ترهيب الصحافيين في لبنان: منظمة العفو الدولية توثق انتهاكات خطيرة

03 يوليو 2023
طاولت الاستدعاءات القضائية عشرات الصحافيين (حسين بيضون)
+ الخط -

ترتفع في الآونة الأخيرة وتيرة استهداف السلطات اللبنانية للصحافيين عبر استدعاءات غير قانونية أمام أجهزة أمنية، في محاولة لفرض منطق الترهيب والردع والتضييق على حرية التعبير والرأي المعارض للمنظومة الحاكمة بالدرجة الأولى.

ووثقت نقابات وتجمّعات ومنظمات محلية ودولية عشرات الاستدعاءات التي طاولت صحافيين لبنانيين من جانب مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية وحماية الملكية الفكرية، بشكل يتعارض مع قانون المطبوعات الذي يشترط مثول الصحافي أمام قاضي التحقيق أو محكمة المطبوعات التي تبقيه بمنأى عن التوقيف أو السجن.

وتقول الناطقة باسم منظمة العفو الدولية، رينا وهبي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "المنظمة توثق الاستغلال المستمر لمواد القدح والذم والتشهير المدرجة في قانون العقوبات، وخصوصاً من قبل الشخصيات ذات النفوذ، ومنها الدينية والسياسية والقضائية، لمضايقة الناشطين والصحافيين وإسكات انتقاداتهم، ولا سيما من خلال استدعائهم من قبل الأجهزة الأمنية المختلفة للتحقيق، وفي ذلك تجاوز لقانون المطبوعات اللبناني نفسه الذي يشترط مثول الصحافي أمام قاضي التحقيق أو محكمة المطبوعات".

وتلفت وهبي إلى أنّ "هذه الاستدعاءات غير القانونية وإصرار السلطات على استخدامها يهدفان إلى ترهيب الصحافيين بشكل أساسي والضغط عليهم في محاولات متكررة لردعهم عن التطرق إلى مواد وملفات ومواضيع تضايق أيّاً من مكونات السلطة"، مشيرةً إلى أنّ ذلك يؤدّي إلى "خلق بيئة معادية لحرية التعبير وترسيخ ثقافة الإفلات من العقاب".

وتضيف أن "قوانين القدح والذم، والازدراء، والسباب، والتجديف، والتحريض، في القانون اللبناني غير واضحة وغامضة ومفرطة في عموميتها، ما يجعلها سلاحاً مفضلاً في أيدي السلطات ضد الصحافيين والمنتقدين".

وتذكر وهبي بأنّ "هذه القوانين، ومنها قانون المطبوعات، لا تستوفي المعايير الدولية وتقيّد بلا داعٍ حق الناس في ممارسة حريتهم في التعبير. تعود مسألة البت بقضايا التعبير للتقاضي المدني وليس الجزائي بحسب المعايير الدولية، وهذا يعني أنه إذا أراد المسؤولون الرسميون الحصول على سبيل انتصاف في قضايا تتعلق بالقدح والذم، عليهم أن يفعلوا ذلك في محكمة مدنية، ولا يجوز أن يحصلوا على أي مساعدة أو مساندة من الدولة في هذه الدعوى (...) حتى التعبير الذي ينطوي على خطر أن يكون صادماً أو مسيئاً أو مزعجاً يعتبر مكفولاً في القانون الدولي، ولا سيما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية".

وتشير إلى أنّ "مراقبة السلطات العامة وانتقادها ومحاسبتها وفضح ممارساتها غير القانونية، من صلب العمل الصحافي. إلا أنه بدلاً من حماية الصحافيين ودورهم الأساسي في تنوير الرأي العام، ما زلنا نرى الشخصيات ذات النفوذ تعمل جاهدة للتضييق عليهم وإسكاتهم، ولا سيما من خلال الاستدعاءات المخالفة للأصول القانونية"، لافتةً إلى أنّ "من شأن اللجوء لهذه الممارسات والقوانين الفضفاضة والمبهمة أن يخلق مناخاً من الخوف ويشكل تأثيراً مثبطاً على حرية التعبير وحرية الصحافة، وقد يدفع الكثيرين إلى ممارسة الرقابة الذاتية في وقت لبنان بأمسّ الحاجة إلى أصوات تسعى للمساءلة وتطالب بالمحاسبة".

كذلك، تلفت إلى أنّنا "لم نشهد لنقابة الصحافة دوراً ناشطاً في الدفاع عن الصحافيين، وخصوصاً في وجه استدعائهم من قبل الأجهزة الأمنية والإجراءات غير القانونية بحقهم. ولكن برز تجمع نقابة الصحافة البديلة الذي أسسه صحافيون وصحافيات اعتبروا أن نقابتي الصحافة والمحررين لا تمثلانهم، في توثيق الانتهاكات وتقديم مختلف أنواع الدعم للصحافيين".

وتضيف وهبي: "تنشط المنظمات الحقوقية الدولية والمحلية، ولا سيما تحالف حرية الرأي والتعبير الذي يضم منظمتنا والعديد من المنظمات الأخرى، في توثيق وتسجيل هذه الانتهاكات. كما أنّها تشكّل شبكة دعم للناشطين والصحافيين، ولها أثر محوري في مساندتهم، ونجحت في أحيانٍ كثيرة في تحريك الرأي العام ودفع المشتكين للتنازل عن شكاواهم المخالفة للأصول".

إعلام وحريات
التحديثات الحية

من جهته، يقول نقيب محرري الصحافة اللبنانية، جوزف القصيفي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "النقابة أوّل من تصدّى لهذه الاستدعاءات، وخصوصاً بعدما كثرت الملاحقات في حق الصحافيين والإعلاميين، وأصدرت قراراً حاسماً بألّا يمثل أيّ صحافي، سواء كان مسجّلاً في الجدول النقابي أو لا، أمام مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية، أو المحاكم الجنائية أو النيابة العامة التمييزية".

ويشير القصيفي إلى أنّ "أي مواطن له الحق بمراجعة القضاء اللبناني في أي قضية نشر، لكن هذه المراجعة لا يمكن أن تكون إلا أمام محكمة المطبوعات، ولا سيما بعد التعديلات الجوهرية التي طرأت على متن قانون المطبوعات عام 1994، وطاولت أحكاماً قضت بإلغاء العقوبات السالبة للحرية مثل حبس الصحافي، واستبدال هذه العقوبة بالغرامة المالية، وكذلك منع التوقيف الاحتياطي وتعطيل الصحيفة، وأن تكون محكمة المطبوعات هي الفيصل في أي قضية نشر".

وفي ظل إصرار بعض القضاة على إحالة الصحافيين على مكتب جرائم المعلوماتية، يقول القصيفي إنّ "تعدد التشريعات يسمح للمحامين والقضاة بأن يلتفوا على قانون المطبوعات ويذهبوا صوب اجتهادات غير منطقية وثغر تعطي الذرائع للجوء إلى قانون العقوبات واستدعاء الصحافيين أمام مكتب جرائم المعلوماتية".

ويردّ النقيب ذلك إلى "عجز الدولة ومجلس النواب عن وضع قانون موحّد للإعلام تُحدَّد فيه المرجعية القضائية وأصول المحاكمات وما هو مسموح وغير مسموح، كما هو حال بلدان العالم المتقدمة". ويقترح "إلغاء محكمة المطبوعات واستبدالها بهيئة وطنية تتألف من قاضٍ كبير وممثلين عن أصحاب الصحف ونقابة المحررين ووزارة العدل، لوضع مدونة سلوك تحدد المسموح والممنوع ودرجات العقوبة".

من جهته، يقول المسؤول الإعلامي في مركز الدفاع عن الحريات الإعلامية والثقافية (سكايز)، جاد شحرور، لـ"العربي الجديد"، إنّه يمكن قراءة المشهد على أكثر من مستوى، "بداية، إن المادة التي تنص على القدح والذم في نصّ العقوبات فضفاضة ولغتها قديمة وتحتاج إلى تعديل، ونحن هنا لا نطالب بإلغائها، بل بإعادة تعريفها لمنع استخدامها بطريقة خاطئة، كما يحصل مع الزملاء".

يضيف شحرور: "القانون يوظف عند الأحزاب ليُستخدم ضد الصحافيين، وهناك أرقام مخيفة لعدد الانتهاكات التي وثقت في عهد الرئيس السابق ميشال عون وتستمرّ حتى اليوم، وصلت إلى حدّ صدور قرارات بسجن صحافيين، وإن لم تُنفّذ، فهذا مؤشر خطير جداً ويحتم الدعوة إلى تعديل قانون الإعلام".

ويشير إلى أنه على المستوى الثالث، يجب "توعية الرأي العام أنّ حق امتلاك المعلومات متاح للجميع، والدفاع عن عمل الصحافيين ليس معركة مهنية لهم فقط، بل معركة لكل مواطن يريد أن يحصل على المعلومة، فهذا أبسط حقوقه في المعرفة والانتقاد والمحاسبة عبر الإعلام".

على المقلب نفسه، يقول المحامي علي عباس لـ"العربي الجديد" إنّ "الاستدعاءات التي تحصل اليوم هي ضرب للأسباب الموجبة لقانون المطبوعات، والتي تهدف بالدرجة الأولى إلى المحافظة على مهنة الصحافة وحريتها ومواجهة كمّ الأفواه، ووضع آلية تراعي وضعية الصحافي وطبيعة عمله، ومحاكمته بالطرق المدنية لا الجزائية، فنحن لا نقول إن الصحافي لا يخطئ أو لا يجوز الادعاء عليه بالقدح والذم والمطالبة بعطل وضرر، ولكن بالطرق والأصول القانونية وأمام محكمة المطبوعات المرجع المختص".

ويشير عباس إلى أنّه "بدل التوسّع بقانون المطبوعات ليشمل الإعلام بمعناه الواسع ويضم المواقع الإلكترونية والصحافة البديلة التي أصبحت بمكان ما مصدراً للصحافة الأساسية، يتم إسكات الصحافيين وكمّ أفواههم وإحالتهم أمام أجهزة أمنية ومراجع غير مختصة".

ويتوقف عباس عند خطورة استدعاء الصحافيين أمام مكتب جرائم المعلوماتية، ليس فقط بسبب "آليات العقوبة التي تختلف عن محكمة المطبوعات، سواء التوقيف أو الحبس"، بل بسبب "التهديد لإجبار الصحافي على إزالة المنشور تحت خطر التوقيف".

تبعاً لذلك، يرى عباس أنّ "كل ما يحصل يقودنا إلى زمن الدولة البوليسية، التي تبدأ بإسكات الإعلام والناشطين والمحامين وكل من يعمل بالشأن العام ويتابع قضايا فساد وملفات ذات حساسية، كما تقوم هذه الدولة على فرض مبدأ أن الفاسد أقوى من فاضحه"، مشدداً على "ضرورة خوض معركة المواجهة" وعلى "رفض كل الصحافيين المثول أمام أي جهاز أو مكتب أو مرجع باستثناء محكمة المطبوعات".

المساهمون