- تأجيل الوقفة الاحتجاجية يأتي في خضم أزمة اقتصادية بمصر، مع تحرير سعر صرف الجنيه وفقدان ثلث قيمته أمام الدولار، في محاولة لتحسين الوضع الاقتصادي عبر اتفاق مع صندوق النقد الدولي.
- المشاركون يرفعون شعارات مناهضة لاتفاقية كامب ديفيد والتعاملات الاقتصادية مع إسرائيل، معبرين عن تضامنهم مع الفلسطينيين ودعوات لمقاطعة السعودية والإمارات، في ظل ضغوط أمنية واتهامات للنظام بالتنكيل بالمعارضين منذ 2014.
بعد انتهاء الوقفة التضامنية الأسبوعية مع الفلسطينيين التي نظّمها ناشطون سياسيون الأربعاء على درج نقابة الصحافيين المصريين في القاهرة، ألقت قوات الأمن القبض على عدة مشاركين بعد انتهائها وتوجههم إلى منازلهم، وبينهم محمد عواد ومصطفى أحمد وأحمد صبحي وعبد الكريم مجدي وممدوح نوّار. وقد ظهروا مساء الخميس أمام نيابة أمن الدولة.
وألقي القبض على هؤلاء بعدما فشلت محاولات الأمن لإلغاء الوقفة التي شهدت هتافات مناصرة للفلسطينيين في غزّة ومنتقدة لموقف النظام المصري من العدوان الإسرائيلي المتواصل على القطاع منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وفق ما كشفت مصادر سياسية وصحافية لـ"العربي الجديد".
وأفادت المصادر، التي طلبت عدم الكشف عن هويتها، بأنه جرى الاتفاق على تأجيل الوقفة الاحتجاجية التي كانت مقرّرة كل ثلاثاء من الأسبوع إلى الأربعاء، بعد وصول "تهديدات" أمنية إلى قيادات داخل نقابة الصحافيين المصريين، لأن الوقفة كانت ستتزامن مع حفل تنصيب الرئيس عبد الفتاح السيسي لولاية رئاسية ثالثة.
وكان السيسي أدّى اليمين الدستورية لولاية جديدة أمام مجلس النواب في مقرّه الجديد في العاصمة الادارية شرق القاهرة، لتبدأ الأربعاء فترة رئاسية ثالثة مدتها ست سنوات. وجاء أداء قسم اليمين فيما تواجه مصر التي يناهز عدد سكانها 106 ملايين يعيش ثلثهم تحت خطّ الفقر إحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية في تاريخها. والشهر الماضي اتخذ البنك المركزي المصري قراراً بتحرير سعر صرف الجنيه، ليفقد ثلث قيمته أمام العملة الأميركية، وهو ما ساعد الحكومة المصرية على عقد اتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي لزيادة حجم القرض الأخير من ثلاثة مليارات دولار إلى ثمانية، في محاولة لجمع حصيلة من النقد الأجنبي. وعلى المستوى الحقوقي، يواجه نظام السيسي في مصر اتهامات بالتنكيل بمعارضين وناشطين في مجال حقوق الإنسان منذ تولّيه الحكم في 2014.
ورفع المشاركون في الوقفة كالعادة رغيف الخبز الحافي، وأعلاماً كتب عليها "تسقط كامب ديفيد"، في إشارة إلى الاتفاقية المصرية الإسرائيلية، ولافتات كتب عليها "العرجاني وهلا كمان أنتم عملاء الكيان" و"بكرة القايمة السودا هتنزل والعرجاني هيتحاسب كمان"، في إشارة إلى رجل الأعمال المقرّب من أجهزة الأمن إبراهيم العرجاني وشركته "هلا" التي تتولى تنظيم دخول القادمين من قطاع غزّة إلى مصر، بعد التنسيق مع السلطة الفلسطينية وسلطة الاحتلال الإسرائيلي، مقابل دفع مبالغ تصل إلى سبعة آلاف دولار للفرد. كما هتف المتظاهرون: "ألف تحية وألف سلام من القاهرة إلى عمّان" حيث تشهد العاصمة الأردنية احتجاجات أيضاً مناصرة للفلسطينيين في غزة، و"السعودية والإمارات... قاطع" و"ياللي ناسي إحنا مين إحنا جيل 25"، في إشارة لثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني 2011. كما هتف المتظاهرون: "يا دي الذل ويا دي العار بلدي مشاركة في الحصار" و"أوعى يا مصري تخون أفكارك، كامب ديفيد عاري وعارك".
وعلمت "العربي الجديد" أن نقيب الصحافيين المصريين خالد البلشي تعرض لضغوط شديدة من الأجهزة الأمنية، لإلغاء الوقفات التضامنية مع فلسطينيي غزة، والتي بدأت بمشاركة شخصيات سياسية قليلة العدد، مثل الرئيس الأسبق لحزب الكرامة حمدين صباحي وعبد الجليل مصطفى والمعتقل السابق أحمد دومة، ثم بدأت تتزايد وتشهد مشاركة ناشطين وصحافيين ومواطنين عاديين، وهو ما أثار حفيظة الأمن. ويحمل درج مبنى نقابة الصحافيين المصريين وسط القاهرة دلالات رمزية، حيث شهد ميلاد حركة كفاية عام 2004 والتي تطورت حتى الثورة على الرئيس حسني مبارك عام 2011.
وقالت الكاتبة والصحافية نور الهدى زكي، وهي صاحبة فكرة الوقفة الأسبوعية لمناصرة غزّة، لـ"العربي الجديد"، إن "هناك تحريضاً واستهدافاً لقيادة النقابة المتمثلة في الزميل خالد البلشي، لأنه استطاع أن يوجد المعادلة الصحيحة والسليمة لتحقيق الطموح المهني والنقابي لنقابة الصحافيين المصريين، ولم يتنازل، وحافظ على توازن ما بين النقابي والوطني، لأن نقابتنا نقابة حرية الرأي والتعبير". وأضافت: "الصحافي يجب أن يكون لسان حال مجتمعه والمقاصد والأهداف العليا لوطنه، والزميل خالد البلشي استطاع أن يحافظ على هذا التوازن، وأن يكون نقيباً لكل الصحافيين وليس لفئة واحدة منهم، أما الاستهداف والتحريض عليه فهذا وارد جداً لأن هناك داخل الجماعة الصحافية صحافيين بدرجة مخبرين لدى الأمن، وخاصة أننا في ظروف اقتصادية واجتماعية تظهر أسوأ ما في البشر، وللأسف كل الأقنعة زالت".
وأشارت إلى البيان الذي أصدره العضوان في مجلس نقابة الصحافيين، أيمن عبد المجيد وحسين الزناتي، المعروفان بعلاقاتهما القوية بالأجهزة الأمنية، ووصفته بأنه "تحريضي، ويستهدف النقيب والنقابة". وقد طالب بيانهما، مساء الأربعاء، بوضع "ضوابط" لتنظيم أي وقفات على سلم النقابة، وحذّرا من "اختطاف شخصيات تطلق على نفسها نشطاء للفعاليات، وتصدير مقاطع معادية للدولة على مواقع التواصل تلتقطها وسائل إعلام معادية للوطن لتسويقها على أنها موقف الصحافيين المصريين، وهو ما نرفضه رفضاً قاطعاً لما يمثله من إساءة للوطن والجمعية العمومية، ويهدد تماسكها وما يتحقّق من إصلاحات" على حد وصفهما.
ورأت زكي أن "الوقفة التضامنية الأربعاء واضحة الدلالة، وكانت تضم كل الاتجاهات الفكرية، وتخلص فيها الناس من الأيديولوجيا والسياسة، واجتمعوا على إسناد ودعم الغضب من أجل فلسطين ومن أجل غزة الأبية، ومن أجل صد العدوان البربري وحرب الإبادة التي تمارس على غزّة". وقالت: "لكني حزينة جداً على النهاية التي وصلت إليها الوقفة، وكنت آمل في أن تكون هناك انفراجة يستطيع الناس فيها أن يعبروا عن غضبهم بحرية، لكن من الواضح أن النظام السياسي في مصر يرفض حتى هذه الانفراجة، ويصر على مواصلة دوره القمعي ضد المواطنين المصريين الذين يرون غير ما يراه".
وأضافت: "من المفارقات أن ما حدث يأتي في اليوم التالي لتنصيب الرئيس، وقد تنازلنا بناء على نصائح كثيرة وتهديدات أيضاً، وجعلنا وقفتنا الأربعاء، وليس الثلاثاء كما كان مقرراً لها، للحفاظ على استمراريتها خلال شهر رمضان، ولكن حتى ذلك لم يأت بمقابل، بل العكس إذ كان مقابل هذا التنازل استهداف عدد من الشباب المشاركين، ولا أحد يعلم ما مدى القمع الذي يمارس عليهم الآن، ولا أعرف أيضاً ما إذا كانت هذه الوقفات ستتوقف الوقفات أم ستستمر".
وقال الرئيس السابق لحزب الدستور، علاء الخيام، لـ"العربي الجديد": "تابعت الوقفة التضامنية مع القضية الفلسطينية، على مدار الأسابيع الماضية، وأشكر كل من شارك فيها"، وأضاف أن "البيان الذي صدر من عضوين في مجلس النقابة لا يمكن أن يكون معبّراً عن النقابة ولا تاريخها العظيم في الحرّيات، فقد شهدت فعاليات عديدة ضد كل أنواع الفساد السياسي على مدى عقود طويلة، وما زالت صور تظاهرات حركة كفاية أثناء حكم مبارك موجودة وشاهدة على هذا، وكذلك تظاهرات التضامن مع خالد سعيد، وسكان الدويقة، وحريق قطار الصعيد، وتيران وصنافير...". وأكد أن نقابة الصحافيين المصريين "أصبحت لها رمزية وطنية وتاريخية يجب الفخر بها (...) وأتمنى من باقي النقابات أن تتخذ منها مثالاً يحتذى به، وخاصة جارتها نقابة المحامين".