تشريعات مصريّة تفرض الرقابة الجماعيّة على الإنترنت

30 سبتمبر 2021
تسمح التشريعات بالكثير من الانتهاكات لحريّة الإنترنت (Getty)
+ الخط -

اتسع استخدام التكنولوجيا والإنترنت في مصر كما في أنحاء العالم، وبلغ عدد مستخدمي الإنترنت في مصر 62.3 مليون مستخدم بنهاية سبتمبر/أيلول 2020، لكن هذا الاستخدام الواسع محكوم بقوانين وتشريعات تؤثر على خصوصيته، بالمخالفة للمواثيق والمعاهدات الدولية. فكما كان لاستخدام الإنترنت أثر هائل على المشاركة السياسية والتعبير عن الرأي في مصر خلال العقدين السابقين؛ اتجه أيضًا النظام المصري الحالي إلى استخدام التكنولوجيا لفرض مراقبة على مستخدمي الإنترنت، سواء بشكل متجاوز للقانون، أو وفق قوانين جرى إصدارها خلال السنوات السبع الأخيرة، كقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018، وقانون مكافحة الإرهاب رقم 94 لسنة 2015.

رصدت مؤسسة "حرية الفكر والتعبير"، توجه النظام المصري لفرض المراقبة الجماعية على الإنترنت، بما يقضي على مبدأ الخصوصية الرقمية. إذ تشير التوجهات التشريعية في مصر إلى عدم الاكتراث بحماية الخصوصية عبر الإنترنت، ويتبع ذلك ممارسات عديدة، يتم من خلالها مراقبة مستخدمي الإنترنت عبر الاحتفاظ ببيانات نشاطهم الرقمي، وشراء برمجيات التجسس. ويؤدي ذلك إلى ازدياد حالات القبض على مستخدمي الإنترنت من جانب، وفرض مستخدمي الإنترنت الرقابة الذاتية على أنفسهم، تجنبًا لهذه المخاطر من جانب آخر، حسب تقرير حديث صادر عن المؤسسة.

ورصد التقرير أيضًا مساهمة البنية التشريعية الحاكمة لمنظومة الاتصالات في دعم عملية المراقبة الجماعية، بداية من نص المادة (67) من قانون تنظيم الاتصالات بمركزية إدارة المنظومة، ووضعها تحت سيطرة "السلطات المختصة في الدولة" في الحالات الطارئة، و"أية حالات أخرى تتعلق بالأمن القومي"، من دون ذكر واضح ومحدد لهذه الحالات المتعلقة بالأمن القومي، التي يمكن من خلالها إخضاع شبكات الاتصالات ككل لسيطرة السلطات، خاصة في ظل التعريف المبهم للأمن القومي. وتنص المادة (64) من قانون تنظيم الاتصالات، على إلزام شركات الاتصالات بتوفير كافة الإمكانيات الفنية والمعدات لجهات الأمن القومي، والقوات المسلحة، التي تتيح لها ممارسة اختصاصها، وهو نص قد يتيح لجهات الأمن القومي أن تراقب مستخدمي الإنترنت، من دون إذن قضائي.

وصدر خلال السنوات القليلة الماضية عدد من القوانين تتقاطع في تقنين الاعتماد على شركات الاتصالات في مراقبة مستخدمي الاتصالات والإنترنت، رصدها التقرير، وأشار إلى أنها هي الممارسات ذاتها التي تمارسها الدولة منذ سنوات عديدة. وكانت البداية مع وضع قوانين تسمح بشكل مباشر وواضح بمراقبة مستخدمي الإنترنت في سياق مكافحة الإرهاب.

وصدر قانون مكافحة الإرهاب رقم 94 لسنة 2015، الذي يتيح للنيابة العامة أو سلطة التحقيق المختصة في مادته رقم (46) مراقبة وتسجيل المحادثات والرسائل خلال مدة ثلاثين يومًا. ثم صدر قانون الجريمة الإلكترونية رقم 175 لسنة 2018، الذي تنص المادة (2) منه، على التزامات وواجبات مقدمي الخدمة، في حفظ وتخزين سجل النظام المعلوماتي لمدة ستة أشهر. وعلى الرغم من نص الفقرة (2) من نفس المادة على عدم الإفصاح عن تلك البيانات إلا بأمرٍ قضائي مُسبَّب، فإن الفقرة (3) من نفس المادة تلزم مقدمي الخدمة بتوفير كافة الإمكانيات الفنية لـ"جهات الأمن القومي" لممارسة اختصاصاتهم، وهو ما يشير إلى احتمالية استخدام القانون كوسيلة لفرض مراقبة جماعية على مستخدمي الفضاء الإلكتروني من قِبَل جهات الأمن القومي، بدون إذن قضائي. كما أشارت المادة (6) من نفس القانون إلى إمكانية حصول مأموري الضبط القضائي، الذين من بينهم العاملون في الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، بحسب القانون، على أمر مُسبَّب من جهات التحقيق بجمع أو التحفظ على البيانات، والمعلومات، والنفاذ إلى النظم المعلوماتية، تحقيقًا لغرض "الضبط" لمدة 30 يومًا قابلة للتجديد مرة واحدة، ذلك بالإضافة إلى أحقيتهم في أمر مقدمي الخدمة (أي شركات الاتصالات) بتسليم ما لديهم من بيانات أو معلومات تتعلق بجهاز تقني موجود تحت سيطرتهم، وكذلك بيانات مستخدمي الخدمة وحركة الاتصالات، التي تتم على ذلك النظام.

سوشيال ميديا
التحديثات الحية

وقالت مؤسسة حرية الفكر والتعبير إن هذه المواد "تفتح الباب للحصول على بيانات المواطنين تحت ذريعة ضبط الجناة، خاصة في ظل عدم وجود قواعد إجرائية محددة وواضحة، مما يفتح الباب أمام السلطة التقديرية لجهات إنفاذ القانون. كما يتيح ذلك المراقبة، ويؤدي إلى التوسع في عمليات القبض".

وتوصل التقرير إلى أن عدة قوانين مصرية ترسّخ لانتهاك الخصوصية في السياق الرقمي، وهو ما يتعارض مع القانون الدولي، إذ أن أغراض مراقبة الأفراد يجب أن ترتبط بمشتبه فيهم ووفق غرض مشروع وفي إطار الالتزام بالمعايير الدولية مثل "المبادئ الدولية لتطبيق حقوق الإنسان عند مراقبة الاتصالات". وتنص هذه المبادئ على احترام مبدأي الضرورة والتناسب، أي ضرورة القيام بمراقبة للاتصالات لتحقيق هدف مشروع، خاصة في حال كونه الوسيلة الوحيدة لتحقيق هذا الغرض، وتناسب فعل المراقبة مع الهدف منه. وخلص التقرير إلى أن مجموع تلك القوانين، في ظل مركزية البنية التحتية ومركزية الإدارة؛ يخلقان بيئة تيسر فرض الرقابة على الإنترنت والمراقبة الجماعية على مستخدميه.

وقبل أيام، أعلنت مصلحة الضرائب المصرية فرض ضرائب جديدة على المدونين وصانعي المحتوى على "يوتيوب"، فيما شهدت مواقع التواصل الاجتماعي في مصر حملة ضد الشركات الموزعة للإنترنت بسبب سياسة الاستخدام العادل "نظام الكوتا"، وطالبت الحملة بجعل باقات الإنترنت غير محدودة.

المساهمون