جولة في تركيا على ارتفاع ألف متر عن سطح الماء

16 اغسطس 2023
يحتاج قرابة ست إلى سبع ساعات قيادة من إسطنبول إلى قسطموني (Getty)
+ الخط -

تُعدّ تركيا واحدة من أبرز الوجهات السياحية في العالم، خصوصاً أنها تستقطب زواراً كثيرين من العالم العربي. مدن كثيرة تلقى شعبيةً لدى السيّاح، مثل إسطنبول، وطرابزون الواقعة على البحر الأسود، وأنطاكيا المحاذية للبحر الأبيض المتوسط، وصبنجة وبحيرتها الشهيرة.

لكن، هنالك مدن أخرى لا تلقى الكثافة السياحية نفسها، رغم أن لها فرادتها وخصوصيتها الجاذبتين. هنا، تسلّط "العربي الجديد" الضوء على أبرز تلك المدن والبلدات التي سيجد فيها الزائر تنوّعاً كبيراً، سواء لاختلاف مواقعها الجغرافية، أو لتعدّد عناصر الطبيعة المتوفرة فيها، إلى جانب ما تقترحه على السائح من تجارب مختلفة في ما يتعلّق بالطعام أو المغامرات التي يمكن خوضها بين الجبال والأنهر والوديان لمحبي السياحة البيئية، إضافة إلى الأسواق المميزة.

قسطموني

يمكن للسائح الوصول إلى مدينة قسطموني (بالتركية: Kastamonu)، الواقعة شمال تركيا والمحاذية للبحر الأسود، بطريقتين أساسيتين؛ إما برّاً، إذ سيحتاج قرابة ست إلى سبع ساعات قيادة من إسطنبول، أو جوّاً؛ إذ سيبلغها بعد ساعة وربع من التحليق من مطار إسطنبول.

أبرز المحطات هناك هي وادي هورما (Horma Canyon)، في منطقة ينارباشي. في قلب الوادي، شُيّد جسر خشبي عام 2020، ليمتد على طول ثلاثة كيلومترات، يمضي فيها الزائر رحلةً فريدة؛ فأسفل هذا الجسر هنالك نهر، وإلى يمينه ويساره منحدرات الجبلين، وعدد هائل من النباتات والأشجار، وقد يلمح طيوراً وحشرات وزواحف تتنقل على الصخور، وتهرب إلى أعشاشها.

جسر وادي هورما في قسطموني (أوزغور ألانتو/الأناضول)
جسر وادي هورما في قسطموني (أوزغور ألانتو/الأناضول)

عند الانتهاء من عبور الوادي، سيجد السائح نفسه في مواجهة شلّال إليكا الذي يتدفق عن ارتفاع عشرة أمتار.

ليست المغامرة هناك سهلة، ولعلّها لا تناسب من يخشون المرتفعات، لكن من يحبّ الجبال ويستمتع في هذه المناطق الوعرة والمشي خلالها سيحظى بتجربة رائعة.

تُعرف قسطموني بمأكولات مميزة؛ إذ تُشتهر فيها البسطرمة، التي تمثّل فطائرها طبقاً مهمّاً على مائدة المدينة. كما هناك شاورما خاصة بقسطموني تميزها عن المدن التركية الأخرى. ولا بد من زيارة المقاهي الواقعة في أزقة وحارات المدينة القديمة.

صفران بولو

قطفت بلدة صفران بولو (Safranbolu) اسمها من الزعفران (Saffron)؛ مياسم زهرة الزعفران السوسني. هذه المياسم معروفة في تركيا وإيران والعالم العربي بوصفها إحدى أفضل منكّهات الطعام، كما أنّها أغلاها ثمناً.

وفي صفران بولو (تبتعد 400 كم عن إسطنبول)، يمثّل الزعفران رمزاً مهمّاً؛ فعند دخول البلدة، نجد تمثالاً يرتفع ثلاثة أمتار للزهرة. يدخل الزعفران في صناعة الحلقوم؛ إحدى أشهر حلويات المدينة أيضاً، التي يمكن للسائح أن يزور محالّها ومصانعها، ليرى طريقة إعدادها. إلى جانب الحلقوم، فالزعفران عنصر مهمّ في إعداد الشاي، إذ يضيف له نكهة طيبة.

حلقوم

في البلدة، التي صنّفتها يونسكو ضمن قائمة التراث العالمي، هناك سوق قديمة صغيرة، تتشعّب فيها الأزقة والممرات، ليجد السائح نفسه يتجوّل بين محالّ الجلديات، والحلويات، والمقاهي، حيث يمكن أن يحظى بكأس شاي أو فنجان قهوة.

في صفران بولو (آلتان غوتشر/Getty)
في صفران بولو (آلتان غوتشر/Getty)

وللأخيرة حصّتها من البلدة، إذ إن لها متحفاً صغيراً افتُتح في عام 2019. تُعرض في المتحف فناجين القهوة، بأشكالها القديمة والحديثة، إضافة إلى معدّات صناعة القهوة وإعدادها بمختلف مراحلها، مثل التحميص، والطحن، والمواقد التي تُغلى عليها. كما هناك زاوية تُطلعنا على صواني تقديمها واختلاف نقشاتها. وهناك زاوية مخصصة للمتحف لغرفة تُحاكي حُجرات شرب القهوة في البيوت التركية؛ إذ تُفرد لهذا المشروب الشعبي غُرفة خاصة مُبرّدة تجتمع فيها العائلة لتناول القهوة.

متحف للاحتفاء بالقهوة في صفران بولو التركية

بولو

على البحر الأسود أيضاً، تبتعد مدينة بولو (Bolu) عن إسطنبول نحو 265 كيلومتراً. في المدينة التي ترتفع عن سطح البحر 1325 متراً، عناصر طبيعية وجمالية كثيرة، إذ لا تكتفي بساحلها، ففيها عدد من البحيرات والأنهار والينابيع الحارة والمغارات، إضافة إلى الجبال التي تجعلها وجهةً مهمّة لمحبّي السياحة البيئية. أكثر ما تشتهر فيه المدينة بيئتها المائية؛ إذ تحتوي على حديقة البحيرات السبع، وبحيرة أبانت، وشلال ساماندرا، وبحيرة غولجوك.

تُشتهر مدينة بولو ببحيراتها (عمر أورير/الأناضول)
تُشتهر مدينة بولو ببحيراتها (عمر أورير/الأناضول)

تُعدّ الأخيرة مزاراً سياحياً مهمّاً، وذلك لإحاطة البحيرة ببمشى طويل، وغابات كثيفة الأشجار، إلى جانب وجود مطعم ومقهى هناك، حيث يمكن للزائر تناول وجبة الإفطار على ضفاف البحيرة. كما يوجد هناك مبنى صغير ولافت معمارياً، معروف بـ"دار الضيافة الحكومية"، تابع لوزارة الزراعة والغابات.

أعمدة غوزالجا حصار

في ولاية بارطن (Bartin)، هناك قرية صغيرة تُدعى غوزالجا حصار (Güzelcehisar). تقع هذه القرية على البحر الأسود، وتبتعد عن مدينة إسطنبول 435 كيلومتراً. وأكثر ما يميزها هو أعمدة اللافا (Lava Columns)، أي أعمدة تشكّلت من الحمم البركانية، ويبلغ عمرها 80 مليون عام.

ما يميز هذه الأعمدة البركانية المتحجرة عن مثيلاتها حول العالم أنها متفاوتة بين أفقية وعمودية، وتتخذ أشكالاً رباعية وخماسية وسداسية، يراوح قطرها بين 50 و100 سنتيمتر، ويتجاوز ارتفاعها خمسين متراً.

تشكلت أعمدة غوزالجا حصار قبل 80 مليون عام (Getty)
تشكلت أعمدة غوزالجا حصار قبل 80 مليون عام (Getty)

نشأت هذه الأعمدة بعدما بردت الحمم المتدفقة من أحد البراكين وتجمدت، وهي الوحيدة من نوعها في تركيا، فضلاً عن وجود أشباهها في كل من أيرلندا الشمالية واسكتلندا، وكاليفورنيا في الولايات المتحدة.

قبل أعوام، أنشئ على جزء من ساحل القرية مرسى، وممشى خشبيّ يمتد على طول 850 متراً، ويبلغ عرضه ثلاثة أمتار، كي يتسنّى للزائر الاستمتاع بنزهة هناك، يكون البحر فيها إلى يمينه والأعمدة إلى يساره.

المساهمون