تساؤلات كثيرة من "طنجة 2022": نتائج مُخيّبة لدورة استثنائية

30 سبتمبر 2022
سيمون بيتون: "زيارة" بلا جائزة (Jean-Francois Deroubaix/Gamma-Rapho/Getty)
+ الخط -

بين 16 و26 سبتمبر/أيلول 2022، أُقيمت الدورة الـ22 لـ"المهرجان الوطني للفيلم" في طنجة المغربيّة. دورةٌ استثنائية لاعتبارات عدّة، أوّلها الاحتفاء بـ40 عاماً على تأسيس المهرجان، الذي بات، منذ اعتماد نورالدين الصايل عليه، موعداً سنوياً مهمّاً لجسّ نبض النشاط السينمائي في المغرب، ومكافأة مبدعيه، والتداول في القضايا التي تُشغل مهنيّيه.

الدورة الجديدة نفسها تُجسّد عودة المهرجان، بعد احتجابه لعامين ونصف العام بسبب كورونا، ما أدّى إلى تجمّع متن فيلميّ كبير (28 روائياً طويلاً، و27 وثائقياً، و50 قصيراً)؛ إلى دقّة الظرفيّة التي تنظّمت فيها، بسبب استمرار حالة رئاسة "المركز السينمائي المغربي" بالنيابة معقودة على خالد سعيدي، بعد نهاية عهد المدير السابق، صارم الفاسي الفهري، والآمال الكبيرة التي فتحتها تصريحات وزير الثقافة محمد مهدي بنسعيد حول استراتيجية طموحة ـ رغم أنّها لا تزال مُبهمة المعالم ـ لتنمية قاعات السينما، وتطوير الصناعة السينمائية المغربية.

 

ثوابت مهمّة

سجّلت الدورة الـ22 ثوابت مهمّة، أوّلها القرار الصائب بتثبيت المهرجان في طنجة، لأنّ تخيّل انعقاده في أي مكان آخر أضحى صعباً على التخيّل نفسه، لفرط اندماجه في فضاء المدينة، حتّى أصبح رافداً من هويتها المعاصرة، يُغذّي حياتها الثقافية، ويستفيد من إشعاعها الحضاري وسحرها الاستثنائي، ومن شرط تقارب القاعات وجودتها، وسينفيلية الجمهور الطنجاوي، ووفرة بنيات استقبال الضيوف.

معطى آخر بارز طبع الدورة هذه، يتجلّى في مساهمة وزارة الثقافة، بشكل أكبر، في تنظيم المهرجان، ما أسفر عن نتائج متباينة، أبرزها تحسّن المستوى اللوجستيي (إضافة قاعة "ألكازار"، توفير النقل، تحسين جودة اللوازم المقدّمة، تطوّر في مستويات تنظيم حفلي الافتتاح والختام). بيد أنّ المقاربة التشاركية في الإعداد والتنظيم ، المُعتمدة من الوزارة، مع ممثلي الغرف المهنية والهيئات، التي وحّدت الشركاء وجلبت تنوّع الندوات ـ انعكست أيضاً في غياب رؤية وخيط ناظم، يحكم الاختيارات الفنية للمهرجان، ما أدّى إلى قرارات توافقية، لم تخدم مستوييه الفني والتنظيمي، أكثرها فداحةً قرار إلغاء الانتقاء، وإشراك كلّ الأفلام مستوفية الشروط، ما أدّى إلى ازدحام البرنامج، وجعل المهرجانيّين يُضيّعون جهداً ووقتاً ثمينين في مشاهدة أفلامٍ منعدمة القيمة.

هناك أيضاً طريقة تشكيل اللجان، التي تطرح أكثر من علامة استفهام حول معايير اختيار بعض الأعضاء، ومدى شغفهم بالسينما وإلمامهم بثقافتها، ومدى التزامهم أخلاقيات النزاهة ومقاومة الإغراءات والضغوط، للوقوف على مسافة واحدة من كلّ الأفلام المشاركة. بالإضافة إلى برمجة أسبوع الاحتفاء بالسينما الإيفوارية، الذي لا يُمكن أنْ يعترض عليه أحدٌ، في المبدأ، بسبب إدراك الجميع أهمية التعاون "جنوب ـ جنوب" في تأُثير السينما المغربية، وإرساء عمقها الأفريقي والعربي. لكنّ إدماجه كفقرة في برنامج المهرجان غير منطقي، لا سيما أنّ تخصيص قاعة "سينماتيك طنجة" له حال دون استثمارها في دعم مُشاهدة الأفلام، عبر إعادة عرض أفلام المسابقة الرسمية، لمنح المهرجانيّين فرصة استدراك مُشاهدتها، خاصة تلك التي أثارت اهتماماً وصيتاً في النقاش، كما جرت العادة مع سينما "كوليزي" في "مهرجان مراكش الدولي للفيلم" مثلاً.

لا يُنسى ضعف جانب الاحتفاء بمناسبة مهمّة، كمرور 40 عاماً على إنشاء المهرجان، بسبب انعدام العمل بمبادرات خلّاقة في هذا الشأن، كعرض تشكيلة من أفلام فارقة، فازت بإحدى جوائزه، أو تنظيم معرض صُور يقتفي تاريخه ولحظاته الملهمة، أو دعوة الفائزين بجائزته الكبرى، الذين لا يزالون أحياءً، لالتقاط صورة جماعية أمام قاعة "روكسي"، كما حصل في الذكرى الـ70 لمهرجان "كانّ".

 

 

هذا يطرح مجدّداً مسألة "سينماتيك المركز السينمائي المغربي"، التي كان يُمكنها الاضطلاع بجانب الاحتفاء هذا، لولا أنّها تعيش حالة شرود غريبة، وجمود تام، بإدارة نرجس النجار.

 

مستوى متواضع

أبانت مسابقة الفيلم الروائي، التي احتضنتها قاعة "روكسي" التاريخية، عن مستوى متواضع إجمالاً، في الأيام الأولى للعروض، مع أفلامٍ جدّ ضعيفة فنّياً، كـ"الإخوان" لمحمد أمين الأحمر، و"دوار العفاريت" لبوشعيب المسعودي، و"تاج الموسم" لمحمد حسيني، و"يوم الفداء" لهشام حجّي. تبدّى أنْ لا مكان لها في برنامج المهرجان، ما عدا في "بانوراما"، التي كان ممكناً تنظيمها على الهامش، فتكفل للمهتمّين بها مشاهدتها، كالحاصل في دوراتٍ سابقة في صالة "موريطانيا".

إنتاجات كثيرة أخرى، القاسم المشترك بينها الادّعاء والعشوائية، وغياب رؤية فنية تؤطّر الكتابة والاختيارات الفنية الإخراجية، كـ"قرعة ميريكان" لهشام الركراكي، المطبوع بارتباك واضح، رغم وضعيته الأولى المُثيرة للاهتمام (شاب تدفعه البطالة إلى التنكّر في زيّ أنثى، لنيل بطاقة الهجرة إلى أميركا)، و"النزال الأخير" لمحمد فكران، المتّسم بإشكالات تقنية في شريطه الصوتي، التقاطاً ومزجاً، ما أثّر جوهرياً على تلقّيه، علاوةً على حواره المُترجم بابتذال من الفرنسية إلى الدارجة، وتخبّط رؤية مخرجه، الذي لم يُحسن أفلمة نزالات الملاكمة، ولا مشاهد التعقّب.

"السلعة"، لمحمد نصرات، أجوف، لا يقول شيئاً، غير قصّة تجسّدها شخصيات باهتة حول استغلال مهاجري أفريقيا جنوب الصحراء، للمتاجرة في أعضاء البشر. فيلمٌ يلخّص هفوات كثيرة، تكرّرت في أفلام أخرى: موسيقى صاخبة لا تتميّز بأي تفرّد، وذرّ الرماد في العيون بالفضاءات الساحرة، والسيارات الفارهة، فيما باطن الطرح يقتصر على مَشاهد حركة مبتذلة (صراخ وركض في كلّ الاتجاهات).

أما "العودة" لبراهيم شكيري ـ الذي يقتفي رحلة أمّ إلى سورية لاسترجاع ابنها اليافع، المُهاجر من بلجيكا، تأثّراً بالدعاية الداعشية ـ فيمثّل بدوره هذا التوجّه، باكتفائه بمجهود مقنعٍ في هندسة الديكور، بينما تغيب عنه كلّ آثار الجدّة في القصّة، المتكرّرة في أفلامٍ أخرى، وتطبعه معالجة اعتيادية لمَشاهد تبادل إطلاق النار، ودراماتورجيا مُفعمة بالكليشيهات، ورؤية مانوية تُمعن في التبئير على فضائل الشخصيات الإيجابية، وتكاد لا ترى في الشخصيات السلبية سوى وحوش آدمية. لم تتميّز مَشاهد الاسترجاع (فلاش باك) بأيّ تصوّر فنّي، يجعل علاقاتها بحاضر القصّة مثيراً، درامياً أو غنائياً.

مُعطى تكرّر في أفلامٍ أخرى، ما يُنبئ بإشكالية حقيقية في تصوّر هذا المعطى الجمالي، واستخدامه في الغالب كوسيلة استسهال لا تنتج أيّ تفاعل جماليّ، يعيد تصوّر المُشاهِد للقصّة، أو يحمل رابط تشويق أو انقلابات، تجعله يرى الحكي بمنظور آخر. هذا الحال مع "فاطمة، السلطانة التي لا تُنسى"، للرّائد محمد عبد الرحمن التازي، الذي لم يخلق جدليةً بين ماضي فاطمة المرنيسي كطفلة وحاضرها، ولم يركّز على نزاعٍ وجودي أو مأزقٍ بارزِ، يجعلنا نلمس تطوّر شخصيتها بمقارعة حواجزه وعقباته، ونتسامى فنّياً مع ما صنع منها الكاتبة التي نعرف، ما عدا مَشاهد محتشمة عن معاناتها من الدوغمائية الدينية.

الواقع أنّ المخرج لم يأخذ المسافة اللازمة مع شخصيته (ابنة عمّته في الحياة)، فنظر إليها بنوعٍ من القدسية، صَوّرتها كعالمة اجتماع مُهمّة ومؤثّرة منذ طفولتها الأولى، وحتّى في قصص حبّها المُجهَض. كما أنّ عدم التبئير على فترة معيّنة من حياتها لسبرها، كعادة الأفلام البيوغرافية الناجحة، أضرّ بإيقاع الفيلم، فافتقر لفضيلة التكثيف، واقتصر على الإيضاح (إليستراسيون)، خاصّة أنّ الانتقالات فيه فجائية وغير سلسة، فصارت التجاعيد على وجه مريم الزعيمي (التي لم تكن سيئة في تأدية الدور)، والشيب الذي يغزو رأس برايس بكستر الكراوي (أدّى دوره المخرج نفسه)، دليل وحيد للإحساس بمرور الزمن.

"البير" لمحمد منخار، ذي التجربة الكبيرة في التلفزيون، عانى مَشاهد "فلاش باك" لا يحكمها تصوّر فنّي جيّد، رغم ارتكازه على سيناريو ذكي وطموح للفقيد محمد عريوس، يزاوج بين واقعية إعادة خلق ماضي زاكورة إبان الاستعمار، وجمالية تحقيقٍ في ماضي ضابط سابق في الجيش الفرنسي، وارتباطه بجريمة قتل غامضة. هذه لم تجد في إخراج منخار، أجواء وإيقاعاً، وسيلةً لدعم صدقيّتها، وخلق اندماج المَشاهد في رهاناتها، بينما كان الأداء الكارثي لكريم السعيدي (لو كانت هناك جائزة لأسوأ أداءٍ لنالها بجدارة)، في دور مهدي، بتصنّعه ومبالغته، أبرز نقاط ضعف الفيلم.

 

هشاشة وارتباكات

أفلامٌ أخرى أبانت عن هشاشةٍ سردية، وعدم توفّق في الرؤى الجمالية، رغم النوايا الطموحة لأصحابها، كـ"مرجانة" لجمال السويسي، الذي لم ينفذ إلى عمق إحساس بطلته بالاغتراب، حياتياً وفنّاً، وهي فنّانة أوبرا وأم مستقبلية عزباء، بسبب شخصيات يعوزها العمق، وحبكته تدور في حلقة شبه مفرغة، رغم استدعائه مرجعية الأوبرا، واستعانته بموسيقى كمال كمال.

"أناطو" لفاطمة بوبكدي ـ عن فتاة فرنسية سنغالية يجمعها زواج متعة بتاجر، فيصطحبها معه من سان لويس إلى المغرب، في أجواء مطبوعة بثقافة العبودية في مطلع القرن الـ20، فتكابد العنصرية والاضطهاد ـ اتّسم بالبرهانية في النوايا، وبحبكة متوقّعة لم تسعف جهود الديكور وتصميم الأزياء، وفقّاعة الأداء المنزاح للكبير صلاح الدين بنموسى في محو أثرها.

أما "سبزيرو"، لمحمد الأمين المعتصم بالله، فأغرب ما عُرض في المسابقة الرسمية، إذْ بدا مُتكوّناً من فيلمين: أحدهما مُرتبك ومُنجز باستعجال، مع كاستينغ سيئ، وتعليق صوتي مُحكم، ما دفع بأغلب الحاضرين إلى مغادرة القاعة؛ والآخر باطنيّ ومُثير للاهتمام بقتامته، يروي حكاية مُحقّق بوليسيّ يتآكله الاغتراب، وينظر إلى نفسه في مرآة قرصان، يبثّ الرعب من سراديب الـ"ويب" المظلم. تقديم المنتج يونس آيت الله الفيلم، في غياب المخرج، بدعوى خلاف بينهما، يُخفي أكثر مما يفصح، ويترك انطباعاً حزيناً عن فيلم مغربي آخر، سقط ضحية حسابات إنتاجية ضيقة.

من جهته، ترك "جبل موسى"، للقيدوم إدريس المريني، انطباعاً جيداً (ربما يستحقّ مكانة أفضل في لائحة المكافَئين من جائزة وحيدة لأفضل ممثل) يتأتّى أولاً من سخاء ممثليه يونس بواب وعبد النبي البنيوي، ومن الشعور الإيجابي الذي عادةً ما يتركه نوع أفلام نشوء الصداقة في نفوس المشاهدين، حيث ينبري ـ في سيناريو مُقتبس عن رواية عبد الرحيم بهير بالعنوان نفسه ـ إلى ظروف التقارب بين حكيم شاب، يعيش عزلةً مضاعفةً عن العالم بحبسة الكرسي المتحرّك وحبسة النطق (فقدان القدرة على الكلام)، ومروان الذي عُيّن حديثاً أستاذاً، واستأجر شقةً عند عائلة حكيم. فيلمٌ تميّز بجرأة كبيرة في الحوار المناوئ لدوغما التديّن، وتذبذب في معالجته ورؤيته الإخراجية بين مَشاهد قوية (استيهام مروان غير المتوقّع في قمة الجبل)، وأخرى يعوزها التسامي (الصعود إلى الجبل)، وزاوج بين شخصيات ثانوية مقنعة وأخرى كانت تستلزم رهافةً أكبر في الكتابة والحوار، أبرزها فقيه الجامع.

جاءت قرارات لجنة تحكيم الفيلم الروائي الطويل، برئاسة إدريس أنور، منصفةً في معظمها، رغم اختلافات في أوجه النظر بين أعضائها، انعكست بانسحاب عضوين لم يحضرا حفل الاختتام، هما لحسن زينون وبشرى بولويز: الجائزة الكبرى لـ"زنقة كونتاكت" لإسماعيل العراقي، التي فازت فاطمة عاطف بجائزة ثاني دور نسائي عن دورها فيه؛ وجائزة لجنة التحكيم مناصفة بين "لو كان يطيحو لحيوط" لحكيم بلعباس، مع جائزة النقد أيضاً، و"ميكا" لإسماعيل فروخي، وجائزة ثاني دور رجالي لعز العرب الكغاط عن دوره فيه. ونال نبيل عيوش جائزة أفضل إخراج عن "علّي صوتك". كلّها أفلام جيّدة إجمالاً. أما جائزة الإنتاج، فكانت لـ"السلعة" لمحمد نصرات، وجائزة السيناريو لمحمد لمويسي وعبد السلام الكلاعي عن "أسماك حمراء" للكلاعي، التي فازت جليلة التلمسي بجائزة أفضل أول دور نسائي عن دورها فيه، وجائزة الموسيقى الأصلية لإدريس المالومي، عن "فاطمة، السلطانة التي لا تُنسى" للتازي، وجائزة الصورة لعلي بنجلون عن "حبيبة" لوالده حسن بنجلون، وجائزة الصوت لحمزة فاكر عن "أناطو" لبوبكدي. أما جائزة أول دور رجالي، فكانت ليونس بواب عن "جبل موسى" لإدريس المريني. جائزة العمل الأول مناصفة بين "جرادة مالحة" لادريس الروخ و"بين الأمواج" للهادي أولاد محند، الفائز بجائزة "الجامعة الوطنية للأندية السينمائية" أيضاً.

 

 

وثائقيات

من جهتها، اتسمت "مسابقة الفيلم الوثائقي"، التي انعقدت في قاعة "ميغاراما غويا"، بمنافسة شديدة بين أفلامٍ ذات مستوى جيد، كـ"زيارة" لسيمون بيتون، و"في المنزل" لكريمة السعيدي، و"لمْعَلْقات" لمريم عدّو، المُنجز بتمعّن وحساسية رؤية، عن قضية النساء اللواتي يتخلّى عنهنّ أزواجهنّ، من دون أن يعلنوا عن وجهتهم، فيبقين مُعلّقات، لا هنّ زوجات ولا هنّ مُطلّقات، بل فرائس لديكتاتورية العابر والموسمي، ومستقبلٍ ضبابي. بينما شكلّ "صرّة الصيف"، لسالم بلال، مفاجأةً سارّة، اتسمت براديكالية شكلية، مبنيّة على التأمّل والمَشاهد الطويلة، إذْ تفادى المخرج وضع فضاء الصحراء في قالب فولكلوري، أو أي توظيفٍ مسكوكٍ للثقافة الحسانية، يُعيد إنتاج الكليشيهات المنتشرة حولها. بدلاً من ذلك، نتشرّب إيقاع المفازة، بفضل حبكة مينمالية، وفي صحبة شخصيات ذات عمق، نمرّ من إحداها إلى الأخرى بانتقالات سلسة، تحاكي تمرير المشاهد، رغم هشاشة نهايته.

خيبة الأمل جاءت من "في زاوية أمي" لأسماء المدير، الذي خلق ترقّباً كبيراً بعد تتويجه في مهرجانات سابقة. اعتمد على تعليق مناورٍ ومُتلاعبٍ، يقتحم ذاتيّتنا ما إن نسعى إلى صنع فيلمنا الخاص، ويُقدّم باستسهالٍ طرحَه بدل تقطيره من الانصهار في إيقاع عيش الشخصيات، "مستنطقاً" هذه الأخيرة بأسلوب مباشر، يُحاكي جمالية الـ"فلوغز"، عوض أنْ يُنطق تفاصيل حياتها. هكذا، لا يضع الفيلم الشخصيات في مقدّمة الصورة، سوى لاستخدامها لتمرير طرح جاهزٍ، صانعاً منها كائنات جوفاء.

نتائج لجنة التحكيم، برئاسة داود أولاد السيد، مُجحفة، إلى درجةٍ يُمكن وصفها بفضيحةٍ، استنكرها أغلب المراقبين، المتسائلين عن مدى نزاهة اللجنة وحيادها وكفاءتِها، حين تجاهلت كلّ الاقتراحات السينمائية القويّة المذكورة أعلاه، مُكتفيةً بتنويهين غير بريئين لـ"لمْعَلْقات" و"لعزيب" لجواد بابيلي، الذي خلّف بدوره أصداءً جيّدة بين المهرجانيّين، ومانحةً جائزتها الكبرى لفيلم متوسط المستوى، يرتكز على ثيمة التمدرس، ولا يُقدّم أي معالجةٍ فنية خلّاقة، أو يستثمر سُمْكاً سردياً وجمالياً، يسمح له بخلق شخصيات عميقة ومؤثّرة: "مدرسة الأمل" لمحمد العبودي.

فيما ذهبت جائزة لجنة التحكيم مناصفة لريبورتاج تلفزيوني طويل، عن علاقة أربع شخصيات مع السينما الهندية: "بوليود المغرب" (بوليوود؟) لعبد الإله الجوهري، و"ماء العينين، الإمام المجاهد والعالم الرّباني" لعز العرب العلوي. جائزة النقد للفيلم الوثائقي لـ"لمْعَلْقات"، وجائزة "الجامعة الوطنية للأندية السينمائية" لـ"مدرسة الأمل".

المساهمون