استمع إلى الملخص
- **توو ليت ومحاكاة الماضي:** المغني المصري توو ليت يقدم تجربة نوستالجية مشابهة لعمرو دياب، مستخدماً عناصر من التسعينيات في ألبومه الجديد "كوكتيل غنائي للفنان توو ليت"، مما يجذب جمهور جيل زد.
- **النجاح والتفاعل الجماهيري:** توو ليت نجح في جذب الانتباه بفضل قناعه وموسيقاه التي تجمع بين النوستالجيا والمعاصرة، مما جعله موضوعاً مثيراً للاهتمام في الشارع الفني المصري.
يحلم سيف (عمرو دياب) بطل "آيس كريم في جليم" أن يصبح فناناً شهيراً. وعلى الرغم من كونه شاباً فقيراً، يعمل موزع كاسيتات متنقلاً على دراجة نارية، فإن كل ما في قصته يشير إلى أنها رحلة صعود نجم، لا سيما هيئته التسعينياتية المميزة، وقصة حبه الموءودة مع دريّة (سيمون).
سيف يعيش على الهامش، على الرغم من عراقة الحي الذي يسكنه، فالشاب الآتي من الإسكندرية إلى القاهرة، بهدف الجري وراء حلمه في أن يصبح مغنياً، يقطن في غرفة صغيرة في شارع المعادي، يعلق أحد زوارها ساخراً بأنها تبدو كما لو أنها في نيويورك؛ فسيف يزين جدرانها بصور وملصقات لأفلام ونجوم هوليووديين. ومن هنا تبدأ إشكالية الهوية، فشاب التسعينيات هو أقرب إلى أن يكون مواطناً كوزموبوليتانياً ليس بالمنحى الأيديولوجي، وإنما من جهة سيولة الهوية.
بيد أن سيولة الهوية، ستتحول إلى هوية، لا سيما في عصرنا هذا الذي أطاح بمسلمات سابقة، وبات من الممكن أن نطلق عليه عصر ما بعد الهوية، حين يجبرنا الحاضر على الاستمرار بالالتفات إلى زمن البارحة، وتدرُج النوستالجيا موضة عاطفية ينضوي تحت لوائها الموسيقى والأفلام والأزياء، وكل ما كان يشكّل هوية الحقبة الماضية.
في هذا السياق، قدم المغني المصري المعروف بتوو ليت المعادلة النوستالجية نفسها، فالشاب ذو البشرة السمراء والعينين البنيتين اللتين توحيان بأن صاحبها المتخفي بقناع يمتلك ملامح مصرية، والدراجة النارية التي ورثها مع زيه التسعينياتي من عمه سيف في أغنية "حبيبي ليه"، وموسيقى الهيب هوب التي تشي بمحاكاة الماضي السعيد، أو نوع من رثاء الزمن الذي ولّى ولكن بنكهة أكثر عصرية، كلها تشير إلى محاكاة علنية لعمرو دياب وحميد الشاعري، وغيرهما من نجوم ما بين القرنين.
مع أفيش ألبوم "كوكتيل غنائي للفنان توو ليت حصرياً إلى حبايب قلبي"، الذي صدر أخيراً، ظهرت الشخصية الجديدة لـ توو ليت، الذي سبق وأن طرح ألبوماً ومجموعة أغان لم تنل الشهرة ذاتها والانتشار، فالملصق الدعائي للألبوم الجديد تسعينياتي بامتياز، وكذلك عنوان الألبوم الذي يحاكي ما كان يكتب على أشرطة الكاسيتات في الثمانينيات والتسعينيات الذي يعتمد تجميع الأغاني الدارجة في شريط واحد "كوكتيل غنائي". يظهر توو ليت على الأفيش حاملاً وردة حمراء، وكأنه حصل على هذه الوردة من استديو تصوير شعبي، والصورة عينها تعود لعمرو دياب في بداية نجوميته، ويذيّل البوستر الإعلاني عبارة "قريباً في الأسواق". عن أية أسواق يتحدث في زمن أصبح معيار الانتشار رقمياً؟
وما أن انطلقت أولى أغاني الألبوم حتى تطابقت الفكرة مع ما أوحى به الأفيش من الرجوع إلى الماضي. الخلطة بين كليب "حبيبي ليه" المستقى من فيلم "آيس كريم في جليم"، والموسيقى التي تحمل في طياتها بعض العصرية، لا سيما على صعيد الأداء، جعلت لتوو ليت بصمة خاصة، قد يلحظها أبناء جيل زد، الذين رافقت هذه الأغاني طفولتهم الأولى أكثر من الأجيال التي تكبرهم عمراً، أو ممن لم يتوقوا إلى زمنٍ لم يعيشونه قطّ، وإنما عرفوه من كلام أبناء هذا الجيل عن البراءة الساذجة والسعيدة، لذلك الماضي الذي ولّى دون رجعة.
يبدو أن الشاب توو ليت الذي يكتب اسمه بلغة الفرانكو أراب، tul8te، مفتون بتجربة عمرو دياب، كنجم ذي شعبية جارفة، وليس بفيلم خيري بشارة الذي أنتج في عام 1992، الذي يسلط الضوء فيه على الشباب المصري الحالم الذي يطوف مدناً كبيرة تعج بأناس، كثير منهم ضاعت آماله في زحامها.
مع ذلك، يعود توو ليت ليتقاطع قليلاً مع هذا المضمون في أغنية "بقيت وحيد" من الألبوم عينه. موسيقى الغيتار الفلامنكو في منتصف الأغنية تعيدنا إلى دياب في عصره الذهبي. ولكن هذا الفارق البسيط ربما، أي فارق الزمن الذي جاء فيه الشاب بموسيقاه المحملة بالنوستالجيا والقناع الذي أضاف لغزاً إلى شخصيته، جعله حديث مواقع التواصل الاجتماعي.
الترند لم يشمل توو ليت وحده، بل جذب معه ثلّة من مغنّي الراب، منهم خفاجي ومهاب، وقد اعتقد بعض من جمهور توو ليت الناشئ أنه أحد المغنيين متخفٍ بقناع.
إن سلمنا على أن خطة إخفاء الوجه واستخدام هوية بصرية شائعة في التسعينيات، تذهب بمن يراها إلى زمن الكاسيتات وسراويل الشارلستون والملصقات الإعلانية، هي خطة تسويقية تهدف إلى صناعة نجم، فلا بدّ لمن يتابع الجدل الدائر حول المغني الملثّم أن يعترف بأنه نجح، فهذا القناع الذي يخفي به وجهه، جعل منه موضوعاً مثيراً للاهتمام، ليس بين أبناء جيل زد فقط، بل في الشارع الفني المصري عموماً.
يتلافى توو ليت فخ مركزية السابق وتبعية اللاحق أو تبعية المقلّد، عبر الفرادة التي توحي بها شخصيته الفنية التي تعود إلى التركيبة بين استدعاء الماضي والمعاصرة. هذا الخليط من شأنه أن يعطي انطباعاً بالجدّة، لا سيما أنه ليس استنساخاً أعمى، وإنما محاولة الإضافة إلى الماضي عناصر جديدة، فالمعاصرة حاضرة في الأداء؛ إذ يبدو كأنه لا يبذل أي مجهود في الغناء، إضافة إلى اللهجة والمفردات الدارجة واللغة البسيطة الملائمة للجيل الجديد، وخرق الوزن والقافية، ومن جهة أخرى استرجاع المضامين العاطفية، لكن من خلال رومانسية معاصرة لا توحي بقصة حب عاصفة، بل حب على الطراز الحديث، لحظي وخفيف، في العصر الذي درجت فيه أغاني العلاقات السامة والوعيد والتهديد في صيغة تحتقر الحب أو تنبذه في أحسن الأحوال. تتجلّى رومانسية توو ليت في أغنية "ما تيجي أعدّي عليكِ" التي ذهب فيها إلى موسيقى بوب ومضمون عاطفي يألفه الجمهور.
أغاني الألبوم بالمجمل تبدو كأنها معطوفة على نفسها، فتوحي موسيقاها المتقاربة قليلاً بأنها أغنية واحدة، ويساعد على ذلك قصر زمن الأغنية (أطولها ثلاث دقائق وعشرون ثانية؛ "نفس الكلام اللي بغنيه") وسهولة حفظ إيقاعاتها وكلماتها. أغاني الألبوم الثمانية من البوب، باستثناء "لسه بريء" أقرب إلى الهيب هوب.
بدأ توو ليت مسيرته الفنية منذ سنتين في سينغل "موديل السنة"، اعتمد فيه الموسيقى الدارجة التي تجمع بين المهرجانات والراب، ثم غاب فترة قصيرة وعاد إلى الجانرا الموسيقية الهجينة نفسها. ولعل أغنيته مع ليجي سي "أنونيمس" هي الأكثر انتشاراً بين أغانيه القديمة نظراً إلى تعاونه مع رابر له حضور في "السين" الموسيقي المصري.
يبدو أن الشاب، وشركة الإنتاج التي تقف وراءه، لم يختارا حالة الحنين الحالمة عن عبث، فحتى الموسيقى والكلمات السهلة والمبسطة (تبدو كلمات ارتجالية)، تقارب أغاني عمرو دياب، ولا سيما تلك التي ظهرت في نهاية التسعينيات وأوائل القرن الحالي.
للمصادفة الساخرة، فإن توو ليت وصل متأخراً، وكأن موسيقاه انسلخت عن زمنها الأصلي وأتت في زمنٍ آخر، جاعلاً مما كان يعتبره بعضهم يوماً من الأيام انحداراً فنياً، حالة شعورية يوتوبية، تعكس إحساساً بالانتهاء، يشعره كثير ممن يظنون في الماضي زمناً جميلاً.