تنمُّر إلكتروني ضد شابات فلسطينيات يمارسن اليوغا

18 مارس 2021
هجوم على شابات لمجرّد ممارستهنّ اليوغا (Getty)
+ الخط -

لم تكن شابات فلسطينيات من بلدات وقرى محافظة الخليل جنوب الضفة الغربية، يعلمن أو يتوقعن أن مجرد نشاط ترفيهي في الطبيعة والهواء الطلق، سيحول حياتهنّ إلى جحيم على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن انتشرت صورهن أثناء ممارسة رياضة "اليوغا" صباح الثلاثاء الماضي. 

وبذكوريّة كبيرة وإساءة للنساء ومكانتهنّ، وخرق للخصوصية، هاجم عدد من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي في الضفة الغربية، الشابات، معتبرين حركاتهن أثناء ممارسة اليوغا نوعاً من "البلاهة"، فيما احتد آخرون ليصل الأمر إلى "التكفير"، واعتبار ما تقوم به الشابات "خروجاً عن الدين وإساءة للإسلام". لكن التعليقات التي كانت ربما أشدها تأثيراً على الشابات، تلك التي يتساءل أصحابها بصورة استنكارية، عن "غياب ذوي الشابات عنهنّ"، وكأنّه يُمنَع على النساء الخروج والتنزّه والعيش.

رفضت الشابات الحديث مع وسائل الإعلام بما فيها "العربي الجديد"، خشية أن يُعاد تفاعل الأمر على المنصات الرقمية من جديد، وتجدد التعليقات الجارحة ضدهن وضد عائلاتهن، مع إبداء إحداهن فرحتها الكبيرة "لأن أحداً سيكتب غير مُهاجِم". ودفعت حدة الهجوم على الشابات، إلى طلبهن وأهاليهن وبعض الناشطين، من المواقع الإخبارية والصفحات الشهيرة فلسطينياً على مواقع التواصل، وممن تداول الصور إلى حذفها، وقد لجأ بعضها إلى استبدال الصور بأُخرى تعبيرية مع الإبقاء على تعليقات المتابعين. 

تقول الأخصائية النفسية ولاء أبو منشار، لـ"العربي الجديد"، والتي لعبت دوراً مهماً في التخفيف عن الشابات والحديث مع عائلاتهن، "إن التعليقات التي كتبها المستخدمون تسببت بأذى لمشاعر الشابات وأثرّت سلباً على عائلاتهن أيضاً. إنني أتساءل عن صاحب التعليق الذي ظن أنه مجرد تعليق، ولم يعرف أن تعليقه الذي أنهاه في ثوانٍ، بدأ تأثيره للتو على الشابات، إن الهاتف بيدنا والتعليقات على منصات التواصل الاجتماعي، سلاحٌ خطير، كما أتساءل عن هدف الشتائم والمسبات التي واجهتها الشابات ولماذا تم شتمهن بالأساس؟". 

أما الطريقة التي حاولت أبو منشار التدخل النفسي عبرها مع الشابات اللواتي كُنّ ضحية لـ"التنمر الإلكتروني" فكانت بالحديث معهن، ومنحهن فرصة التفريغ، وتلقي الدعم النفسي. كما تركَزَ التواصل مع الأهالي حول أن "بناتكم" كُن ضحايا "التنمر الإلكتروني" ولم يكن ذنباً منهن ما حصل، وأن ما حكم التعليقات هو الثقافة الاجتماعية وليس خطأ صدر عن الشابات. 

كما أُصيبت الشابات بالصدمة، جراء سيل الشتائم التي وصلت إلى حد "التحقير والتكفير"، عبّر ناشطون آخرون على مواقع التواصل عن الصدمة نفسها من مهاجمة الشابات، على خلفية ممارسة نشاطٍ حياتي عادي، وربْط المسألة برفض كُثر في المجتمع الفلسطيني وبشكلٍ كُلي، لخروج المرأة ولو بالقليل عن الصورة النمطية التي يُريدها هو بوصفه ذكورياً، ولو كان الأمر بـ"يوغا". 

عن القضية، تقول الصحافية الشابة والناشطة النسوية تانيا أحمد لـ"العربي الجديد"، إن "المجتمع لا يريد للمرأة كسر الصورة النمطية التي يريدها ويختارها هو عنها، بل وصل الأمر بأحد المستخدمين إلى القول إن الشابات بإمكانهن ممارسة اليوغا، دون التقاط الصور أو السماح بنشرها، وهذا أمر خطير، لأنه يحمل تهديداً مُبطناً لتدخل المجتمع وفرض وصايته الأبوية، وهو بهذه السلطة يُهدد المرأة، ويُعلي من شأنها وقتما شاء، ثم ينزل قيمتها إلى القاع، ويسحب ثقته منها كيفما يشاء". 

وأطلقت تانيا وسم "#متضامنون مع فتيات_اليوغا" وأرفقته بفيديو قصير تمارس خلاله رياضة اليوغا على شُرفة منزلها، ورغم ضعف التفاعل على الهاشتاغ إلا أن تانيا سعيدة بوقوفها مع الشابات، فوصل الأمر بها إلى البكاء تضامناً معهن. 

وتوضح تانيا: "هناك الكثير من النساء ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي الذين تضامنوا مع الشابات اللواتي مارسن اليوغا، وأنا مثلهن أتعرض لانتقادات وأنا أعلم جيداً آثار كسر الصورة النمطية في المجتمع". 

وبما أن فضاء التواصل الاجتماعي مفتوح، ومُتحرر من الضوابط إلا "الذاتية منها" التي يفرضها المُستخدمون على أنفسهم، فإن الهروب منها صعب للغاية، خاصة إذا ما حصد المنشور تفاعلاً كبيراً، هذا يعني أن احتمالية انضمام المزيد من التعليقات عالية، حسب ما يوضحه الباحث والمستشار الرقمي صدقي أبو ضهير لـ"العربي الجديد". 

ويقول أبو ضهير: "إن حصار أي منشور أو مشاركة على وسائل التواصل صعب جداً، وربما يحتاج إلى جيش إلكتروني جرّار من التقنيين لإزالتها في حال كانت مُسيئة جداً لأصحابها، وأعتقد أن الفضول يقود الشخص إلى الاطلاع على المزيد من التعليقات حتى لو كانت مسيئة، لذا أنصح من يتعرضون للتنمر الإلكتروني بإلغاء المتابعة للصفحات أو الحسابات خاصة العامة، التي يتعرّض الشخص للتنمر عبرها من خلال خاصية التعليقات، ثم الابتعاد مؤقتاً عن وسائل التواصل الاجتماعي، ريثما تمر الحادثة، ومتابعة النشاطات اليومية بشكل اعتيادي، والعودة بعدها إلى ممارسة النشاط الإلكتروني على مواقع التواصل كما السابق، لأن أمراً آخر سوف يلفت انتباه رواد هذه المواقع، وسوف ينشغلون عنها لصالح حادثة أُخرى، لأن باختصار هذه هي حكاية وسائل التواصل الاجتماعي". 

المساهمون