الاتحاد السوفييتي عام 1953، لقناعته بأنها ستحقق توازناً في العالم ثنائي القطب، ولكنّه أدرك خطورة نشاطه، وتوجه نحو العمل الاجتماعي منذ نهاية خمسينيات القرن الماضي، داعياً إلى الحد من اختبار الأسلحة النووية، وصولاً إلى التخلص منها بشكل كامل.