حتى لا يطير الفن

19 فبراير 2022
من فيلم "حتى لا يطير الدخان" (يوتيوب)
+ الخط -

اخترت عنوان هذه المقالة على وزن عنوان الفيلم الشهير "حتى لا يطير الدخان"، قصة أديبنا الكبير إحسان عبد القدوس، وإخراج أحمد يحيى الذي رحل عن عالمنا منذ أسابيع مضت.

رحيل أحمد يحيى مخرج فيلم "العذاب امرأة"، أول أفلامه، قاسٍ أيضاً ككثير من ما واجهه المبدعون الذين عانوا الجحود والنكران.

وضع أحمد يحيى أقدامه بنجاح كبير على سلم المجد الفني، فقدم لنا أعمالاً فنية لا تُنسى في ذاكرة السينما المصرية. لكنه عانى من الجحود والنسيان والإهمال والتهميش والإقصاء غير المبرر. الرجل صاحب أفلام مهمة مثل "كراكون في الشارع" و"حتى لا يطير الدخان" و"وليلة بكى فيها القمر" و"لا تبكي يا حبيب العمر".

في قسط كبير من حياته حتى رحيله عن عالمنا، تجاهله المنتجون. لم تطلبه جهة إنتاج لعمل فني. بالطبع، ليست هذه مأساة يحيى وحده، فقد عانى قبله المخرج الكبير سمير سيف نفس التجاهل والعزوف.

من قبلهما عانى أيضاً المخرج الكبير حسين كمال، وغيره من جيل السينما الحقيقية، في زمن كانت السينما فيه "غير نظيفة" على حد ما هو شائع اليوم، ولكنها كانت فنية بامتياز. لم يشفع لهؤلاء، ومنهم أحمد يحيى، كل تاريخهم الفني المهم فقد عوملوا كخيل الحكومة.

عانى أحمد يحيى ما عانى، ولم تفلح محاولات كثيرة لإعادته مرة أخرى إلى الحياة الفنية. لكن يظل السؤال الملح الذي يطرح نفسه: لم هذا الإصرار على تجاهل جيل سينمائي بأكمله قدم الكثير والكثير للسينما المصرية؟ لماذا هذا التعنت غير المبرر؟ لماذا أغلقت كل منافذ الإبداع في وجوههم، رغم قدرتهم على العطاء الفني والإبداع الذي لم ينضب عندهم بعد؟

لقد خاصمت وسائل الإعلام وشركات التوزيع والإنتاج ذلك الجيل، وأغلقت في وجوههم القنوات الفضائية، ليجدوا أنفسهم قابعين في منازلهم في تعفف عن السؤال والطلب.

نعم هي مأساة جيل بأكمله أعطى للسينما والفن الكثير الكثير، ولكنه فوجئ بتغير الزمان بمعطياته التي أجبرتهم على الانسلاخ بإرادتهم من السينما النظيفة والاكتفاء بتاريخهم الفني الحافل.

نعم برحيل أحمد يحيى، رحل معه جمال الرومانسية التي تصل إلى القلب دونما استئذان. أرجو أن نتدارك الموقف، حتى لا يأتي يوم ونجد الفن قد تبخر.

المساهمون