تصميم الخيال العلمي: من الفضاء إلى ميتافيرس

10 اغسطس 2024
الكرسي الذي اشتهر في فيلم "مِن إن بلاك" (فيسبوك)
+ الخط -

في الجزء الأول من فيلم "مِن إن بلاك" (1997)، يخوض ويل سميث ومرشحون آخرون ينتمون إلى الجيش والبحرية اختبارهم ليصبحوا من بين عناصر النُخبة. يخضع ويل سميث وزملاؤه إلى هذا الاختبار وهم جالسون على كراسي متماثلة بيضاوية الشكل ولا تتيح لهم خيارات كثيرة للحركة. ما قد لا يعرفه البعض هو أن هذا الكرسي ذو التصميم المميز الذي ظهر أيضاً على ملصق الجزء الثاني من الفيلم هو من إبداع مصمم الأثاث الدنماركي الشهير هنريك ثور لارسن، وهو كرسي على هيئة شرنقة مجوفة ذات شكل بيضاوي. ظهر هذا الكرسي لأول مرة عام 1968 تحت اسم Ovalia Egg Chair وانتشر في جميع أنحاء العالم لما يزيد عن العقد، حتى توقف إنتاجه في سبعينيات القرن الماضي. بعد عرض الجزء الأول من الفيلم، استعاد هذا الكرسي مكانته من جديد وتربع مرة أخرى على عرش الأثاث في الولايات المتحدة وأوروبا لعدة سنوات.

هذا الكرسي وغيره من التصميمات المرتبطة بأفلام الخيال العلمي تمثل جانباً من المعرض الذي يستضيفه متحف فيترا الألماني للتصميم حتى 11 مايو/ أيار المُقبل تحت عنوان "تصميم الخيال العلمي من عصر الفضاء إلى ميتافيرس". يُسلط المعرض الضوء على تطور العلاقة بين أعمال الخيال العلمي والتصميم ومساحات التقاطع بينهما، كما يكشف عن التأثير المُتبادل بين المصممين ومبدعي أعمال الخيال العلمي، وكيف ألهم كل منهما الآخر، منذ الظهور المبكر لأدب الخيال العلمي في القرن التاسع عشر وحتى الثورة التكنولوجية التي نشهدها اليوم.

يضم المعرض أكثر من 100 قطعة من مجموعة المتحف للفنان والمصمم الأرجنتيني البارز أندريس رايزنجر (Andrés Reisinger)، إلى جانب عدد من التصميمات المُختارة التي ظهرت في السينما أو تأثرت حتى بالأعمال الأدبية. تغطي المعروضات أكثر من قرن من الإبداع والخيال، من بداية القرن العشرين، مروراً بعصر الفضاء في الستينيات والسبعينيات، إلى تصميمات العوالم الافتراضية في عصر الميتافيرس.

يمزج المعرض بين السرد البصري والتاريخي لتطور العلاقة بين التصميم من جهة والإبداع الأدبي والسينمائي من جهة أخرى. يظهر السرد التاريخي المصاحب للمعرض كيف شاع أدب الخيال العلمي في أعقاب الثورة الصناعية وتبني مؤلفين مثل ماري شيلي وجول فيرن هذه النوعية من الموضوعات الخيالية في وقت مُبكر. وسرعان ما ظهرت أعمال أدبية أخرى تُركز على التساؤلات المحورية التي تواجهها البشرية حول الحب والحرب والموت. تناولت الأعمال الأدبية المبكرة هذه التساؤلات في سياق خيالي، كالسفر عبر الزمن والفضاء، أو في ظل أجواء مأزومة فرضها التقنيات الجديدة.

ومع ظهور السينما سرعان ما تم تبني الخيال العلمي كموضوع سينمائي رئيسي، حتى أن أحد الأفلام المبكرة تنبأ برحلات الفضاء، وهو فيلم "رحلة إلى القمر"، الذي أنتج عام 1902 للمخرج الفرنسي جورج ميلييس. وخلال العقود الأولى من القرن العشرين تزايد الاهتمام بالخيال العلمي في العديد من الوسائط الإبداعية الأخرى إلى جانب السينما، كالروايات المصورة ومجلات الكوميكس. وفي الخمسينيات أطلقت الأقمار الصناعية الأولى إلى الفضاء، وانخرطت القوتان العظميان في سباق الصعود إلى القمر، وهو السباق الذي أبهر العالم وكان أشبه برواية خيالية.

في ظل هذه الأجواء ظهر العديد من المصممين الذين تجاوبوا مع الإنجازات العلمية وابتكروا الكثير من التصميمات الخلاقة، من قطع الأثاث وأدوات المائدة إلى عناصر الديكور المستلهمة من قصص الخيال العلمي. تميزت أغلب هذه التصميمات بأشكالها العضوية وأسطحها اللامعة وتجاوزها للتصورات النمطية في التصميم. وقد زود هؤلاء المصممون مخرجي الأفلام بالأدوات المثالية لأفلام الخيال العلمي.

يضم المعرض نماذج لتصميمات المقاعد التي وضعها إوليفيه مورغ لفيلم "أوديسة الفضاء" (1968)، للمخرج ستانلي كوبريك، إلى جانب أعمال المصمم الشهير إرو آرنو التي ظهرت في العديد من الأفلام الأميركية. يضم المعرض أيضاً أول كرسي معدني مطبوع بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد للمصمم جوريس لارمان، وهو الكرسي نفسه الذي ظهر في فيلم "بليد" رانر (2017)، للمخرج دينيس فيلنوف. يُخصص جانب كبير من المعرض لتصميمات الواقع الافتراضي أو ما يُعرف بالميتافيرس، وهو يمثل للمصممين الشباب اليوم مساحة جديدة للتجارب، ومكاناً للتفكير الحر يمكن ملؤه بأفكار ومفاهيم مختلفة.

يضم المعرض عدداً كبيراً من أعمال مصمم الواقع الافتراضي أندريس رايزنجر، وهو يُعد أحد أبرز الشخصيات في عالم الإبداع الخاص بميتافيرس، وتعبر تصميماته الحالمة والمُرتبة بشكل مثالي عن التفضيلات الجمالية للجيل الرقمي. يتم تسويق أعمال رايزنجر الفنية الرقمية على نطاق واسع كرموز غير قابلة للاستبدال، وهي تحظى باهتمام كبير في سوق الفن الرقمي.

المساهمون