حركة الصفائح التكتونية والانقراضات الكبرى في تاريخ الأرض

14 سبتمبر 2022
تساهم البراكين في حركة الصفائح (جيريمي ريتشارد/فرانس برس)
+ الخط -

ألقى العلماء ضوءاً جديداً على التوقيت والسبب المحتمل للأحداث البركانية الكبرى التي وقعت منذ ملايين السنين، وتسببت في حدوث اضطرابات مناخية وبيولوجية، أدت إلى بعض أكثر أحداث الانقراض تدميراً في تاريخ الأرض.

من المثير للدهشة أنّ البحث الجديد، الذي نشر يوم التاسع من سبتمبر/أيلول الحالي في مجلة ساينس أدفانسز Science Advances، يشير إلى أن تباطؤ حركة الصفيحة القارية كان الحدث الحاسم الذي مكن الصهارة من الصعود إلى سطح الأرض، وإحداث تأثيرات مدمرة.

تميز تاريخ الأرض بأحداث بركانية كبرى، تسمى المقاطعات البركانية الكبيرة (LIPs)، تسبب أكبرها في حدوث زيادات كبيرة في انبعاثات الكربون في الغلاف الجوي التي أدت إلى تدفئة مناخ الأرض، وتغييرات غير مسبوقة في النظم البيئية، وانقراضات جماعية على الأرض وفي المحيطات. بعض مناطق LIPs لها امتداد جوي يبلغ بضعة ملايين كيلومترات مربعة، وتتضمن أحجاماً من الصخور النارية يصل مجموعها إلى مليون كيلومتر مكعب. من الواضح أن مثل هذه الظواهر كان لها تأثيرات كبيرة على الجيولوجيا والبنية والبيئات الطبيعية التي حدثت فيها. إضافة إلى ذلك، يمكن أن يرتبط تكوين المقاطعات البركانية، بزيادات كبيرة في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون أو غاز الكبريتات في الغلاف الجوي التي قد تسبب إما الاحترار العالمي، أو تكوين حمض الكبريتيك والتبريد العالمي اللاحق.

وليس من المستغرب، إذاً، أن يكون تكوين بعض المقاطعات البركانية الكبيرة في الـ500 مليون سنة الماضية، متزامن مع فترات من التغير المناخي السريع ومع انقراضات جماعية مختلفة للحيوانات والنباتات على الأرض وفي المحيطات.

وأوضح المؤلف الرئيسي للدراسة، ميكا رول، وهو أستاذ مساعد في الجيوكيمياء الرسوبية والطبقات وعلم المناخ القديم في جامعة دبلن، أنه في الماضي، كان تكوين المقاطعات البركانية الكبيرة يعزى إلى أعمدة الصهارة التي ارتفعت تحت تأثير التيارات الحرارية عبر وشاح الأرض. كما ارتبطت أيضاً بحركات الصفائح التكتونية للأرض. وعلى الرغم من وجود العديد من الفرضيات حول تكوين المقاطعات البركانية الكبيرة، فإن الأسباب الدقيقة لم تُحدد بعد.

وأضاف رول، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الفريق البحثي حصل على البيانات الكيميائية المستخدمة في الدراسة من رواسب الحجر الطيني القديمة في ويلز، عن طريق حفر بئر وصولاً إلى عمق 1.5 كيلومتر.

مكّن تحليل العلامات الكيميائية الباحثين من ربط حدثين رئيسيين حدثا منذ قرابة 183 مليون سنة في نهاية العصر الجوراسي المبكر. اكتشف الفريق أنّ هذه الفترة الزمنية تتزامن مباشرة مع حدوث النشاط البركاني الكبير الذي أدى إلى انتشار الحمم البركانية في ما يعرف اليوم بجنوب إفريقيا والقارة القطبية الجنوبية. تميزت هذه الفترة أيضاً بتركيزات متزايدة من غازات الدفيئة، من خلال بعض أشد التغيرات المناخية والبيئية على الإطلاق، وحدث انقراض واسع منذ قرابة 183 مليون سنة في أوائل العصر الجوراسي، أثر على الحيوانات والنباتات في العالم.

وقال المؤلف الرئيسي للدراسة: "يبدو أنه فقط عندما تتباطأ سرعة حركة الصفيحة القارية إلى ما يقرب من الصفر، يمكن للصهارة من أعمدة الوشاح أن تشق طريقها بفاعلية إلى السطح، ما يتسبب في ثورات بركانية كبيرة في المقاطعة البركانية وما يرتبط بها من اضطرابات مناخية وانقراضات جماعية".

يفترض العلماء أنّ تباطؤ حركة الصفائح القارية، كان الحدث الحاسم الذي مكن الصهارة من الصعود إلى سطح الأرض والتسبب في الأحداث البركانية الكبرى التي تخللت تاريخ الأرض. ويعتقد أن هذا النشاط البركاني، بدوره، قد تسبب في حدوث الاضطرابات المناخية والبيولوجية المدمرة التي أدت إلى بعض أحداث الانقراض البارزة في تاريخ الأرض.

تتكون الأرض من تسع صفائح تكتونية كبيرة و12 صفيحة صغيرة، تمثل الطبقة الصخرية الصلبة التي تحيط بالكرة الأرضية، وتتكون من القشرة الأرضية والطبقة العليا لوشاح الأرض التي تسمى الغلاف الصخري (ليثوسفير) الذي بدوره ينقسم إلى "الصفائح التكتونية". تكون الصفائح إما قارية أو محيطية، أو قارية ومحيطية معاً، وتتسم حركتها بالبطء الشديد جداً فوق الطبقة اللدنة لوشاح الأرض، وقد يصاحب تحركها أنشطة زلزالية وبركانية على طول حدودها، إضافة إلى تكون مظاهر تضاريسية جديدة مثل الجبال الشاهقة والصدوع والأخاديد والفوالق وغيرها، ويستغرق ذلك ملايين السنين.

كانت للظهور الأول للقشرة القارية على الأرض خلال العصر الأركي (4 مليارات إلى 2.5 مليار سنة)، واستمرارها، آثار مهمة على الصفائح التكتونية وكيمياء المحيطات والتطور البيولوجي، وفقاً للدراسة التي قدمت في مؤتمر الجمعية الأوروبية لعلوم الأرض.

المساهمون