حمام السمرة... الاحتلال يدمر ثاني أقدم مباني غزة

06 يناير 2024
عمره يصل إلى الألف عام (محمود الهمص/ فرانس برس)
+ الخط -

دمّرت طائرات الاحتلال الإسرائيلي بالكامل "حمّام السمرة" في حي الزيتون في مدينة غزة، والذي يعود تاريخ بنائه، وفق مراجع عدة، إلى عام 1300. واسمه يتأتى من مجموعة من الطائفة السامرية التي كانت تتملكه قبل بيعه، والانتقال إلى حيث مقر هذه الطائفة في جبل جرزيم في مدينة نابلس. وكان الحمّام الوحيد المتبقي في قطاع غزة، وثاني أقدم مبانيه بعد الجامع العمري.

وأكدت وزارة الثقافة الفلسطينية، قبل أيام، عبر صفحتها الرسمية في "فيسبوك"، قصف طائرات الاحتلال الإسرائيلي لـ"حمّام السمرة"، وسط مدينة غزة وتدميره بالكامل، مشيرة إلى أنه "الحمّام الوحيد المتبقي في غزة، وعمره يصل إلى الألف عام، ومساحته نحو 500 متر مربع، ويعتبر مزاراً سياحياً وعلاجياً في الوقت ذاته، وأول من قام بالعمل به هم السامريون، ومن هنا حمل اسمه".

وأشار كاهن الطائفة السامرية ومدير المتحف السامري في جبل جرزيم في مدينة نابلس، الكاهن حسني، لـ"العربي الجديد"، إلى أنه بتدمير "حمّام السمرة" تم القضاء على آخر أثر للطائفة السامريّة في غزة، ما يشكّل طمساً للثقافة والتاريخ السامري في القطاع، لافتاً لـ"العربي الجديد" إلى أنه ذات يوم لم يكن لدى السامريّين كاهنٌ أكبر، كون أن الكاهن الأكبر لا بد من أن يكون "لاويّاً"، فتم التوجه إلى غزّة واصطحاب طفل في العاشرة من هناك إلى جبل جرزيم في نابلس، وتمّ تنصيبه كاهناً أكبر للطائفة رغم صغر سنّه، ما يعكس التاريخ القديم للطائفة هناك، وهو ما يعرفه كل سامريّ، مؤكداً أن السامريّين كان لهم وجود في ذلك الحمّام، ولذا عُرف ولا يزال باسمهم.

ولفت الكاهن حسني لـ"العربي الجديد" إلى أن وجود "حمّام السمرة" أكبر دليل على وجود السامريّين في غزة، وكان لهم حضورهم بكثرة، وشكّلوا جزءاً من تاريخ المدينة، متحدثاً عن عائلة المطري السامريّة التي كانت تعيش هناك، ومن بين أفرادها العالم والشاعر غزال بن أبي السرور المطري الغزّاوي (1702 – 1759)، لافتاً إلى أنه ومنذ قرابة مئتي عام لم يعد ثمة وجود للسامريّين في غزة، هم الذين كانوا يشكلون حضارة كبيرة في المنطقة، وكان عددهم بالملايين، وبدأت أعدادهم بالتقلص، إذ يبلغ الآن 860 نسمة، بينهم 420 في نابلس، وتحديداً في جبل جرزيم، و440 في حولون، ويملكون ثلاثة جوازات سفر: فلسطينية، وإسرائيلية، وأردنية. 

حمام السمرة 5- محمد الحجار
(العربي الجديد)

وفي فترة حكم العثمانيين التي تواصلت أربعة قرون، آلت ملكية "حمّام السمرة" إلى أويس باشا والي دمشق، فجدّده وقام بعمارته وإصلاحه، ثم آل أمره إلى ابنته آمنة هانم، والدة أحمد باشا الصغير، وانتهى به الأمر إلى عائلة رضوان، الذين حكموا غزة خلال العصر العثماني، قبل أن تستأجره عائلة الوزير عام 1900، ثم تتملكه منذ مطلع خمسينيات القرن الماضي، وحتى تاريخ تدميره.

الحاج سليم الوزير (72 عاماً)، مالك الحمّام، نزح وعائلته الممتدة إلى رفح، كمحطة بعد عدة محطّات، جراء العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة. وقال في حديث هاتفي مع "العربي الجديد" إن عائلته تملكت "حمام السمرة" في خمسينيات القرن الماضي، بعد عقود من استئجاره. وأشار الوزير إلى أن الأطباء من الجنسين كانوا يرسلون مرضاهم إلى الحمّام، كما أن العديد منهم كان يواظب على زيارته، لقناعتهم بفوائده لجهة تنشيط الدورة الدورية، وبالتالي رفع كفاءة شرايين الجسم، ما يعني الحفاظ على صحة الدماغ والقلب والأطراف بضمان تدفق الدم إليها كما يجب، إضافة إلى معالجة البروستاتا، والشد العضلي، وتفتيح مسامات الجلد، والعديد من أمراض العظام، كما يساهم في علاج الاضطرابات النفسية، والتقليل من حدّة التوتر والغضب.

حمام السمرة في غزة
(العربي الجديد)

ولفت الوزير إلى أهمية الحمّام الأثرية والثقافية والتاريخية والمعمارية، مشيراً إلى أنه كان يقع في المنطقة الأقدم في مدينة غزة، حيث يحيط به الجامع العمري، وقصر الباشا، وخان الزيت الذي كان يحوي فندقاً ومقهى ومطعماً وإسطبلاً للخيل، وسوق القيسارية، وغيرها من أهم الأماكن الأثرية في قطاع غزة، مؤكداً لـ"العربي الجديد" أن القوافل التاريخية من عدّة مناطق في العالم كانت تأتي إلى المنطقة لتميّزها تجاريّاً، وخاصة الخان ومحيطه، وللاسترخاء كانوا يقومون بزيارة "حمّام السمرة"، وهذا ما كان يفعله بدو سيناء وبئر السبع منذ ما قبل نكبة فلسطين.

محمد سليم الوزير، ابن مالك ومدير "حمّام السمرة"، أشار لـ"العربي الجديد" إلى أنهم كانوا يهتمون بصيانة وترميم المكان كل عام، وتطويره لضمان تقديم الأفضل لزبائنه، باعتباره الحمّام الوحيد في غزة، لافتاً إلى أن أوقات العمل كانت تنقسم ما بين فترات للنساء وأخرى للرجال؛ يفتتح أبوابه عند الخامسة فجراً لاستقبال الرجال حتى الحادية عشرة صباحاً، ليستقبل النساء بعدها حتى الثالثة عصراً باستثناء يوم الجمعة، ليعود لاستقبال الرجال ما بين الخامسة والتاسعة مساءً.

معماريّاً يتكون "حمّام السمرة" من مدخل خارجي يؤدي إلى ممر يشبه الدهليز معقود بعقد نصف برميلي يقود إلى قاعة تحتوي نافورة ثمانية الشكل مُحاطة بأربعة إيوانات، فيما يؤدي الفراغ ما بين هذه الإيوانات إلى غرفة تغيير الملابس، ثم غرفة الاستحمام المشبعة بالبخار، وغرفة المغطس الساخن، أمّا سقفه فهو قبة ذات فتحات مستديرة معشقة بالزجاج الملون لتنفذ منها أشعة الشمس، فيما رُصفت أرضيته بالبلاط الرخامي الأحمر والأسود والأبيض وبأشكال هندسية عدّة. 

حمام السمرة 7- محمد الحجار
(العربي الجديد)

الحاج سليم الوزير كان يتحدث لـ"العربي الجديد" بأسى عمّا آل إليه الحمّام بعد القصف، متعهداً بالعمل على إعادة بنائه إن تمكّن من ذلك. وقال: "كنت أتمنّى أن أختتم حياتي، وأنا على قيد عملي في إدارتي لحمّام السمرة، خاصة أن كل ركن فيه يحمل ذكريات كثيرة على الصعيد الشخصي، فمنذ وُلدت وأنا أتردد عليه رفقة والدي، كما يحمل ذكريات الكثيرين من زواره على مدار ما يزيد عن 900 عام، وآخرهم كانوا صباح يوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023. كنت جزءاً من الحمّام وهو جزء منّي، لذا فإنني فقدت جزءاً كبيراً من جسدي ومن روحي".

وكان المكتب الإعلامي الحكومي في غزة قد أفاد بأن الجيش الإسرائيلي استهدف ودمّر أكثر من 200 موقع أثري وتراثي، من أصل 325 موقعاً في القطاع. من بين تلك المواقع المستهدفة مساجد أثرية وكنائس ومدارس ومتاحف ومنازل أثرية قديمة ومواقع تراثية مختلفة، يعود أصول بعضها إلى العصور الفينيقية والرومانية، بينما يعود تاريخ بناء بعضها إلى 800 عام قبل الميلاد، و1400 عام، وبعضها الآخر يعود تاريخ تشييدها إلى 400 عام.

المساهمون