على الرغم من إعلان جمهورية تركمنستان السوفييتية السابقة في آسيا الوسطى عن خطط طموحة لرقمنة البلاد والاقتصاد، إلا أن تسريبات إعلامية تكشف أن الأمور تسير في الاتجاه المعاكس وقد تصل إلى فصل شبكة الإنترنت بشكل شبه كامل عن السكان.
وذكرت صحيفة نيزافيسيمايا غازيتا الروسية في عددها الصادر اليوم الثلاثاء، أن تركمنستان تنظر في آلية فصل الإنترنت بشكل كامل عن السكان، على أن يقتصر التصفح على التراسل الفوري والمواقع المحلية.
وعلم مصدر الصحيفة أن الشبكة العالمية ستُفتَح أمام الهيئات الحكومية والمؤسسات التجارية ذات الصلة بالسلطة بمبدأ "الاستخدام الوظيفي"، بينما تؤكد السلطة في عشق آباد أنها تعتني بهذه الطريقة بأمن البلاد وحمايتها من التأثير الخارجي "الهدام".
وكشفت "نيزافيسيمايا غازيتا" أن المعدات الخاصة التي تم شراؤها للتحليل العميق لحركة مرور الإنترنت (الترافيك) وخفض ترتيب المواقع في نتائج محركات البحث والفصل القطاعي أو الكامل للإنترنت، سيتم تركيبها وتشغيلها قريباً.
وتعليقاً على هذه الأنباء، لا يستبعد رئيس تحرير موقع "توركمان نيوز"، رسلان مياتييف، أن تكون خطط فصل سكان تركمنستان عن الإنترنت واقعية في ظل توجه السلطات المحلية في الآونة الأخيرة نحو حجب شبكات فرعية كاملة لبروتوكولات الإنترنت IP، مُرجعاً هذا الوضع إلى تحكم الحرس القديم والدولة العميقة في أمور البلاد.
ويقول مياتييف في اتصال مع "العربي الجديد" من العاصمة الهولندية أمستردام التي يقيم بها: "في الآونة الأخيرة لم يعد الحجب يقتصر على مواقع بعينها، بل بات يشمل شبكات فرعية كاملة لبروتوكولات الإنترنت. لم يصل الأمر إلى قطع الإنترنت عن السكان بشكل كامل بعد، ولكن هذا الاحتمال بات وارداً في ظل التوجه السائد، وليس من المستبعد أن يقتصر استخدام الإنترنت في تركمنستان على أهداف وظيفية".
ويحذّر من التداعيات الكارثية لقطع الإنترنت على الاقتصاد، مضيفاً: "سيفرمل قطع الإنترنت التنمية والاقتصاد وسيؤثر حتى على المشاريع الصغيرة مثل صالونات التجميل وتزيين الشعر. كما تعاني الجهات الحكومية نفسها والقطاع المصرفي بالفعل من القيود على الإنترنت".
ويلفت إلى صعوبة الالتفاف على حجب المواقع في تركمنستان، قائلاً: "على عكس روسيا التي يمكن فيها تصفح أي مواقع محجوبة بواسطة الشبكات الافتراضية الخاصة VPN، فإن هذه الشبكات لا تعمل في تركمنستان، وحُجب موقع "يوتيوب" بشكل كامل، وكذلك الشبكات الفرعية للشركات الكبرى مثل "غوغل" و"مايكروسوفت" و"أمازون"، فبات الالتفاف على الحجب أصعب حتى مقارنة مع الصين".
ومن اللافت أن التوجه نحو تشديد القبضة على الإنترنت يأتي بعد سنوات معدودة على بدء إصلاحات واسعة النطاق في مجال رقمنة البلاد في عام 2019 على أيدي الرئيس السابق، قوربان قولي بردي محمدوف، حين كان نجله، سردار، يشغل منصب نائب رئيس الوزراء، متولياً المسؤولية عن دمج الرقمنة في منظومة إدارة الدولة.
وبحسب رؤية التنمية، كان من المقرر أن تنتقل تركمنستان إلى الاقتصاد الرقمي بشكل كامل بحلول عام 2025، على أن تعمل "الحكومة الإلكترونية في البلاد" في عام 2023. لكن يبدو أن هذه الخطط لن تتحقق، إذ توجه سردار بردي محمدوف الذي تولى رئاسة البلاد في مارس/آذار الماضي، نحو عزل البلاد بشكل كامل، على ما يبدو.
وحول رؤيته لأسباب تراجع بردي محمدوف (الابن) عن الإصلاحات، يتابع مياتييف: "كانت هناك آمال في أن الرئيس الشاب الذي درس في الخارج سيكون إصلاحياً، ولكنه يبدو أن فريق والده من الحرس القديم والدولة العميقة هو الذي يتحكم في الأمور، ومن الواضح أن سردار لم يصبح زعيماً بعد".
تركمنستان في سطور
تبلغ مساحة تركمنستان نحو نصف مليون كيلومتر مربع، إلا أن سكانها البالغ عددهم أكثر من ستة ملايين نسمة، تركزوا منذ قديم الزمان بالواحات على الحدود مع إيران، حيث تقع العاصمة الحالية عشق آباد، بالإضافة إلى وادي نهر جيحون شرق البلاد، بينما تغطي صحراء كاراكوم معظم أراضيها.
بعد غزوها عام 1881، باتت هذه الأراضي جزءاً من الإمبراطورية الروسية. ومع قيام الاتحاد السوفييتي، أطلق عليها اسم الجمهورية التركمانية الاشتراكية السوفييتية، قبل أن تنال استقلالها مع تفكك الاتحاد عام 1991 من دون أن يزيدها ذلك انفتاحاً على أرض الواقع.
ولا تزال تركمنستان واحدة من أكثر بلدان العالم انغلاقاً على نفسها، وتُعرف بمنع الأجانب من زيارتها إلا بموجب دعوة من شخصية طبيعية أو اعتبارية تركمانية، والرقابة القوية على الإنترنت، ليصل الأمر إلى تشبيهها بكوريا الشمالية في أحيان كثيرة.