جورجيا ميلوني متهمة بتقويض حرية الصحافة في إيطاليا

11 اغسطس 2024
ميلوني في ختام القمة الخمسين لمجموعة السبع، 15 يونيو 2024 (أنطونيو ماسييلو/ Getty)
+ الخط -

أثارت مواقف رئيسة الحكومة الإيطالية جيورجيا ميلوني من حرية الصحافة قلقاً على المستوى الحقوقي المحلي والأوروبي، خاصةً مع الاتهامات الموجهة إليها باتخاذ دعاوى التشهير وسيلةً لإسكات الصحافيين عن انتقاد ائتلافها اليميني المتشدد في روما.

في يوليو/ تموز الماضي غرّمت محكمة إيطالية الصحافية جوليا كورتيزي نحو 5 آلاف يورو تعويضاً لميلوني بعد إدانتها بـ"التشهير". بدأت القضية بعد أن نشرت كورتيزي على منصات التواصل صورة لميلوني مؤطرة الخلفية بصورة الديكتاتور الفاشي بينيتو موسوليني، وهما يؤديان التحية الفاشية، وأرفقتها بنص قالت فيه إنّ "أبو الفاشية (موسوليني)" هو الذي خلق الأساس الأيديولوجي لميلوني وحزبها "إخوة إيطاليا". مع العلم أن الرابط بين الحزب اليميني والفاشية لا يعد مسألة سريّة أو تهمة متخيلة من وحي الصحافيين المحليين، إذ سجّل تمجيد "إخوة إيطاليا" للحقبة الفاشية وموسوليني في أكثر من مناسبة. رأت ميلوني في صورة كورتيزي اعتداءً خطيراً على شخصها، وأمرت محاميها برفع قضية ضد الصحافية المسؤولة عن "التزييف الشنيع" وفقاً لتعبيرها. في حين ردّت الصحافية عبر "إكس" على تهديدات رئيسة الوزراء باللجوء إلى القضاء، بالقول: "لا تقدرين أن تثبطي عزيمتي جيورجيا ميلوني. بعد كل شيء، طولك 1.2 متر فقط". من المعروف في إيطاليا أن مسألة قصر القامة تثير حنق ميلوني، خاصةً عندما توصف بـ"أونا دونيتا" أي امرأة صغيرة الحجم، وهو تعبير إيطالي يهدف إلى التصغير من دورها. في المحكمة، لم يتخذ القاضي أي إجراءات بحق كورتيزي بسبب منشورها الأوّل، لكنّه قرّر تغريمها على المنشور الثاني الذي سخرت فيه من طول رئيسة الوزراء.

سجال حول استهداف جورجيا ميلوني المنهجي للصحافة

أثارت القضية سجالاً ساخناً في إيطاليا حول استخدام جورجيا ميلوني وحكومتها بصورة منهجية ومتزايدة لدعاوى التشهير سلاحاً لترهيب الصحافيين والمناظرين المنتقدين وإسكاتهم. وفقاً لمنظمات صحافية إيطالية، فإن هذا جزء من هجوم أوسع نطاقاً تشنه الحكومة على الصحافيين ووسائل الإعلام.

وكان الصحافيون في هيئة البث الرسمية (راي) قد أضربوا في مايو/ أيار الماضي، احتجاجاً على ما اعتبروه "السيطرة الخانقة" التي يعتقدون أن الحكومة تمارسها على القناة العامة، زاعمين أن ميلوني "تحاول تحويل راي إلى ناطق باسم الحكومة".

تزامن هذا السجال مع تراجع إيطاليا تراجعاً ملحوظاً على مؤشر منظمة مراسلون بلا حدود لحرية الصحافة حول العالم في العام 2024، إذ حلت في المركز 46، متراجعةً خمسة مراكز عن العام الماضي.

على مستوى الاتحاد الأوروبي يبدو الأمر صارخاً للغاية لدرجة دفعت ببروكسل إلى الإعراب عن قلقها من الوضع في إيطاليا. خلال الأسبوع الماضي، عبّرت المفوضية الأوروبية عن رفضها استخدام دعاوى التشهير ضد الصحافيين، كما عبّرت عن مخاوفها من أن تكون الحكومة الإيطالية تسعى لتقويض استقلال محطة راي. وأشارت نائبة رئيسة المفوضية الأوروبية، فيرا جوروفا، إلى وجوب التركيز على القيم والشفافية، مبديةً قلقها من التقارير التي تتناول ما يجري في إيطاليا. كما لم تتردد جوروفا في اعتبار أن حكومة روما "تزيد عدد حالات الترهيب القانوني ضد الصحافيين" ولفتت إلى مخاوف المفوضية الأوروبية حول استقلال وسائل الإعلام وهيئة البث العام وتمويلها.

تشهير وتحريض مضاد على الصحافيين

استفزّت التصريحات الأوروبية جورجيا ميلوني التي وجّهت، الأحد الماضي، رسالة غاضبة إلى رئيسة المفوضية أورسولا فون ديرلاين، تنفي فيها وجود تهديد على حرية الصحافة في بلدها. كما اعتبرت الانتقادات الموجهة إليها "هجمات سياسية تستند إلى أخبار كاذبة"، ورأت أنّه "من العار أن تقع المفوضية الأوروبية ضحية للمعلومات المضللة".

كذلك، شنّت جورجيا ميلوني هجوماً مباشراً على وسائل إعلام وصحف إيطالية معينة، أبرزها "لا ريبوبليكا" و"إلدوماني" و"إلفاتو كويتديانو، ووصفتها بأنها "وسائل إعلام يسارية خلقت رواية كاذبة عن حكومتها من خلال التشهير بدوافع سياسية"، مضيفة أنّها "تلاعبت بالمفوضية الأوروبية لتخرج بتقرير ينتقد إيطاليا".

من جانبها، رفضت المفوضية الأوروبية التفسيرات التي قدّمتها ميلوني، مشددةً على أن انتقاد استهداف حرية الصحافة الإيطالية جاء بناءً على "نتيجة لمنهجية راسخة قائمة على الحقائق". وتجنّدت وسائل إعلام اليمين الإيطالي أخيراً، وفي مقدمتها صحيفة إل جورنال، في الدفاع عن "إخوة إيطاليا"، حيث باشرت بنشر أسماء صحافيين، باعتباره نوعاً من التحريض عليهم، باعتبارهم "مناهضين لميلوني"، واتهمتهم بأنهم يسيئون إلى سمعة بلدهم إيطاليا لجعلها تبدو دولةً استبدادية.

هذا الهجوم على الصحافيين في وسائل إعلام اليمين بدأ بوصفه نوعاً من هجوم مضاد يقوده حزب إخوة إيطاليا دفاعاً عن زعيمته، وبهدف نزع شرعية انتقادات الاتحاد الأوروبي بشأن التضييق على حرية وسائل الإعلام في البلاد. واعتبرت صحيفة إل دوماني تصرفات ميلوني وتصريحاتها الأخيرة محاولة للعب دور الضحية أمام الرأي العام، محملةً إياها مسؤولية الإساءة إلى حرية الصحافة "فهي تسلط جهودها لاختراع أعداء على نسق (رئيس حكومة المجر المحافظ) فيكتور أوربان" ذاته. بينما شددت صحيفة لا ريبوبليكا على أن ردود أفعال ميلوني "تكشف أفكارها غير الليبرالية حول الصحافة والدور الذي تلعبه في الديمقراطيات الراسخة". فيما ندّدت نقابة الصحافيين الإيطاليين بنشر قوائم بأسماء الصحافيين المعارضين لحكومة ميلوني، باعتبارها خطوة تشكل خطراً على الديمقراطية.

ومنذ وصول جيورجيا ميلوني إلى السلطة في 2022، تزايدت تحذيرات منظمات حرية الصحافة من تكثيف ملاحقة الصحافيين والتدخل في العمل الإعلامي. كما تكرّرت انتقادات المركز الأوروبي لحرية الصحافة والإعلام لمواقف رئيسة الوزراء من الصحافة، معتبراً الإدانة الأخيرة للصحافية جوليا كورتيزي بتهمة التشهير "مروعةً تماماً"، ورأى أنها جزءٌ من هجوم الحكومة الإيطالية على الصحافيين ووسائل الإعلام وبأنها "ستؤدي بلا شك إلى تقويض حرية الصحافة في إيطاليا".

لا يعد غضب ميلوني و"إخوة إيطاليا" من الصحافة جديداً، فهي متهمة بالتخريب المتكرر لمحاولات الحزب اليميني تحسين صورته على الصعيد الأوروبي، ومنحه شكلاً أكثر اعتدالاً ومقبولية.

في العام الماضي رفعت ميلوني دعوى قضائية ضد الصحافي البارز روبرتو سافيانو الذي وصفها على شاشة التلفزيون بـ"اللقيطة"، لأنها "تقود سياسة غير إنسانية تجاه اللاجئين"، بحسب قوله. كما رفعت دعوى قضائية ضد الصحافية رولا جبريل التي قالت إن ميلوني وصفت طالبي اللجوء بالمجرمين وبأن المهاجرين سيحلون مكان السكان المسيحيين البيض في البلاد. وفي السياق نفسه، ادّعت رئيسة الوزراء على المؤرخ لوتشيانو كانفورا بسبب وصفه لها بأنها "نازية جديدة في القلب". كما رفع وزير الزراعة وصهر ميلوني، فرانشيسكو لولوبريجيدا، دعوى قضائية ضد الفيلسوفة دوناتيلا دي سيزار، بعد أن قارنت إحدى خطاباته بكتاب "كفاحي" للزعيم النازي أدولف هتلر. واعتبرت الفيلسوفة دي سيزار أن الدعاوى جزءٌ من استراتيجية سياسية تتبعها جورجيا ميلوني وحكومتها، وقالت في حديث مع صحيفة ذا غارديان البريطانية إن "الهدف من قضايا التشهير ليس التخويف فقط، بل أيضاً إبعاد المثقفين اليساريين عن النقاش العام".

المساهمون