تاريخ فيروس كورونا... أكثر من 25 ألف عام على البداية

18 يوليو 2021
تمكن العلماء من تتبع نسخة "دلتا" المتحورة من فيروس كورونا الجديد خلال فترةٍ قصيرة (Getty)
+ الخط -

هاجمت الفيروسات التاجية (كورونا) البشر أكثر من مرةٍ من قبل، من السارس المتفشي في الصين عام 2002، إلى متلازمة الشرق الأوسط التنفسية التي تفشت بعد السارس بأربعة أعوام، وصولاً إلى كوفيد-19 الذي يهاجمنا اليوم.

وفقًا لدراسة نُشرت في مجلة Current Biology العلمية، وجد فريقٌ بحثي من أستراليا والولايات المتحدة، دليلاً على انتشار فيروس كورونا منذ أكثر من 25 ألف عام، من خلال تتبع البيانات الجينومية (Genomic tracing) إذ تحتوي الجينات البشرية على معلوماتٍ تطورية تعود إلى آلاف الأعوام. تساعد هذه المعلومات العلماء في التعرف على الفيروسات التي تعرض لها البشر قديماً. قام العلماء بدراسة الخصائصَ التطورية لمجموعةٍ من البيانات الجينومية لأكثر من 2500 شخص من 26 مجموعة سكانية مختلفة، وحددوا التفاعل المبكر للجينوم البشري مع فيروسات كورونا، التي تركت بصماتٍ وراثية على الحمض النووي لأشخاصٍ معاصرين في شرق آسيا.

تجعل بعض الطفرات العشوائية من حامليها أكثر عرضةً من غيرهم للإصابة بالفيروسات، أو ظهور أعراضها؛ فقد وجدت الدراسة الحديثة أنّ الأشخاص الذين يحملون مجموعة من الجينات الموروثة من إنسان نياندرتال، الذي عاش قبل 50 ألف عام، لديهم احتمالية أعلى للإصابة بأعراض حادة لفيروس كورونا، في حين أنّ بعض الطفرات تفعل العكس، فتحصِّن حامليها ضد المرض، أو تمنحهم قدرةً أعلى على تحمل أعراضه، كما أنَّ الأشخاص الذين يملكون هذه الطفرات، لديهم قابلية للتكاثر أكثر من غيرهم، وما يحدث على مدى عدة أجيالٍ قادمة، هو أنّ هذه الطفرات الجينية المفيدة ستزداد بوتيرةٍ أعلى من غيرها. وبحسب العلماء، فإنّه سيستغرق من 500 إلى ألف عامٍ حتى تظهر إشارةٌ تدل على "الخصائص التكيفية" في جينات البشر.

الأشخاص الذين يحملون مجموعة من الجينات الموروثة من إنسان نياندرتال، لديهم احتمالية أعلى للإصابة بأعراض حادة لفيروس كورونا

هناك المئات من الحالات التي سجلت حول العالم، تمتلك جينات تطورية ساعدتها في التغلب على وباء كورونا. افترضَ العلماء أنّه قد تكون للبشرِ تجارب قديمة مع فيروس كورونا، فقاموا بمسح الجينومات لآلاف الأشخاص من جميع أنحاء العالم، والمخزنة في قاعدة بيانات عالمية لتخزين المعلومات الجينية (1000 Genomes Project)، ووجدوا أنّ بعض الناس من شرق آسيا اليوم، لديهم طفراتٌ جينية ساعدتهم في التكيف مع فيروس كورونا الجديد، وورثوا هذه الجينات من أسلافهم الذين عاشوا قبل آلاف السنين. كما وجدوا هذه الطفرات الجينية المرتبطة بفيروس كورونا في مجموعاتٍ من شعوب شرق آسيا فقط، ولم يجدوها في أشخاصٍ من أماكن أخرى في العالم.

علوم وآثار
التحديثات الحية

بعدما لاحظ العلماء آثار التكيف في الجينومات التي فحصوها، تمكنوا من معرفةِ إلى أيّ مدى كان من الممكن للبشر قديماً التكيف مع فيروسات كورونا، ووجدوا أنّهم تعايشوا مع الفيروس على مدار 20 ألف عام. كما خلصت أبحاثهم إلى أنَّ كورونا توقف عن التطور منذ قرابة 5000 عام، ما يعني أنّه قد هاجم البشر منذ 25 ألف عام مضت. ولا يعدّ هذا أول دليلٍ على تعرض الإنسان للفيروسات التاجية قديماً فحسب، بل يوضح أيضاً المدة التي يمكنهم التكيف فيها مع الفيروس، كما وجدوا دليلاً على أنّ الفيروس المتورط في التفشي القديم، قد هاجم الخلايا بطريقةٍ مشابهةٍ لفيروس كورونا الحالي.

هناك المئات من الحالات التي سجلت حول العالم، تمتلك جينات تطورية ساعدتها في التغلب على كوفيد-19

يقول الطبيب ياسين صويلمي، أحد المشاركين في الدراسة: "لا يمكننا حقاً معرفة ما إذا كان هذا شيئاً دورياً يحدث كلّ شتاءٍ مثل الإنفلونزا، أو فيروسات مختلفة قليلاً تنتقل من الحيوانات إلى البشر بين 5 أعوام و10، كما حدث في العشرين عاماً الماضية مع الأنواعِ المختلفة لفيروسات كورونا". ويعتقد العلماء أنّ البشر قد يكونون تعرضوا لأكثر من نوعٍ من الفيروسات التاجية، واعتقادهم مدعومٌ بأبحاث علمية أخرى أظهرت أنَّ هذه العائلة الفيروسية التي ينتمي لها كورونا، عمرها قرابة 23 ألف عام.

تساعد معرفة الجينات التطورية، التي ساعدت في التكيف مع كورونا في الماضي، في معرفة كيفية الاستجابة للأوبئة في المستقبل، وتحديد الجينات المسؤولة عن الاستجابة لهذه الفيروسات، وكيفية انتشارها ومدة بقائها أيضاً، ما يساعد الباحثين أكثر في تطويرِ العقاقير واللقاحات المضادة للفيروسات. وبفضلِ التطور الكبير لعلم الجينات، تمكن العلماء من تتبع نسخة "دلتا" المتحورة من فيروس كورونا الجديد، خلال فترةٍ قصيرة، في حين كانت تستغرق وقتاً طويلاً قبل سنوات. وتكمُن قيمة علم الجينات في إمكانية تخزين البيانات الجينية ومقارنتها، ما يسهل اكتشاف الطفرات الجينية، إلى جانبِ اكتشاف الأمراض الفيروسية والاستجابة لها بشكلٍ مبكر.

تمكن العلماء من معرفةِ إلى أيّ مدى كان من الممكن للبشر قديماً التكيف مع فيروس كورونا، ووجدوا أنّهم تعايشوا مع الفيروس على مدار 20 ألف عام

واعتمدت مسحة الفم أو الأنف (PCR) في تشخيص المرض على التتبع الجيني، إذ يجري البحث عن جزءٍ صغير من المادة الوراثية للفيروس، ومعرفة ما إذا كانت البصمة الوراثية موجودة أم لا، ويتم إرسال البيانات الجينية المأخوذة إلى مراكز البيانات ليتم تخزينها، ومقارنتها في ما بعد بالبيانات الجينية الأخرى من أجل العثور على الطفرات. وهكذا بالضبط تم اكتشاف فيروس كورونا الجديد والنسخ المتحورة منه، وهكذا يجري اكتشاف أنواع الفيروسات الأخرى.

المساهمون