20 فبراير 2024
+ الخط -

كشفت وحدة التحقيقات في موقع ذا نيو آراب (النسخة الإنكليزية من صحيفة العربي الجديد)، عن حملة روسية تستهدف وسائل الإعلام التي تكشف الأخبار الكاذبة المتعلقة بأوكرانيا.

ويقوم مبدأ الحملة على تشتيت انتباه مدققي الحقائق، من خلال خلق أخبار كاذبة، وترويجها، وإغراء منصات التدقيق بطلبات التحقيق فيها، ما يضعف قدرتها على القيام بعملها الفعلي.

وتستهدف العملية، التي تحمل اسم "ماتريوشكا"، موقع تدقيق الأخبار "مسبار"، ومنصة FactNameh لتدقيق الحقائق باللغة الفارسية، ومنصة "تأكد" السورية و"بيم ريبورتس" السودانية، ومنصات تحقق أخرى. 

ونقل "ذا نيو آراب" عن نائبة مدير التحرير في مختبر أبحاث الطب الشرعي الرقمي ليلى مشكور قولها "نحن نعلم أن الجهات الفاعلة الموالية للكرملين تحاول تشويه الحقيقة، لكن هذه الحملة تجسّد كيف تسعى أيضاً إلى صرف الانتباه عنها. إن تشتيت انتباه مدققي الحقائق بتلك الادعاءات يؤثر على قدرتهم على القيام بعملهم الفعلي المتمثل في تعزيز الحقائق والأدلة".

ما هي حملة ماتريوشكا؟

ماتريوشكا حملة تستخدم شبكة من الحسابات التي تظهر عليها سمات السلوك الزائف، بحيث تحاول تلك الحسابات تضليل الأشخاص بشأن هويتها أو أصل الكيان الذي تمثله.

وكانت مجموعة Antibot4navalny التطوعية المجهولة، المعارِضة لسياسات الرئيس فلاديمير بوتين، والتي تتتبع عمليات التأثير المرتبطة بروسيا على موقع إكس، أول من كشف عن حملة ماتريوشكا.

ووفقاً للمجموعة، بدأت الحملة في 5 سبتمبر/ أيلول 2023، عندما نشر أحد هذه الحسابات المزيفة على "إكس" مقطع فيديو إخبارياً مزيفاً منسوباً إلى هيئة البث البريطانية "بي بي سي"، زعم أنّ منصة البث الأميركية "هولو" خضعت لضغط الحكومة الأميركية وألغت سلسلة وثائقية كانت تهدف إلى معالجة موضوع "السياسيين الذين يتعاطون المخدرات". وبحسب المقطع، فإن الحلقة الأولى كانت تهدف إلى التركيز على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.

ولكي يبدو المقطع أكثر شرعية، أُضيفت إليه شعارات "بي بي سي" و"فوكس نيوز". كما استخدمت حسابات أخرى من الحملة نفسها أساليب مماثلة لتبدو حقيقية.

ورجّحت المجموعة أن هذه الحسابات يشغلها بشر وليست روبوتات.

وشاركت بعض الحسابات الأخرى لقطات "سكرين شوت" ومقاطع إخبارية من منابر إعلامية ذات مصداقية، فيما استخدم البعض الآخر شعارات قنوات تلفزيونية معروفة أخرى، مثل "كنال بلوس" الفرنسية.

كيف تعمل حملة ماتريوشكا على تعطيل عمل منصات التحقق؟

كشف "ذا نيو آراب" أن حسابات الحملة تصوغ أخباراً مزيفة، وتعيد نشرها في حسابات أخرى تنتمي للمجموعة نفسها، وتُنشَر على شكل طلبات لتدقيق المعلومات الواردة فيها.

وتتكرّر عملية إعادة المشاركة بشكل كثيف جداً يؤدي إلى تكديس منشورات التقارير الإخبارية الكاذبة، وهو تكديس يشبه الطريقة التي تعمل بها دمى "ماتريوشكا"، ومن هنا حصلت الحملة على اسمها.

واستهدفت الحملة أكثر من 500 حساب على "إكس" حتى الآن، وفقاً لـAntibot4navalny، التي زوّدت "ذا نيو آراب" بقائمة الحسابات، على الرغم من أن هذا الرقم على الأرجح أقل من العدد الحقيقي.

ومن بين المنابر الإعلامية الأكثر استهدافاً هي مؤسسة دويتشه فيله الألمانية والموقع الاستقصائي الألماني غير الربحي Correctiv، بالإضافة إلى عدد من حسابات المؤسسات الحكومية الأوروبية، والنسخة الإنكليزية من موقع مسبار ومنصات تحقق أخرى.

وفي إحدى الحالات التي رصدها "ذا نيو آراب"، طلب أحد تلك الحسابات من حساب "مسبار" التحقق من صحة رسم على الجدران في باريس، ظهر فيه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، يجلس في حضن وزير الدعاية في حقبة ألمانيا النازية جوزيف غوبلز. استجاب "مسبار" للطلب بالفعل، وعاد بعد أسبوعين بتقرير مفصل يدحض فيه حقيقة ذلك الرسم الموجود على أحد الجدران في العاصمة الفرنسية.

ووفقاً للبيانات التي جمعتها مجموعة Antibot4navalny في الفترة ما بين 5 سبتمبر/ أيلول 2023 و18 يناير/ كانون الثاني 2024، تلقى حساب "مسبار" الإنكليزي على "إكس" 13 طلباً مخادعاً مماثلاً من 14 حساباً مختلفاً، وهي أرقام أكدتها وحدة التحقيقات في "ذا نيو آراب"، وفي ثلاث حالاتٍ منها، أكّد حساب "مسبار" لصاحب الطلب أنه سينظر فيه.

"ماتريوشكا" جزء من عملية "القرين"

أظهر مختبر أبحاث الطب الشرعي الرقمي، وهو جزء من مركز الأبحاث الأميركي "المجلس الأطلسي"، في مايو/ أيار 2022، كيف أن "الحسابات على وسائل التواصل الاجتماعي المتحالفة مع الكرملين تتعاون ظاهرياً مع منصات تدقيق المعلومات لنشر معلومات مضللة" حول الغزو الروسي لأوكرانيا.

وبحسب الموقع، يبدو أن حملة ماتريوشكا هي جزء من حملة تأثير سابقة مؤيدة للكرملين تسمى Doppelgänger (القرين)، يُرجّح أنها مرتبطة بجهاز المخابرات العسكرية الروسية GRU. وهي حملة وصفتها شركة ميتا سابقاً بأنها "أكبر عملية تأثير روسية الأصل وأكثرها استمراراً".

وفرض مجلس الاتحاد الأوروبي عقوبات على سبعة أفراد روس وخمسة كيانات ورد أنها تقف وراء "القرين" في يوليو/ تموز 2023، لأنها تهدف إلى "تشويه المعلومات ونشر الدعاية الداعمة للحرب العدوانية التي تشنها روسيا على أوكرانيا".

وهذه ليست المرة الأولى التي تستخدم فيها المجموعات الموالية للكرملين المعلومات المضللة كسلاح ضد ممارسة تدقيق المعلومات.

كما تُعَد روسيا من أبرز اللاعبين الدوليين ضمن حرب المعلومات في الإنترنت، إذ تُتّهم الحكومة الروسية بدعمها مجموعات الاختراق وشنّها حملات تضليل واسعة ونشر أخبار زائفة أو مضللة، خصوصاً قبل وأثناء الحرب على أوكرانيا، التي بدأت في فبراير/ شباط عام 2022.

المساهمون