تكريم عبد القادر لقطع في طنجة: الاقتباس يعني صُنع فيلم

15 نوفمبر 2023
عبد القادر لقطع: تكريمٌ في "المهرجان الوطني للفيلم بطنجة 23" (فيسبوك)
+ الخط -

 

كرّمت الدورة الـ23 (27 أكتوبر/تشرين الأول ـ 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2023) لـ"المهرجان الوطني للفيلم بطنجة"، في حفلة افتتاحها، المخرج المغربي عبد القادر لقطع (1948)، عن أفلامه كلّها، وأشهرها "رماد الزريبة" (1976)، و"حبّ في الدار البيضاء" (1991) و"نصف سما" (2015).

تميّز الأول، عن شبابٍ يأتون إلى الدار البيضاء للسكن فيها، باستخدام معجم فيه شتائم كثيرة. في الثاني، تعيش الشابة سلوى (منى فتو) حبّاً في المدينة الكبيرة، مع رجل يكبرها سنّاً، ويعاملها بحنانٍ لا يفيض عن شبان في سنّها، بسبب العناد، وفقدان الثقة بالنفس. هذا الحبّ معزول في شقق شواطئ الدار البيضاء، حيث يحصل على نسمة حرية، بعيداً عن الرقابة. صالَح "حبّ في الدار البيضاء" الجمهور المغربي مع القاعات. زعزع تابوهات مغربية في بداية تسعينيات القرن الـ20، في لحظة حاسمة، تلتْ سقوط جدار برلين، وانفجار العولمة، وشيوع شعاراتها التحرّرية للأجساد والأرواح.

يُعتَبر لقطع مخرجاً سينمائياً مدينياً. غيّر التوطين المكاني لشخصيات الأفلام المغربية. أحدث نقلة مكانية ورمزية في فضاء الفيلم المغربي. لهذا تبعات على صعيد السمات النفسية والجسدية للشخصيات، وقرارتها.

للمكان قانونه. في المكان الجديد حوافز جديدة. تحطّمت تابوهات الحبّ بفضل شجاعة شابّة (سلوى) طموح متحرّرة، في مجتمع مُصاب بالانفصام حين يتعلّق الأمر بالعلاقات الرضائية. في حالة كهذه، كلّ فرد يمنع على غيره ما يُبيحه لنفسه بفرح.

في "نصف سما"، تتبّع لقطع 10 سنوات من تاريخ المغرب، اعتُقل فيها الشاعر عبد اللطيف اللعبي وحوكم مع رفاقه، عام 1970. كانت المرافعات ساخرة، مَكّنت المناضلين من تحويل المحاكمة إلى منبر لإدانة النظام الحاكم. كان وجه القاضي مُرتبكاً وهو يُصغي. دعمت المنظمات الدولية المعتقلين بضغطها الشديد، فخرج اللعبي من السجن قبل غيره، بفضل سمعته الدولية كشاعر. اقتبس لقطع سيناريو الفيلم من كتاب "خمرة الصبّار" (2005) لجوسلين اللعبي. الشاعر، موضوع الكتاب، زوج الكاتبة والشخصية الرئيسية في السرد.

بهذه الخلفية، شارك لقطع في مائدة مستديرة عن "الاقتباس السينمائي للأعمال الأدبية"، في "المهرجان الوطني للفيلم بطنجة"، مع حمادي كيروم وعبد الكريم أوبلا وحميد عيدوني وسعاد الجامعي وفؤاد السويبة، بإدارة سناء غواتي. قال لقطع: "أبحث عن روايات تلائم توقعاتي لاقتباسها. الاقتباس السينمائي ليس نَسْخ رواية. الاقتباس صُنع فيلمٍ، أي تأويل الرواية بحسب وجهة نظر المخرج، الذي يجب أن يمتلك هذا الحقّ من دون تدخّل المؤلّف". ثم روى 5 حالات لمحاولة اقتباس كُتب 5 كتّاب مغاربة.

 

 

اشتغل على سيناريو انطلاقاً من رواية "الماضي البسيط" (1954) لإدريس الشرايبي، لأنها مَسّته، كما قال. تواصل مع الشرايبي للحصول على حقّ الاقتباس، فكشف له أنّ الحقّ عائد إلى دار النشر، التي طلبت منه، عند اتصاله بها، 60 ألف دولار أميركي لشراء حقوق الاقتباس. حقوقٌ مُكلفة. تكرّر الأمر عند محاولته اقتباس رواية للطاهر بنجلون، اتّضح أنّ حقوق ملكيتها تعود إلى دار نشر أوروبية، تطلب مبلغاً كبيراً. لتجنّب ذلك، عرض على محمد الأشعري مشروع اقتباس رواية له. حين بلغ الحديث تفاصيل الاقتباس، رفض الكاتب التعديلات التي اقترحها المخرج في السيناريو. بعد ذلك، تواصل مع محمد برادة، الذي وافق. عندما بدأ مناقشة تفاصيل السيناريو، اقترح لقطع إنزال شخصيات رئيسية إلى مرتبة شخصيات ثانوية، ورفع شخصيات ثانوية إلى مرتبة شخصيات رئيسية: "رفض الكاتب مقاربتي، وفشل المشروع".

يريد المؤلّف التدخّل في عمل السينمائي، بينما شرط الاقتباس حرية مقاربة النصّ، تبعاً لرؤية المخرج. استنتج لقطع: "ألاحظ أنّ الكتّاب لم يفهموا بعد فوائد علاقة الرواية مع السينما".

لاحقاً، اقتبس لقطع سيرة صديق شبابه عبد اللطيف اللعبي، أحد مؤسّسي منظمة "إلى الأمام"، التي قدّمت بديلاً ماركسياً للمعارضة الاشتراكية الكلاسيكية المغربية، والذي أصدر "أنفاس" (مجلة باللغة الفرنسية) عام 1966، وترجم باكراً الشعر الفلسطيني إلى تلك اللغة، وأمضى وقتاً في السجون. افترق مسار الشاعر عن مسار المخرج، مع سفر الثاني إلى بولندا لدراسة السينما. ذهب إلى دولة ماركسية.

بعد 4 محاولات للاقتباس، تحقّق المشروع الخامس مع جوسلين اللعبي. كان هناك اتّفاق تام عليه. لكنْ، مع بداية لقطع هيكلة الكتاب ليناسب الفيلم، بدأت تظهر خلافات بين المخرج ـ السيناريست من جهة، واللعبي وزوجته من جهة ثانية. وقعت تعديلات في تفاصيل صغيرة، وأُنجز "نصف سما".

بعد عرض تجربته المُكلفة مع الاقتباس، خلص لقطع إلى أنّه حين يقتبس مخرجٌ روايةً، عليه أولاً تمثّلها واختراقها، لتعبّر عن رؤيته الخاصة. أي أنّ المخرج لن يُعيد إنتاج رؤية الكاتب. لذا، حين يرفض كاتب أي تعديل في المنظور، أو يعارض حذف أحداث، أو يمنع السيناريست من تغيير موقع الشخصيات الثانوية لتصير أساسية، لأنّها تلائم الكاميرا، يفشل مشروع الاقتباس.

فسّر لقطع العقبات التي واجهها المخرجون، بأنْ لدى الروائيين خوفاً وقلقاً من أن "التغيير" سيؤثّر على سمعتهم. هناك سوء فهم بين السينمائيين والأدباء. ما السبب؟ جواب لقطع: "يتساءل الروائيون: لماذا لا يُمكن أنْ يكون الاقتباس أميناً؟ بينما يتساءل المخرجون: لماذا لا ينبغي جعل الاقتباس والفيلم يعكسان رؤية المخرج؟ متى تمنح الحرية للمخرجين؟".

المساهمون