داخل القفص

05 فبراير 2015
الكساسبة داخل القفص (يوتيوب)
+ الخط -
تزحف النار البرتقالية ببطء نحو القفص. يقف معاذ منتظراً وصول موته إليه. اللون البرتقالي يسيطر على الشاشة: لون النيران يتماهى مع بدلة الأسر، البرتقالية أيضاً. تلتهم النيران الشاب الأردني... ينظر إلى السماء ويصرخ، دقيقة ربما أو أقلّ هي مدة مشاهد الحرق. يهرب معاذ من زاوية إلى أخرى داخل القفص، يحاول الاختباء من النار التي لبسته. يقع على ركبتيه، تقتله النار. يموت الطيّار في الجيش الأردني، معاذ الكساسبة، حرقاً.

قبل مشهد الإعدام حرقاً، ربع ساعة يسرد خلالها التنظيم سبب إعدام الكساسبة. يحاول إعطاء طابع محقّ لجريمته: "معاذ كان يقتل أطفالنا بطائرته، لذلك سنحرقه". صور الأطفال قتلى، تعاد إلى ذاكرة معاذ في الشريط. يحمَّل معاذ مسؤولية قرار سياسي وعسكري، وتحالفات دولية... ويدفع حياته ثمناً لذلك.

سيبدو الكلام عن عنف "داعش" مستهلكاً، ويبدو الكلام عن استعماله لتقنيات هوليوودية مستهلكاً... لكنّه ليس كذلك. ينجح التنظيم في كل مرة في تخطّي نفسه، في تخطّي صورته الدموية، نحو مستوى آخر تماماً من الجريمة. يبصق التنظيم في وجوهنا: هل ظننتم أن قطع الرؤوس أقصى درجات العنف؟ ما رأيكم في الإعدام حرقاً داخل قفص مغلق؟ لم يخترع التنظيم شيئاً. مجدداً هذا التنظيم ابن هذا المجتمع... ولد شبابه أو القسم الأكبر منه بيننا. وعاشوا على وقع أنظمة وحكومات تقتل، تغتصب وتعدم. في اليوم الذي ينعى فيه العالم الكساسبة، يستعيد آخرون ذكرى محرقة أخرى، في حماه، في اليوم الثالث للمجزرة ضدّ المدينة. في الخامس من فبراير/شباط 1982، قام حافظ الأسد وقواته بحرق مئات المعتقلين. قام بإعدامهم حرقاً... لكن وقتها لم تكن التقنيات الهوليوودية قد ازدهرت... هذا فقط هو الفرق.
المساهمون