حكواتي: هنا الحي الشعبي

02 مايو 2014
+ الخط -
يحدث أن تعود من عملك إلى منزلك في الحارات الشعبية لبيروت. شارع المأمون في منطقة البسطة هو أحد تلك الشوارع. قد تدخل لتقف ضاربا "الزمور" لدقائق متواصلة حيث يقطع الطريق بعض الصبية. الصبية جعلوا من الشارع ملعبا وسموه "استاد المأمون" وأخذوا بركل الكرة المعفّسة، وأطلق أحدهم على نفسه لقب "ميسّي البسطة".

فور تخلّصك من الهجمة الأخيرة لأحد الفريقين، وتمرّ بسيارتك مجتازا الاستاد البسطاوي، تطالعك أم وليد ببسطتها التي تمتدّ على إسفلت الطريق. هناك تفرز الفول الأخضر واللوبياء والهندباء، تجلس على خشبة سميكة تحيط بها النسوة. تعلو أصواتهن حين يجادلنها في الأسعار. قد تنتهي مجادلة كتلك مصحوبة بقسم جديد من أم وليد على ألا تبيع، منذ تلك اللحظة، نسوة الحي، لأنهنّ "لا يقدرن" كلفة تجارتها وتعبها.

أبو محمود صاحب محل البقالة قد يساهم بدوره في مكوثك دقائق أخرى. إذ يلجأ الرجل إلى رشّ المياه على الطريق بطريقة عشوائية، ممهدا لجلسة "النراجيل" التي اعتادها ورجال المنطقة حول دكانه. جلسة أقرّت بفعل موقفهم الأخير من ارتفاع أسعار "المشاريب" في مقهى الحيّ. 

وفي حال تخطّيت أبو محمود، قد "تعورض" لك سيّارة طارق الجديدة، "بي إم" السوداء، التي زوّدها بكلّ ما يلزم لهزّ مشاعر المراهقات من معجباته: "جنط" ملوّن، ملصق لخوذة السائق الألماني مايكل شوماخر، كتب عليها "عُد لنا" (قبل أن يستفيق من غيبوبته) وأجهزة صوت قد يشتبه عليك الأمر لحظة تشغيلها، فتظنّ للحظة أنّك تشهد هزّة أرضية قويّة بمستوى ست درجات على مقياس ريختر وما فوق.

حاجز آخر قد يكون لأم جميل وجارتها، وقد نسيتا أنّهما تقفان في منتصف الطريق، لأنّهما تستعرضان ما جرى بعد طلاق ليلى بنت الجيران من زوجها.

حسنا... تخطّينا كلّ ذلك، وبعد؟

الحاجز الأخير قد يكون درّاجة معطّلة قرّر عبود الميكانيكي أن يفرط قطعها في منتصف الطريق لأنّ محله لم يعد يتّسع للخردة.

قد يحدث أن تدخل الحيّ وتترجّل من سيارتك، وتقف أمام ذاك الحيّ، الأقرب إلى "المنزل"، فتشعر أنّك غريب، وتقول: "يا جماعة، لا تواخذونا، جينا بوقت غير مناسب... منرجعلكن...".

دلالات
المساهمون