يستضيف متحف متروبوليتان في مدينة نيويورك الأميركية، حتى الخامس من مارس/ آذار المقبل، معرضاً تحت عنوان "روايات التحرر: رؤية مختلفة لتمثال كاربو" Fictions of Emancipation: Carpeaux Recast، يضم أكثر من 35 عملاً فنياً بين المنحوتات والرسومات، بالإضافة إلى مجموعة أخرى من الأدوات والعناصر المرسومة ذات الاستخدام الوظيفي كالأكواب والزجاجات، وغيرها. يمكن لغير القادرين على زيارة المعرض مشاهدة فيديو للمنسقة والشاعرة ويندي إس. والترز وهي تتلو قصيدتها المستوحاة من منحوتة لكاربو، أو الاستماع إلى دليل صوتي للعرض.
أنتجت أغلب هذه الأعمال خلال الحقبة التي تلت إلغاء الرق والعبودية في المستعمرات الأوروبية في أفريقيا والولايات المتحدة. الأعمال التي يضمها المعرض تحتفي في ظاهرها بهذا الإلغاء، وتُعبر عن مساندة الفنانين ودعمهم للقضاء على الاسترقاق. تظهر الشخصية الأفريقية في هذه الأعمال في صور عدة، بعضها يقاوم الأغلال أو يسعى إلى التخلص منها، والبعض الآخر يحتفي بالجمال الأفريقي، تعبيراً عن هذا التحول في نظرة المجتمع الغربي للشخصية السوداء.
منسقة المعرض ويندي إس. والترز، وهي شاعرة أميركية من أصول أفريقية، تحاول استكشاف ما وراء هذه الصور التي طالما تم الاحتفاء بها، كدليلٍ على تيار التحرر، وانعكاساً لرغبة المجتمع الغربي في ذلك الوقت في التطهر من العنصرية. فهل حقاً كان الأمر على هذا النحو؟ تتساءل والترز مُتشككة. على الرغم من إدراكها للنوايا الحسنة التي دفعت هؤلاء الفنانين إلى تنفيذ أعمالهم تلك، فإنها ترى فيها أيضاً تمثيلاً عميقاً للنظرة الاستعلائية الغربية. في هذا المعرض تنتقي والترز عدداً من الأعمال الفنية التي تدعم وجهة نظرها.
NOW ON VIEW—"Fictions of Emancipation: Carpeaux Recast" features depictions of Black enslavement, emancipation, and personhood and challenges the notion that representation in the wake of abolition constitutes a clear moral or political stance. #CarpeauxRecast pic.twitter.com/0tQzPK1vvm
— The Metropolitan Museum of Art (@metmuseum) March 11, 2022
كثير من الأعمال التي انتقتها والترز تربط بين الشخصية الأفريقية والأغلال. حتى في تلك الأعمال التي تدعي الدفاع عنها، أو الوقوف إلى جانبها. تتساءل منسقة المعرض كذلك حول هذه الشخصيات التي ألهمت هؤلاء الفنانين، وأسباب جهلنا بهوياتهم. إذ لا يوجد أي تعريف واضح لشخصية أي منهم، فلا نعرف أعمارهم أو موطنهم الأصلي، وإن كانوا قد ولدوا في العالم الجديد، أم وصلوا للتو من أفريقيا، وإذا كانوا من أفريقيا، فلأي قرية أو أي مدينة ينتمون؟ وماذا تركوا ورائهم؟ تساؤلات كثيرة تطرحها منسقة المعرض في هيئة حوار صوتي مع عدد من الفنانين المعاصرين، يمكن الاطلاع عليها على موقع المتحف الإلكتروني.
"لماذا ولدت مستعبدة!" هو اسم العمل الرئيسي في هذا المعرض، وهو تمثال نصفي لامرأة أفريقية أنجزه عام 1873 النحات الفرنسي جان-باتيست كاربو (1827-1875)، أحد أبرز النحاتين الفرنسيين في القرن التاسع عشر. يمثل العمل امرأة أفريقية مُقيدة بحبل حول كتفيها، وتبدو على ملامحها علامات التمرّد. أنجز كاربو هذا التمثال في ستينيات القرن التاسع عشر، تعبيراً عن تأييده لقرار إلغاء العبودية في المستعمرات الفرنسية، وكان الأمر حينها ما يزال مثاراً للجدل بين الفرنسيين.
وقع اختيار منسقة المعرض على هذا التمثال، كونه أحد أكثر الأعمال الفنية انتشاراً وتعبيراً عن هذه المرحلة، وطالما تم التعامل معه تاريخياً كرسالة قوية مناهضة للعبودية. ولكن، خلافاً لهذه النظرة السائدة حول هذا العمل الفني، لا ترى والترز في هذا التمثال إلا تعبيراً عن الأوهام الأوروبية القديمة حول امتلاك أجساد السود والسيطرة عليها. فعلى الرغم من التنديد المُعلن للرق في تمثال كاربو، فإننا في النهاية لا نرى إلا امرأة سوداء مقيدة، وهو الانطباع الأكثر حضوراً عند مشاهدته، في رأي منسقة المعرض.
Highlight of my visit to the Met yesterday: the Fictions of Emancipation: Carpeaux Recast exhibition pic.twitter.com/Vmfx8QBv19
— Andy Rogers (@ndyrgrs) June 29, 2022
في معظم هذه الأعمال المعروضة، إلى جانب التمثال، ثمة حضور لافت للقيود، حتى وإن كانت محطمة أو منزوعة تعبيراً عن التحرر. وكأن الأغلال عنصرٌ لصيقٌ بالشخصية الأفريقية، وحضورها يذكّر بهوية صاحبها كعبد سابق. كثير من الشخصيات الأفريقية في هذه الأعمال تبدو كذلك في وضعية مقهورة وتطلب الاستعطاف، وهو أمر كان شائعاً في المعالجات الفنية التي تتناول السود في الأعمال الفنية الغربية. استمرت هذه المعالجات بعد إلغاء الرق بغرض إثارة التعاطف مع قضية تحرير العبيد. تقول والترز إن مشاعر القهر هذه تتوغل عميقاً في عقل المشاهد، وتنسجم على نحو غير مُباشر مع النظرة الدونية التي كانت سائدة تجاه سكان المستعمرات والتعامل معهم كأعراق بدائية في حاجة دائمة إلى الحماية.
ثمة جوانب أخرى تعكس الشخصية الاستعلائية للمجتمع الغربي ستجدونها في تلك الأعمال. فغالباً ما كانت الحملات الاستعمارية الغربية تقدم على أنها مهام إنسانية تسعى لنشر الحضارة بين الشعوب البدائية أو الأقل شأناً. ولطالما أكد الفنانون الغربيون على هذا الجانب البدائي في تناولهم للشخصية الأفريقية في أعمالهم. في معظم هذه الأعمال، يمكنكم العثور على إشارة هنا أو هناك تعبيراً عن هذه البدائية، ربما تكون إشارة تامة الوضوح أو متوارية بين التفاصيل، لكنها حاضرة ومؤثرة وتدعم هذه النظرة النمطية عند الغربيين.
في هذه الأعمال يمكنكم أيضاً أن تروا رجلاً أفريقياً يتكئ على جلد أسد أو أغطية رأس وقبعات على هيئة رؤوس حيوانات، بالإضافة إلى كثير من التفاصيل الممعنة في تأكيد الغرابة، والتي كان يتم التعامل معها كجماليات شاذة وغير مألوفة. تشير منسقة المعرض إلى أن الكثير من هذه المُعالجات الغرائبية للشخصية الأفريقية اعتمدت في الغالب على مخيلة نمطية، ولا تهدف سوى للتأكيد على الجانب البدائي لتلك المجتمعات.