خالد الكمار: تأليف الموسيقى الدرامية مشهداً مشهداً

22 سبتمبر 2022
حصر تعبيرية الموسيقى بالثيمة فكرة مغلوطة (فيسبوك)
+ الخط -

يقدم المؤلف الموسيقي الشاب، خالد الكمار (1990)، نموذجاً متفرّداً في مجاله. فرغم صغر سنه، أذاع العشرات من الأعمال الناجحة، جاءت البداية مع فيلم "عشم" في سن الـ 22. واليوم بعد مرور عشر سنوات، يتزعم الكمار جيلاً جديداً من المؤلفين الموسيقيين، يواكب نمطاً مختلفاً من الفرجة تشكله المنصات الرقمية. عن هذه التجربة وهذا العالم الجديد، كانت لـ"العربي الجديد" هذه المقابلة مع المؤلف الموسيقي الشاب.

ربما يندهش القارئ من أن صاحب الموسيقى التصويرية لأعمال مثل "الاختيار" و"ما وراء الطبيعة" و"قابيل"، لا يجيد العزف على آلة موسيقية. أمر يزيد من فضول المتابع: كيف تؤلف موسيقاك؟ وهل تؤثر طريقتك في التأليف على طبيعة الموسيقى؟
هذا له علاقة بطريقة تعلمي للموسيقى. لم أجد من يعلمني صغيراً، فتعلمتها بنفسي عن طريق الكتب، ومنها تعلمت النوتة الموسيقية. كنت أُحضر نوتات أعمال كلاسيكية غربية لبيتهوفن وموتزارت لأقرأها. من هنا بدأت أفهم كيف يتم تأليف وتركيب الأصوات، حتى تُنتج تلك المقطوعات. لهذا السبب لم أكن في حاجة إلى الارتباط بآلة، أو هذا هو ما شعرت به حينها.
وبالتأكيد، أثر ذلك التكوين علي بصورة كبيرة في عملي، فمثلما تعلمت الموسيقى عبر القراءة والكتابة، أصبحت الأخيرة وسيلتي للتأليف. أتصور أن ذلك يمنحني حرية أكبر، فلست مقيداً بآلة معينة. مثلاً، تجد أن البيانو حاضر بشكل رئيسي في موسيقى عمر خيرت، بينما يحتل العود مكانة أساسية في موسيقى عمار الشريعي، وطبعاً هما أستاذان لنا، ومن غير الممكن بلوغ مرتبتهما، لكني أتحدث عن أن كلّاً منهما لديه آلته الغالبة على موسيقاه.
لكن، بالنسبة لي، الأمر كان معتمداً أكثر على القراءة والكتابة، فلن تقع في موسيقاي على آلة بعينها "شايلة المزيكا". وهذا يمنحني مرونة وقدرة أوسع على خلق عالم خاص في كل مشروع. ورغم تقديمي مثلا في فترة متقاربة ثلاثة أعمال متشابهة، هي "خلي بالك من زيزي" و"البحث عن علا" و"فاتن أمل حربي"، التي تتحدث عن معاناة السيدات إثر طلاقهن، أظن أن العوالم الثلاثة مختلفا تماماً موسيقياً، فليس هناك آلة مشتركة، وكل عمل منها له طابع مختلف.
قدمت عدداً من الأعمال الناجحة، تؤهلك أن تكون ممثلاً لجيل جديد. في رأيك، ما الذي يميز أعمال هذا الجيل عن الأجيال السابقة، من حيث الموسيقى والتقنيات؟ وهل نحن بصدد تغير كبير يواكب دخول هذا الجيل إلى مجال التأليف الموسيقي؟
في رأيي، إن هذا الجيل يختلف في الاتجاه عن الأجيال السابقة. أبرز ما يميزه الجانب التكنولوجي؛ فهو عنصر رئيسي في موسيقاه. المؤلف من جيلنا لديه معرفة وثيقة ببرامج الصوتيات، ويعرف كيف يصل إلى الصوت المراد. أمر ربما يفوق في الأهمية القدرة على صناعة ثيمات جذابة، وهو ما يتجه إليه العالم كله اليوم.
إلى جانب هذا، هناك تغير كبير حدث في ما يتعلق بوسيلة الفرجة، فالمنصات أصبحت أساسية، وباتت أغلب المسلسلات -بعيدا عن الموسم الرمضاني- تتراوح بين 6 إلى 15 حلقة. هذا جعل الحد الفاصل بين المسلسل والفيلم غير واضح بدرجة كبيرة. لذلك، يتعامل المؤلف الموسيقي، اليوم، مع هذه النوعية من المسلسلات على أنها أفلام قصيرة، بينما الأسلوب القديم (مسلسل الـ 30 حلقة)، ارتبط بمكتبة من المقطوعات يقدمها المؤلف، ويقوم المونتير أو المخرج بتركيب الموسيقى على المشاهد، خلافاً لما يحدث اليوم. المؤلف يصنع الموسيقى ويركبها مشهداً مشهداً في أغلب الأحيان، وذلك أمر الجيل الجديد أقدر عليه. لكن، رغم هذا، هناك سلبية متعلقة بموسيقاه، فقد نشأ في وجود الإنترنت، وبالتالي كان موصولاً بالموسيقى الغربية أكثر كثيراً مما كان متاحاً للأجيال السابقة، وهو ما أثر على الهوية الموسيقية، فموسيقى هذا الجيل ربما تفتقد المصرية بدرجة ملحوظة.
تجاوزت مسألة الثيمة في مسلسلات مثل "خلي بالك من زيزي"، وفي أعمال أخرى استعنت بثيمة لكل شخصية. ما هي رؤيتك وراء استحداث أو استدعاء أساليب كهذه؟
أتصور أن حصر تعبيرية الموسيقى بالثيمة فكرة مغلوطة. الثيمة عنصر من عناصر العمل الفني، ويمكن التعبير عن المعاني عبر عناصر كثيرة غيرها. لا أتفق مع من يرى أن إغفال الثيمة في الموسيقى التصويرية نوع من الاستسهال، بدليل أنه خلال الـ 15 سنة الأخيرة، الموسيقى الأكثر شهرة على النطاق العالمي، هي موسيقى أفلام مثل Interstellar وThe Dark Night وInception. موسيقى هذه الأفلام الشهيرة لا تحتوي على ثيمة بالمفهوم التقليدي. مع ذلك، فهي موسيقى مميزة جداً ومناسبة لعوالم كل فيلم.
إلى جانب ذلك، فالثيمة لا بد لها أن تعبر عن إحساس بعينه، لكن هناك أعمالاذ مثل "خلي بالك من زيزي"، كان من غير المناسب توجيه مشاعر المتفرج من خلال ثيمة ما، فالحاجة كانت أكثر لموسيقى تدعم المشهد، من غير أن تشير أو توجه إلى إحساس بعينه. بينما هناك أعمال أخرى تتطلب ثيمة واضحة وصريحة، مثل موسيقى "قابيل" أو "ما وراء الطبيعة" أو "الاختيار"، لكن في "خلي بالك من زيزي" أو "البحث عن علا"، لم يكن طغيان الثيمة في مصلحة العمل.

برأيك، كم مقدار مساهمة العمل وطبيعته في جودة الموسيقى التصويرية؟ وهل يمكن للأعمال المقدمة اليوم في الدراما والسينما أن تهدي المؤلف الموسيقي مقطوعات خالدة مثل "المال والبنون"، و"الكيت كات"، و"رأفت الهجان"؟
أتصور أن العمل الجيد يلهم المؤلف ويجعله أكثر صدقاً في التعبير. وسعيد أنك ذكرت فيلم "الكيت كات"، فهو عمل بديع وصادق، وبالتالي جاءت الموسيقى انعكاساً لهذا الصدق. على خلاف ذلك، هناك مثلاً عمل معروف قدمه عمر خيرت تحت اسم "قضية عم أحمد"، لكن لا أحد يتذكر من الفيلم غير الموسيقى التصويرية. والعكس بالعكس، هناك أفلام جيدة جداً لكن موسيقاها منسية؛ لأنها لم تكن على ذات الدرجة. وفي رأيي أن الاثنين، أي الموسيقى والفيلم، يغذي أحدهما الآخر، فالموسيقى الجيدة تضيف إلى جودة العمل، بينما الفيلم العظيم يلهم المؤلف ويحفزه على تقديم أفضل ما لديه.
أول أعمالك كان في 2012، لفيلم "عشم". بعد مرور عقد على ذلك، كيف تنظر إلى تجربتك؟
متفاجئ ومنبهر. كيف قدمت كل تلك الأعمال خلال هذه المدة؟ بالتأكيد دخلت مجال التأليف الموسيقي وكلي طموح لكني بلغت أكثر مما تمنيت بكثير، لذلك أجدني ممتناً للعشر سنوات تلك.
ممتن لأنها أتاحت لي لقاء أبطالي، سواء خالد حماد أو هشام نزيه أو هشام جبر أو تامر كروان، وطبعاً عمر خيرت. من كنت أنظر إليهم في صغري باعتبارهم القدوة والحلم، ولم أتخيل أن يأتي يومٌ وأقابلهم. بينما اليوم هم زملاء وأصدقاء. كذلك ممتن أن الناس تسمع موسيقاي، وهذا أمر لم أتخيل أن يحدث أبدا.
منذ العمل الأول والجوائز تطارد موسيقاك. حصل "عشم" على جائزة أفضل موسيقى بمهرجان جمعية الفيلم. وفازت موسيقى" ديكور" بجائزة المهرجان الكاثوليكي. وعن موسيقى "قابيل" حصلت على عدة جوائز، إلى جانب جائزة الدولة التشجيعية عن موسيقى "صاحب المقام". ثم كانت جائزة Hollywood Music. ما الذي قدمه لك هذا الاعتراف المبكر والمتواتر؟
في البداية كانت الجوائز بمثابة تأكيد أني أسير في الطريق الصحيح. ورغم أن الجوائز الأولى لم يكن لها صدى كبير على حياتي؛ لأن أغلبها ارتبط بأفلام مهرجانات، وبالتالي لم تنعكس على عملي، مع ذلك كانت مهمة بالنسبة لي. شعرت بالاطمئنان لأني أنتج أعمالاً جيدة تلاقي تقديراً. مع الوقت، اتسع حجم العمل وحصلت على جائزة الدولة التشجيعية عن "صاحب المقام". وبالتالي، دخلت إلى مرحلة أخرى، يتنظر الناس فيها ماذا سأقدم. لتتحول الجائزة من شيء يؤكد أني أخطو في الطريق الصحيح، إلى مصدر للخوف: ماذا لو جاءت الأعمال المقبلة أقل من سابقاتها؟ لكن، في كل الأحوال، أنا ممتن لها جدا، لأنها كانت تدعمني نفسياً، خصوصاً أن أهلي رفضوا دخولي المجال منذ البداية. لكن عندما فزت بأول جائزة، خفف هذا من قلقهم وأدركوا أنني محق في اختياري. وربما لولا هذه الجوائز لم أكن لأكمل في مساري ذاك.

سوشيال ميديا
التحديثات الحية

في رأيك، هل تتيح آلية العمل في الدراما والسينما للموسيقى التصويرية الفرصة لأن تخرج في صورتها الفضلى؟ وما هي أبرز السلبيات؟
بالنسبة للموسم الرمضاني، في كل عام، الوقت يكون محدوداً جداً وحلقات العمل كثيرة. وبالتالي، هناك صعوبة في الحفاظ على الجودة على مدار الـ30 حلقة، ليس فقط بالنسبة للموسيقى، بل لكل عناصر العمل. لهذا السبب، سُعدت باتجاه المنصات، أخيراً، إلى إنتاج مسلسلات قصيرة. أمر يتيح لي ولغيري وقتاً كافياً يضمن جودة عالية.
لكن من أبرز السلبيات غياب النظام. بمعنى أنه بعيداً عن الأعمال المرتبطة برمضان أو العيد مثلاً، هناك عدم انتظام أو ربما فوضى في المواعيد. كثيراً ما تتعرض الأعمال للتأجيلات، وهذا يجعلني أجد صعوبة في تنظيم وقتي. هناك على سبيل المثال أعمال قبلتها على أساس أن الوقت المتاح للتنفيذ شهران، لأتفاجا أن العمل مطلوب الانتهاء منه في وقت أبكر، أو أنه تأجل لمدة أشهر ليتعارض مع أعمال أخرى تعاقدت عليها.

المساهمون