حكاية أم سجاد... شاي على رصيف بغداد

13 مارس 2022
تعمل أم سجاد يومياً من الصباح حتى المساء (العربي الجديد)
+ الخط -

في حي الميدان وسط العاصمة العراقية بغداد، إحدى أبرز المناطق المكتظة بالسكان، والتي يقصدها الناس من مختلف المحافظات، لتركز عدد من أسواق الجملة والدوائر الحكومية قربها، تقف العراقية أم سجاد (55 عاماً) متشحة بالسواد الذي لم يفارقها منذ سنوات على رصيف عام، تبيع الشاي العراقي للمارة، ولمن لا يملك ثمنه تقدمه هدية.

يقصد الناس أم سجّاد خلال فترات انتظارهم المراجعات على الدوائر الحكومية أو تسوقهم لشرب الشاي وقوفاً على الرصيف. بعضهم يطلبه لجودته وطيب إعداده، أو كما يعرف شعبياً في العراق "تخدير الشاي"، وآخرون بقصد مساعدة هذه السيدة التي تتوسط الرصيف بكشك حديدي منذ الساعات الأولى للنهار وحتى قبيل المغرب، غير أنها تعتبر هذا النوع من الزبائن الذي يشرب منها لغرض المساعدة محزناً لها، فهي لا تطلب المساعدة ولا الشفقة من أحد.

وتقول إنها تأمل أن تطمئن على ما تبقى من أسرتها، وهي بنت بعمر 20 عاماً، وألا تجعلها بحاجة إلى أي أحد، حيث تعاني من مرض السكري، وذلك بعد وفاة زوجها ومن ثم ابنها بسبب المرض ذاته. وتعتمد أم سجاد على هذه المهنة لتأمين بدل إيجار مسكنها ومعيشتها مع ابنتها مع جلسات العلاج والأدوية اللازمة لها، وذلك على الرغم من تقدمها عدة مرات بطلب شمولها في شبكة الرعاية الاجتماعية الحكومية لتحصل على مرتب يضمن لها على الأقل تأمين تكاليف العلاج لابنتها.

وتقول لـ"العربي الجديد" إنها تعمل يومياً من الصباح وحتى المساء، "طبيعة عملي صعبة على من هي بمثل سني من النساء، إذْ يتطلب الوقوف المستمر والحركة والتنقل مع صينية وأكواب الشاي. لكني أجد ذلك أفضل بكثير من استعطاف أحد أو انتظار شيء من أحد، العمل لا أفضل منه".

وتضيف: "أمنيتي أن تتزوج ابنتي من رجل ترتاح معه ويكون سندا لهاً، وهذه أمنيتي حالياً بعد دخولي خريف عمري". وتتابع: "تقدمت إلى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية للحصول على مرتب مثل الآخرين، لكن الوزارة تعطي لمن لا يستحق عبر الوساطات والمعارف، وحين قدمت أوراقي راجعت الدائرة في الموعد المحدد وكانت الإجابة أن أوراقك ناقصة، فأكملتها وتجدد الموعد، وحين راجعتهم قيل لي، لم نستلم منك أي إثباتات، ارجعي مرة أخرى وقدمي الطلب من جديد. ومنذ عامين كاملين أراجع لكني تعبت وتركت المعاملة لإحساسي باليأس منهم".

الحاج أبو علي (62 عاماً) يصف أم سجاد بأنها مثال على قوة المرأة، وإمكانية كسرها الكثير من القوالب الخطأ المفروضة ومنها عمل المرأة في المجتمع. ويضيف: "هذه المرأة قصة صبر وكفاح. سيدة قوية بملامح تسرد الكثير من القهر والألم وتحمل المسؤولية، لذا صارت محل تقدير واحترام لكل أهالي المنطقة والشارع الذي تبيع فيه الشاي". مضيفاً: "الإعاقة في تفكير الناس. لذا يمكن أن ترى شاباً يتسول وسيدة تشتغل وتعيل أهلها مثل أم سجاد".

عضو منظمة "بغداد للنساء"، هالة عباس، تقول لـ"العربي الجديد"، إن أم سجاد "أنموذج لشريحة كبيرة من النساء اللاتي وجدن أنفسهن أمام تحديات غير مسبوقة، فرضتها الأوضاع الأمنية والاقتصادية في العراق". وتتابع عباس: "بالبحث في شوارع بغداد والمحافظات العراقية الثمانية عشرة يمكن أن نجد الآلاف من الحكايا والقصص التي تشابه حكاية أم سجاد، وقد تكون أسوأ منها، استطعن إثبات كيانهن والصمود بوجه التحديات".

المساهمون