في ظل تشديد السلطات الصينية قبضتها الأمنية على كل ما ينشر في مواقع التواصل الاجتماعي المحلية، فضلاً عن حظرها منصات التواصل العالمية، مثل: فيسبوك وتويتر وانستغرام، لا يجد الشباب الصيني بداً من اللجوء إلى الرموز والاستعارات للتنفيس عن غضبهم والتعبير عن همومهم وأوجاعهم.
أحد هذه الرموز وأكثرها استخداماً في منصات التواصل الاجتماعي الصينية، صورة لرجل مستلق على أريكة غير مبال بمن حوله، إذ اعتبر نشطاء أن الصورة تعبر عن حالة اللامبالاة والإحباط التي أصابت الشباب، بسبب سوء ظروف حياتهم المعيشية وعدم اكتراث السلطات بمشاكلهم، وتذمرهم الدائم من نمط الحياة الصناعية.
لا يجد الشباب الصيني بداً من اللجوء إلى الرموز والاستعارات للتنفيس عن غضبهم والتعبير عن همومهم وأوجاعهم
وتعود الصورة لممثل صيني شهير يدعى جيه يو، كان قد شارك ضيف شرف في مسلسل كوميدي "أنا أحب عائلتي" أنتج عام 1993، تدور أحداثه حول التغيرات التي طرأت على المجتمع الصيني في ظل سياسة الإصلاح والانفتاح، ولعب جيه يو، دور رجل عاطل عن العمل يدّعي أنه عالم، لكنه لم يفعل شيئاً سوى الاستلقاء على الأريكة وتناول الطعام. وكان في أغلب مشاهد الحلقة يرقد صامتاً ويرفض النهوض والحركة.
وبعد نحو عقدين من عرض المسلسل، عادت وضعية جيه يو، إلى الواجهة كأداة احتجاجية على حزمة من التحولات التي شهدتها البلاد في ظل تدابير وسياسات حكومية أدت إلى اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، بالإضافة إلى تدني الأجور وزيادة عدد ساعات العمل، وغيرها من ظواهر رأسمالية تتناقض مع القيم الاشتراكية التي ينادي بها الحزب الشيوعي.
هذا ويعتبر مراقبون أن الشباب الصيني ملّ من ساعات العمل الطويلة والشاقة، والارتفاع الشديد في أسعار المنازل والمركبات، فضلاً عن صعوبة الزواج وتكوين أسرة، لذلك بدأ يميل إلى اليأس، معتبرين أن جيش المحبطين بات يتسع بصورة كبيرة، وأن تداول مليون صورة للرجل المستلقي تعني التحاق مليون جندي يائس بهذا الجيش، الأمر الذي قد يكون له ارتدادات خطيرة على المجتمع الصيني.
صورة لرجل مستلق على أريكة غير مبال بمن حوله، يعتبرها ناشطون تعبر عن حالة اللامبالاة والإحباط التي أصابت الشباب بسبب سوء ظروف حياتهم المعيشية وعدم اكتراث السلطات بمشاكلهم، وتذمرهم الدائم من نمط الحياة الصناعية
وقالت الباحثة الاجتماعية إيمي تان في حديث مع "العربي الجديد"، إن قدرة رمز بسيط على تحريك مشاعر مشتركة عند جيل كامل، يدفعنا نحو البحث عن السر الكامن في نفوس الشباب، وأضافت، يبدو أنه إزاء تدهور الأوضاع الاجتماعية وقسوة الحياة الصناعية، لم يجد الشاب اليائس ما يفعله سوى الاستلقاء لإهدار الوقت، لكن أن يتحول ذلك إلى ما يشبه حملة منظمة، أو عدوى إلكترونية تنتشر من شخص لآخر، فذلك مؤشر خطير يستدعي النظر في حال الشباب والاستماع إلى أصواتهم ومتطلباتهم.
في السياق، قالت فانغ لين، وهي طالبة في جامعة بكين، إن وضعية جيه يو، تعبّر عن جيل فقد شغف العمل ولذة الحياة، "في العام المقبل سوف أتخرج، غير أني لا أتوقع أن أجد وظيفة بسهولة، ما يعني أني قد أنضم بدوري لجيش المحبطين مستقبلاً، من يدري، ربما أشارك صورتي مثل الآخرين على حسابي في موقع ويبو (المعادل الصيني لموقع تويتر)، لكني آمل أن يتم النظر في الأزمات التي نعاني منها وأن يتم حلها قبل تلك اللحظة".
من جانبه، أوضح الناشط وو جاو، أن استخدام الرموز لتمرير انتقادات سياسية، ليس جديداً على جيل اليوم الذي بات أكثر إبداعاً وابتكاراً في تطوير أدواته للتعبير على رأيه، في ظل رقابة صارمة تمارسها السلطات الصينية على الفضاء الإلكتروني. وأضاف في حديث مع "العربي الجديد"، بأنَّ بعض مستخدمي الإنترنت في الصين لجأوا في وقت سابق إلى صورة الدب "ويني" (ويني ذا بو) المعروف في عالم الرسوم المتحركة، للإشارة إلى رئيس البلاد شي جين بينغ، كي لا يقعوا في فخ الرقابة التي تحظر استخدام اسم الرئيس في منصات التواصل الاجتماعي باعتبار محتوى غير قانوني.
ولفت إلى أن السلطات حظرت في أعقاب ذلك صور الدب "ويني" فلم تعد تظهر نتائج ذات صلة، كما منعت عرض فيلم "كريستوفر روبين" من إنتاج شركة ديزني الأميركية، لأنه يضم شخصية "ويني ذا بوه". دون الإشارة إلى أسباب المنع.
وانتشرت صور الدب ويني منذ عام 2013، عندما ظهر الرئيس الصيني شي جين بينغ، وهو يسير إلى جانب نظيره الأميركي السابق باراك أوباما، حيث أجرى مستخدمو الإنترنت آنذاك مقارنة بين أوزان الرئيسين، وأشاروا إلى ذلك بصورة مشتركة تظهر "ويني" يسير إلى جانب النمر "تيغر".
الصين تواجه انتقادات شديدة بسبب إحكام قبضتها على شبكة الإنترنت وتطبيق قوانين وتدابير خاصة بحجة حماية فضائها الإلكتروني الذي يرتاده أكثر من سبعمائة مليون مستخدم
هذا وكان الممثل الصيني جيه يو، قد رفع دعوى قضائية في وقت سابق، على شركة السفر إي لونغ، التي تتخذ من بكين مقراً لها، لاستخدامها صورته وهو مستلق على أريكة، في علامة تجارية للملابس، وطالب بسحب الصورة والاعتذار ودفع مبلغ أربعمائة ألف يوان صيني تعويضاً، أي ما يعادل 62 ألف دولار، وبعد كسب القضية في المحكمة، حذف الموقع الصورة، وأصدر اعتذاراً خطياً للممثل.
يشار إلى أن الصين تواجه انتقادات شديدة بسبب إحكام قبضتها على شبكة الإنترنت وتطبيق قوانين وتدابير خاصة بحجة حماية فضائها الإلكتروني الذي يرتاده أكثر من سبعمائة مليون مستخدم. وتعتبر بكين أن أمنها الإلكتروني قضية استراتيجية لا يجب التهاون أو التساهل معها، وكانت السلطات الصينية قد أصدرت مؤخراً قانونا يلزم القائمين على الخدمات الإلكترونية في البلاد، بالكشف عن بيانات المستخدمين الشخصية للحكومة، وهو ما أثار سخطاً شعبياً واسعاً باعتبار أن الإجراء ينتهك خصوصية المواطنين ويصادر حقوقهم.