استمع إلى الملخص
- تبرز حوادث تراجع حرية التعبير مثل تهديد مقدم البرامج صالح الحمداني، مما أثار استنكاراً واسعاً وتدخل بعض النواب للدفاع عن المتضررين.
- تعبر منظمات مثل اليونسكو عن مخاوفها من قمع الحريات، مشيرة إلى أن القانون يتضمن عقوبات صارمة تصل إلى الحبس 30 عاماً، مما يثير قلقاً حول مستقبل حرية التعبير.
مع عودة الجدل حول قانون حرية التعبير في العراق، الذي تسعى أحزاب دينية إلى قراءته وإقراره بسرعة في البرلمان، توضح قصصٌ واقعية كيفية تراجع الحريات في بلاد الرافدين. اليوم، صار المتضررون من هذا الواقع أكثر جرأة في كشف وفضح ما يجري بالكتابة عنه على مواقع التواصل الاجتماعي، بالتزامن مع تحذيرات متواصلة من الحركات المدنية ومنظمات المجتمع المدني من تبعات تقليص الحريات وقمع حرية التعبير في العراق.
وحاولت الكتل السياسية الكبيرة المتنفذة في البلاد عبر مجلس النواب أن تُمرر مشروع قانون "حرية التعبير عن الرأي والاجتماع والتظاهر السلمي"، المعد من قبل لجنة حقوق الإنسان في البرلمان، لكن اعتراضات كثيرة تلاحق هذا المشروع، ما يدعو نواباً ومنظمات إلى الدفع نحو التريث في إقراره أو تأجيله إلى الدورة البرلمانية اللاحقة لأجل التوصل إلى نسخة معدّلة وتليق بالطموح الديمقراطي.
وشهدت البلاد خلال الأيام الماضية حادثتين تبينان تراجع حرية التعبير في العراق والتعسف باستخدام الحق القانوني من قبل المسؤولين. وجرت الحادثة الأولى مع مقدم البرامج السياسية على قناة العراقية صالح الحمداني، الذي كتب على منصة إكس عن رأيه بالتغيير في سورية والإطاحة بنظام بشار الأسد، قائلاً: "الخطوات في سورية متسارعة، وصلوا بأسبوعين لما لم نصل له في العراق بـ20 عاماً". ولم يعجب هذا الموقف رئيس مجلس أمناء شبكة الإعلام العراقي ثائر الغانمي، الذي رد على الحمداني بالقول: "والإجراءات القانونية ستكون متسارعة أيضاً، لدرجة أنها ستصل، خلال أسبوع واحد، لما لم يصل إليه الآخرون خلال ستة أعوام، عن حقيقة الموقف من دولتنا وشعبنا وثوابتنا، ومنها إلى جدوى البقاء في شبكتنا".
وقوبل تهديد الغانمي الضمني بفصل الحمداني من وظيفة مقدم برامج باستنكار ورفض كبيرين من صحافيين وناشطين عراقيين.
والاجراءات القانونية ستكون متسارعة أيضا، لدرجة انها ستصل، خلال اسبوع واحد، لما لم يصل اليه الاخرون خلال ستة اعوام، عن حقيقة الموقف من دولتنا وشعبنا وثوابتنا، ومنها الى جدوى البقاء في شبكتنا.
— ثائر الغانمي (@thaeralghanimi) December 21, 2024
أما الحادثة الثانية، فقد تضرر منها موظف عراقي اسمه علي البياتي، الذي لم يتردد في كشف ما جرى معه من أذى بسبب وزير الثقافة أحمد الفكاك عبر "فيسبوك". وكتب البياتي: "بلطجة الحزب الحاكم ضد المواطنين في الأنبار، أثناء وجودي في مكتب المحافظ، قال المحافظ تمنيت أن تكون ضمن موظفي الإدارة المحلية حتى أعلمك من هو الجايجي، بس آني أعرف شلون أتعامل معك، وقام بالاتصال بوزير الثقافة الذي ينتمي لنفس حزبه وقام بفتح سماعة الهاتف، وقال الوزير للمحافظ (ابشر باجر انعلك والديه وأطيح حظه)، بعدها قام بإقفال سماعة الهاتف وبدأ بالتكلم عن انتمائي السياسي، وأني أقوم بالتحريض والتشهير ضد شخص المحافظ".
ويدخل بعض أعضاء في مجلس النواب العراقي على خط الدفاع عن المتضررين من تعسف المسؤولين ضد الصحافيين والناشطين، وحتى الموظفين في دوائر الدولة ممن لديهم مواقف سياسية معينة، ما يؤدي عادة إلى زيادة زخم الرفض للتجاوز على مفهوم حرية التعبير، كما أنه يساهم في حماية المعارضين وتأجيل التصويت على بعض القوانين التي يشعر أصحاب الرأي أنها تكبلهم وتمارس تضييقاً عليهم.
معارضة قانون حرية التعبير في العراق
تجد الجهات المعارضة لإقرار قانون حرية التعبير في العراق أن البلاد ليست بحاجة للقانون أصلاً، وخصوصاً أن حرية التعبير هي حق دستوري كفله الدستور العراقي ضمن المادة 38، ولا توجد أي إشارة إلى أنه ينظم بقانون. بالإضافة إلى ذلك، حملت النسخة التي تتداولها الأحزاب العراقية المؤيدة للقانون بنوداً تتضمن عقوبات وفقرات جزائية كثيرة في موضوع حق التظاهر والاجتماع السلمي، وأخذ الإذن للتظاهر قبل فترة معينة. كما ينتقد الناشطون بعض المصطلحات والعبارات في نسخة المشروع.
وقال رئيس لجنة حقوق الإنسان في مجلس النواب إن "تمرير قانون مرفوض شعبياً أو يستهدف الصحافة والأصوات والأقلام الحرة هو أمر نرفضه تماماً"، مضيفاً: "إننا ندعم الديمقراطية في البلاد"، وأشار إلى أن "النسخة في شكلها الأخير باتت خالية من أي عقوبات ضد أصحاب الرأي"، مؤكداً أن "القانون أنجز، وتم رفعه إلى هيئة رئاسة البرلمان، وقد تعاونت وزارة الثقافة على إعداده بما ينسجم مع تطلعات الصحافيين والناشطين".
وأضاف الصالحي، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "مشروع القانون جاهز للتصويت، ويمكن الحديث عنه بجدية الآن، وهو لا يتضمن أي مفردة أو عبارة قد تسيء إلى الصحافة أو الحركات المدنية"، واعتبر أن "حرية التعبير مكفولة وفق الدستور العراقي، وأن من مميزات مشروع القانون أن حق التظاهر لن يتطلب في المستقبل الموافقة الحكومية، بل يكفي أن يتم إبلاغ رئيس الوحدة الإدارية بوقت ومكان التظاهرة، كما أن الاجتماعات العامة والخاصة مباحة".
مخاوف من قمع الحريات
من جهتها، أشارت الناشطة العراقية لمياء محمد إلى أن "الأحزاب الكبيرة تريد تقييد الصحافة والناشطين والمتظاهرين، ضمن مفهوم قمع الحريات والديكتاتورية التي تمارسها منذ فترة الاحتلال الأميركي ولغاية الآن، فهي لا تريد أن صوت آخر غير صوتها، وتظهر لنا الممارسات السياسية ضد الأصوات الحرة بشكلٍ يومي بأمثلة مختلفة". وأضافت: "يمكن استذكار تظاهرات عام 2019، وكيف تعاملت السلطات مع متظاهرين سلميين لم يكن لهم غير أصواتهم التي يهتفون بها ضد الفساد والسرقات والسلاح المنفلت، وقد قتلت هذه السلطات بمختلف مشاربها ومسمياتها ووظائفها أكثر من 800 عراقي خلال أشهر قليلة".
وأكملت محمد أن "حرية التعبير في العراق مذبوحة، وأن إقرار قانون حرية التعبير يعني أن نصف الشعب قد يكون خلف قضبان السجون، بالتالي لا بد من رفض التعسف السياسي ضد أصحاب الرأي، ومنع استغلال المنصب في محاسبة العراقيين أو النفوذ السياسي في فصل الصحافيين والإعلاميين"، وأكدت أن "شخصية المسؤول العراقي لا تحترم الدولة أو الدستور، بل تنطلق من أفكار شرعية أو عشائرية أو مفاهيم اجتماعية منتهية الصلاحية، وهذا ما يؤدي إلى ظلم أصحاب الرأي بطريقة غير مقبولة".
أما الناشط وعضو تنسيقية تظاهرات مدينة الناصرية، مركز محافظة ذي قار، علي الحجيمي، فرأى أن "السلطات تريد من خلال التضييق على الناشطين، أن يسكتوا وألا ينتقدوا أي أفعال خاطئة أو فساد إدارة أو سرقات"، وأشار إلى أن مشروع قانون حرية التعبير يفرض "طلب الإذن المسبق من الجهة المسؤولة حول التظاهر أو التحدث بحرية، وهذا خرق للدستور"، موضحاً لـ"العربي الجديد"، أن "الأحزاب النافذة تريد أن تسيطر على كل شيء بما في ذلك ألسنة وتصرفات العراقيين، في آلية شمولية يريد العراقيون الخلاص منها".
وسبق أن هاجمت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)، مشروع قانون حرية التعبير ومحاولات التصويت عليه في مجلس النواب العراقي، معتبرة أن هناك أجندة سياسية تقف خلفه، وأنه مخالف للدستور العراقي ولا يتماشى مع المعايير الدولية لحرية الرأي، كما أنه يشكل خيبة أمل كبيرة للمنظمات الدولية، و"يونسكو" تحديداً، باعتبارها الجهة المعنية بملف حرية التعبير عن الرأي وكل ما يتعلق به.
وتضمن القانون أكثر من 20 مادة أدرجت تحتها فقرات عدّة، نصّت جميعها على عقوبات متفاوتة تصل إلى الحبس 30 عاماً، وغرامات مالية تصل إلى 100 مليون دينار عراقي، وركّزت تلك الفقرات على المعلومات الإلكترونية، وجعلتها في دائرة الخطر والمساس بأمن الدولة.