في فجر القرن التاسع عشر، كان المسيحيون بالكاد يحتفلون بعيد الميلاد. وكانت أغلب الشركات لا تعتبر الخامس والعشرين من ديسمبر/كانون الأول إجازة رسمية حتى. لكن مع حلول نهاية ذلك القرن، أصبح عيد الميلاد أكبر احتفال سنوي في التقويم البريطاني.
ترك العهد الفيكتوري أثراً كبيراً على الطريقة التي تحتفل بها بريطانيا بعيد الميلاد. فقبل أن يبدأ هذا العهد عام 1837، لم يكن أحد في بريطانيا قد سمع بـ"سانتا كلوز" أو كعك الميلاد. و لم تُرسل بطاقات المعايدة، ولم يحصل معظم الناس على إجازات من عملهم.
إلا أنّ الثروة والتقنيات التي ولّدتها الثورة الصناعية في العصر الفيكتوري، غيّرت وجه عيد الميلاد إلى الأبد. وكان أحد أهم التقاليد الموسمية التي ظهرت خلال العصر الفيكتوري بطاقة عيد الميلاد. يعود الفضل في ذلك، إلى السير هنري كول، أول مدير لمتحف فيكتوريا وألبرت الذي قدم فكرة بطاقة عيد الميلاد عام 1843.
كلّف كول الفنان جي سي هورسلي بتصميم مشهد احتفالي لبطاقات التهنئة الموسمية الخاصة به وطبع ألف بطاقة. وفي وقت لاحق من هذا القرن، أدّت التحسينات التي أدخلت على عملية الطباعة الحجرية الملونة، إلى جعل شراء بطاقات عيد الميلاد وإرسالها في متناول الجميع.
وعرفت بريطانيا عادة "بيني بوست" لأول مرة في عام 1840. كانت الفكرة بسيطة، تقضي بدفع بنس واحد مقابل رسوم بريد رسالة أو بطاقة معايدة إلى أي مكان في بريطانيا. ومهدت هذه الفكرة البسيطة الطريق لإرسال بطاقات عيد الميلاد الأولى.
بدورها لعبت قصص الكتّاب في ذلك العصر دوراً هامّاً في إثارة عواطف أثرياء العصر الفيكتوري وتشجيعهم على إعادة توزيع ثرواتهم من خلال تقديم الأموال والهدايا إلى الفقراء.
وأتاحت الثروة التي حققتها المصانع والصناعات الجديدة في ذاك العصر، لعائلات الطبقة المتوسطة في إنكلترا وويلز بأخذ إجازة من العمل والاحتفال على مدى يومين، يوم عيد الميلاد ويوم الصناديق "بوكسينغ داي". ويوم الصناديق الذي يصادف في 26 ديسمبر/كانون الأول، يعود اسمه إلى عادة سرت، حين كان الخدم والعاملون يفتحون صناديق ملأها الأغنياء بالهدايا.
أمّا الاسكتلنديون فقد فضلوا دائمًا تأجيل الاحتفالات لبضعة أيام للترحيب بالعام الجديد. ولم يصبح يوم الميلاد بحد ذاته عطلة في اسكتلندا إلا بعد سنوات عدة من حكم الملكة فيكتوريا.
في بداية العهد الفيكتوري (1837 ــ 1901)، كانت معظم ألعاب الأطفال، مصنوعة يدويًا وباهظة الثمن، فاقتصرت الهدايا على أولاد الأثرياء. لكن مع ازدياد عدد المصانع، ارتفع إنتاج الألعاب والدمى والكتب، لتصبح كلها بأسعار معقولة، وفي متناول أطفال الطبقة الوسطى. أمّا أطفال الفقراء، فكانوا يحصلون، على تفاحة وبرتقالة والقليل من المكسرات، في جوارب عيد الميلاد التي اشتهرت لأول مرة نحو عام 1870.
وقبل سبعينيات القرن التاسع عشر، لم تكن الهدايا مغلفة بالورق، بل كانت توضع ببساطة تحت الشجرة.
وتبقى لأسطورة سانتا كلوز، وأبو الميلاد، قصّة منفصلة تماماً. فبابا نويل هو في الأصل جزء من مهرجان منتصف الشتاء الإنكليزي القديم، ويرتدي عادة اللون الأخضر، الذي يرمز إلى عودة الربيع. أمّا سانتا كلوز فظهرت قصته عن طريق المستوطنين الهولنديين الذين قدموا إلى أميركا في القرن السابع عشر.
ومنذ سبعينيات القرن التاسع عشر، أصبح القديس نيقولاوس (سينتر كلاس في هولندا) معروفًا في بريطانيا باسم سانتا كلوز، وجاءت معه عادة توزيع الهدايا والألعاب.
وآخر تقاليد عيد الميلاد، أي تقديم طبق الديك الرومي في العيد، فوصلت إلى بريطانيا من الولايات المتحدة قبل العصر الفيكتوري بمئات السنين. وعندما اعتلت الملكة فيكتوريا العرش لأول مرة، كان ثمن الدجاج والديك الرومي باهظاً للغاية بالنسبة لمعظم الناس.
ففي شمال إنكلترا كان لحم البقر المشوي، هو الطبق التقليدي لعشاء عيد الميلاد بينما كان الأوز هو المفضل في لندن وجنوب البلاد. وكان الكثير من الفقراء يتناولون الأرانب. في المقابل، شملت قائمة عيد الميلاد، للملكة فيكتوريا والعائلة في عام 1840 لحم البقر وبجعة مشوية ملكية أو اثنتين.
لكن مع حلول نهاية القرن، كان معظم الناس يتناولون الديك الرومي لعشاء عيد الميلاد. وبما أنّ العصر الفيكتوري أعطى أهمية كبيرة للعائلة، كان الناس يحتفلون بعيد الميلاد في المنزل. وسمحت الاختراعات الجديدة، مثل السكك الحديدية لأهالي الريف الذين انتقلوا إلى البلدات والمدن بحثًا عن عمل، بالعودة إلى ديارهم لقضاء عيد ميلاد عائلي.
كما جسّدت الملكة فيكتوريا الشهيرة وزوجها ألبرت وأطفالهما التسعة، خير مثال عن الحياة العائلية. وساعد الأمير ألبرت الألماني، في انتشار شعبية شجرة عيد الميلاد في بريطانيا، كما كانت في موطنه ألمانيا، عندما أحضر واحدة إلى قلعة وندسور في أربعينيات القرن التاسع عشر.
وعام 1848 نشرت صحيفة رسمًا للعائلة المالكة تحتفل حول شجرة مزينة بالزخارف. فنمت شعبية أشجار عيد الميلاد المزينة بسرعة، وجاء معها سوق زينة الأشجار. وساهمت المكننة وعملية الطباعة المحسنة، في إنتاج الزينة بكميات كبيرة والإعلان عنها للمشترين المتحمسين. وظهرت الإعلانات الأولى لزينة الأشجار في عام 1853.
وتستمر عادات عيد الميلاد في التبدّل مع التقدم التكنولوجي والتغييرات الحديثة في المجتمع. بيد أنّ التقاليد الجديدة لا تزال متجذرة في روح عيد الميلاد الفيكتوري، وهي جزء لا يتجزأ من عيد الميلاد الذي نحتفل به اليوم.