بين السينما والتلفزيون... اجتياح مفهوم الترفيه في العالم العربي

25 ديسمبر 2020
ازداد الإقبال على المنصات الرقمية منذ تفشي فيروس كورونا الجديد (Getty)
+ الخط -

تتّخذ العلاقة بين التلفزيون والسينما ملامح عدّة، تبدأ بمرحلة دعمٍ وإنتاج، وتنتهي بانتقاء وعرض. للأولى مكانتها وأهميّتها في دول عربيّة، تدعم فيها قنوات تلفزيونية أعمالاً سينمائية، شرط الحصول على جزءٍ من عائدات الفيلم، رغم ويلات هذه التجربة وخيباتها التي أنتجت أفلاماً باهتة، لا تُراعي خصوصيات الشاشة الكبيرة من حجم لقطات، وسلّم مَشاهد، وحبكة تخيلية مُغيّبة، تراهن على مفاهيم الفرجة والاستهلاك التي تطبع الوسيط التلفزيوني، فيُعوَّض التبصّر والحلم والتفكير والتخيّل بمفهوم الترفيه.

هكذا يغدو الفيلم السينمائي منتجاً بصريّاً عادياً، لا عملاً تخيلياً، ولا يختلف تلقيه عن البرامج والمسلسلات الدرامية. لذلك، اعتبر المُخرج الفرنسي جان ـ لوك غودار أنْ لا حياة للفيلم السينمائي خارج صالات السينما، فمُشاهدته على شاشة التلفزيون تجعل المرء يُشاهد نُسخة رديئة ومُجتثّة من جذورها الفنية. هذه عملية تنفي معها جماليّات الصورة والصوت.

رغم ذلك، يظلّ الإنتاج التلفزيوني لأفلامٍ سينمائية قليلاً، مع أنّه يحضر في المغرب مثلاً. فالأفلام التلفزيونية التي أنجزها مخرجون سينمائيون ناجحةُ، ما أتاح لهم بعض الراحة على مستوى الإنتاج، وما يرتبط به من إمكانيّات مادية وتقنية.

بعيداً عن المغرب، تزداد الهوّة بين التلفزيون والسينما، مع أنّ للتلفزيون، في هذا الزمن، أهمية بالغة ومركزية في حياة الناس، خصوصاً مع تفشّي وباء كورونا الذي جعل المُشاهدة فعلاً يومياً، وباتت الشاشة الكبيرة العالمية محتاجة بشدّة إلى هذا الوسيط البصري (التلفزيون) لمُواصلة المُشاهدة، وإلى منصّات رقمية أيضاً، استثمرت أموالاً ضخمة في شراء الأعمال السينمائية وعرضها.

تزداد الهوّة بين التلفزيون والسينما، مع أنّ للأول، في هذا الزمن، أهمية بالغة ومركزية في حياة الأشخاص

اعتقد عاملون كثيرون في الصناعة الثقافية والفنية أنّ العلاقة بدأت تتشابك وتتلاحم مُجدّداً. لكن، سرعان ما ندّد مخرجون بهذا الوسيط التلفزيوني "الهجين" في يوميات الحجر، معتبرين أنّ استعانة السينما بهذا الأخير لا تخرج عن سياق يوميات كورونا، ريثما تُفتَح الصالات السينمائية مُجدَّداً، فتعود الأمور إلى نصابها.

عن العلاقة المُتشظّية بين التلفزيون والسينما في العالم العربي، وعمّا إذا كان الأوّل قادراً على إنتاج أفلامٍ سينمائية جادّة، أم أنّه يبقى مجرّد وسيطٍ ترفيهي، تنعدم فيه شروط الحياة الفنية بالنسبة إلى الفيلم، تحدّث معنيون بالمسألة إلى "العربي الجديد".

المخرجة السوريّة سؤدد كعدان قالت إنّه "مع كورونا، أصبحت الحدود بين الشاشتين السينمائية والتلفزيونية محدودة جداً"، وإنّه "مع عدم القدرة على الذهاب إلى صالة سينما، أصبحت الشاشة التلفزيونية المحلية والمنصّات العالمية الصلة الوحيدة بين الفيلم والجمهور". وأشارت إلى أنّ هذا الأمر ربما يكون "فرصة جيّدة، خاصّة أنّ الـ(بلاتفورم) استعانت بأفلامٍ كثيرة من (سينما المؤلّف) في هذه الفترة، لتغذية مخزونها أمام الطلب الكبير المفاجئ على الأفلام، فأصبحت الأفلام فجأة موجّهة إلى الجمهور الكبير".

سؤدد كعدان:  الخطورة في أنْ تصبح المنصّات المكان الوحيد لعرض الأفلام، أو المصدر الأساسي للتمويل

وأضافت كعدان: "في هذه الفترة، عُرض عدد كبير من أفلام المهرجانات على هذه المنصّات، وهذا لصالح الأفلام العربية". مع ذلك، رأت كعدان أنّ الخطورة كامنةٌ في أنْ تصبح هذه المنصّات "المكان الوحيد لعرض الأفلام، أو المصدر الأساسي للتمويل". فبالنسبة إليها، "تختلف جماليات الفيلم ومتطلباته بين صالة سينما وشاشة صغيرة".

وأضافت: "تميل المنصّات إلى اللقطات المقرّبة التي تبدو أفضل في شاشات صغيرة، بالإضافة إلى تفضيلها الإيقاع السريع جداً. لأنّه يسهل الضغط على زرٍّ ما لتغيير الفيلم. في صالة السينما، المكان والزمان مختلفان، فزمن الفيلم مُسيطر بلا أي إلهاء أو مؤثّرات خارجية. الخارج يختفي في عتمة الصالة".

إنتاجياً، قالت كعدان إنّ التلفزيون ربما يساعد على إنتاج أفلامٍ سينمائية كثيرة "تكون مهمّة"، و"تختلف جمالياتها عن متطلّبات التلفزيون، كحال التلفزيونات الأوروبية. لكنّ عدد الأفلام في التلفزيونات العربية قليل جداً، مقارنه بالأفلام الباقية". واعتبرت أنّه "في حال لم يكن هناك جهد لجعل (كوتا) هذه الأفلام أكبر، ستستمر معاناة الأفلام العربية في البحث عن التمويل، مع الاختفاء التدريجي لمنح سينمائية كثيرة، أو لندرتها على الأقلّ".

من جهته، يفترض المخرج اللبناني جان رطل، بدايةً، أنّ "تكوين جزئية من الإجابة على سؤال كهذا، يُخرج من باطن الذاكرة ما سبق أنْ تعرّفنا عليه من تاريخ السينما والتلفزيون، خاصة حين كان يجري الحديث عن ما كان له علاقة بما حملته مرحلة بناء الاستديوهات الضخمة، وما ترافق مع ذلك من حرص واضح على تلك المصانع الكبرى للأفلام، من خلال مديريها أو أصحابها".

جان رطل: مفردات الصناعة تجعل الفيلم يجيب على أمور الترفيه أولاً وحصرياً، ويحمل في طياته وجوهاً إنسانية

وأشار إلى أنّ تلك الاستديوهات "تقوم وتستحوذ على أهمّ الممثلين أو المساهمين في تطوير صناعتها، ومعهم فريق كامل من العمل التقني، وصولاً إلى المخرجين وكتاب السيناريو... إلخ. ما جعلهم يحرصون على أمرين، يترافق أحدهما مع الآخر: توقيع اتفاقات (حصرية) لأعوام متفاوتة العدد، مع رواتب محدّدة؛ واشتغال إعلامي وإعلاني على تحسين صُورهم، ونشرها في وسائل الإعلام المتوافرة حينها، وعلى أكبر نطاق ممكن".

على هذا الأساس، اعتبر جان رطل أنّ "مفردات الصناعة تجعل الفيلم يجيب على أمور الترفيه أولاً وحصرياً، ويحمل في طياته وجوهاً إنسانية، وما يلحق بذلك ربما يتعلّق بمتابعة الحاجات وتكوينها، لمزيدٍ من الاستهلاك والإبهار بالشكل، مع القليل من مضمونٍ مُكرّر، لكنه يحكي بجاذبية ويُلفت النظر، وهذا محسوب على لائحة الموجبات والمحظورات على أكثر من مستوى".

زين ألكسندر: علينا تشجيع الصناعة المستقلة التي تتجرأ على طرح مسائل فريدة من نوعها، ونابعة من معرفة حقيقة للمجتمعات العربية

للمخرج اللبناني زين ألكسندر رأي آخر، إذ يشير إلى أن انتشار منصات عرض الأفلام والمسلسلات فتح المجال لصناعة تلفزيونية جديدة ومختلفة، لكن لا يجوز أن نراهن فقط على زيادة التمويل لازدهار البرامج التلفزيونية، بل يجب السعي إلى تحسين جوهر المسلسلات، وتحديداً من ناحية الكتابة والأداء، وعلينا تشجيع الصناعة المستقلة "التي تتجرأ على طرح مسائل فريدة من نوعها، ونابعة من معرفة حقيقة للمجتمعات العربية".

المساهمون