بوليوود والإسلاموفوبيا... السيناريو ليس عشوائياً

08 يونيو 2022
الفنان أكشاي كومار من أكبر المعجبين برئيس الوزراء ناريندرا مودي (Getty)
+ الخط -

مع انتشار السينما الهندية عالمياً مطلع الألفية الجديدة، وخروجها من انتشارها المحلي الحصري، تراجعت تدريجياً الأفلام والمسلسلات المستقاة من الثقافة الهندية المسلمة، مفسحة المجال أمام أعمال عابرة بشكل أو بآخر للتصنيف الطائفي، فتابعنا القصص العاطفية المستحيلة، وأفلام الأكشن والإثارة والغنائيات الكثيرة التي جعلت من بوليوود لاعباً أساسياً على ساحة صناعة الأفلام في العالم.

لكن وصول ناريندرا مودي وحزبه "بهاراتيا جاناتا" (حزب الشعب الهندي - تأسس عام 1980) إلى السلطة، وتوليه رئاسة الحكومة منذ عام 2014 أعاد المسلمين إلى الشاشة، لكن بصورة مختلفة تماماً عن تلك التي عرفها جمهور بوليوود في ثمانينيات وتسيعينيات القرن الماضي. بات للمسلم صورة شبه موحّدة، فهو إما الإرهابي (الإرهابي الباكستاني بشكل خاص)، أو هو الرجل متعدد الزوجات الذي يمارس العنف ضد النساء في أسرته، أو هو الشرير بالمطلق، من دون إطار محدد لشرّه.

صحيح أن العقدين الأخيرين وحتى قبل وصول مودي إلى السلطة شهد إنتاج أفلام صوّرت المسلم في نفس الإطار (متأثرة بسطوع نجم مودي وطموحه الأزلي إلى الوصول إلى السلطة منذ ثمانينيات القرن الماضي)، لكنها بقيت محدودة ومن دون تأثير جماهيري حقيقي، نذكر منها أفلام "هندي" (2001)، و"16 ديسمبر" (2002)، و"البطل: قصة حب جاسوس" (2003)... ولعلّ ما ساهم في ذضعف تأثير هذه الأفلام، هو نجومية ممثلين مسلمين سيطروا بأعمالهم على بوليوود، وفتحوا المجال أمام مسلمين ومسلمات آخرين/أخريات لدخول عالم صناعة السينما، نتكلم هنا بشكل خاص عن الثلاثي الأشهر عرفان خان، وشاروخان، وسلمان خان.

لكن ما قبل حكومة ناريندرا مودي ليس كما قبلها. فجأة ازدهرت صناعة الأفلام التي تحرض على المسلمين، وفجأة وجد نجوم هندوس أنفسهم قادرين على التحريض بأريحية ضد المسلمين، أو الدعوة لحرقهم أحياء، كما هي حال الممثلة الشهيرة كانغانا رانو التي أطلت في أكثر من مناسبة لتدافع عن مواقف شقيقتها رانغولي شاندل الداعية إلى التخلص من أبناء الديانة المسلمة في الهند. تدريجياً انتقل هذا التحريض من الحياة الحقيقية ليتربّع على الشاشة الكبيرة عبر إنتاجات عالية الكلفة.

نذكر هنا تحديداً فيلم Sooryavanshi. فبعد إقفال استمر أشهراً، اختارت الصالات الهندية عرض هذا الشريط تحديداً، في أول أسبوع من تخفيف القيود على الحياة الفنية والثقافية والاجتماعية. ماذا نشاهد على الشاشة؟ رجل مسلم يشاهد مسلماً آخر يقتل زوجته الهندوسية تحت حجة الجهاد، لنكتشف لاحقاً ان الرجل تنكر بشخصية رجل هندوسي وكذب على زوجته ثم أشرف على عميلة قتلها من قبل الجماعة المتشددة التي ينتمي إليها.

إعلام وحريات
التحديثات الحية

الفيلم حقق نجاحاً كبيراً عام 2021، وقد رصدت له ميزانية 22 مليون دولار، وجاء ليكمل السياق المسيطر على السردية السينمائية الهندية في السنوات الأخيرة، ويساهم في تأجيج مشاعر كراهية المسلمين التي تسود الخطاب السياسي والاجتماعي.

الشريط من بطولة النجم الأشهر أكشاي كومار، وهو واحد من أكبر المعجبين برئيس الوزراء ناريندرا مودي، وقد بنى شهرته من خلال مشاركته في بطولة أفلام مفرطة في الأفكار القومية الهندية المتشددة.
في مقال شهير كتبته الصحافية الهندية المسلمة رنا أيوب عن الفيلم لصحيفة واشنطن بوست عام 2021، تصف تفاصيل مشاهدتها للشريط في صالة السينما "كل جزء من الفيلم يعكس صورة مروعة غارقة في الإسلاموفوبيا. فمقابل الدروس الوطنية التي تقدمها الشخصية الهندوسية (كومار)، يرد الخصم المسلم بالكراهية. المسلم ناكر للجميل يظهر بلحية طويلة وغطاء للرأس. وفي كل مرة كان البطل يخاطب المسلم لإعادته إلى الطريق الصحيح، كان الجمهور في صالة السينما حيث شاهدتُ الفيلم يصفق بحماسة".

سيناريو فيلم Sooryavanshi ليس عشوائياً، ولا يدخل في إطار الترفيه فقط، بل هو جزء من سياسة عامة تنتهجها الحكومة الهندية، بتعزيز المشاعر القومية الهندوسية، مقابل شيطنة المسلمين في مختلف القطاعات، من الفن إلى الإعلام والرياضة والسياسة.


لسنوات طويلة حتى قبل وصول مودي إلى رئاسة الحكومة، أدركت السلطات في الهند أهمية إنتاجات بوليوود في فرض سرديات سياسية واجتماعية معينة، لكن هذا التداخل بين السياسي والفني، اتخذ منحىً مختلفاً تماماً مع حكومة مودي الذي ذهب بعيداً في فرض سطوته على صناعة السينما إلى درجة إنتاج فيلم عن سيرته الشخصية عام 2019، ليتابع المشاهد 136 دقيقة من البروبغندا البحتة والبطولات الوهمية التي نسبها مودي لنفسه. جاءت سيرة مودي السينمائية لتحوّل التطبيع مع الخطاب الطائفي والعنصري ضد المسلمين إلى أمر بديهي، بالنسبة لعشرات ملايين الهنود.

عام 2018 وقبل فيلم مودي، استقبلت صالات السينما واحداً من أنجح الأفلام في تاريخ بوليوود Padmaavat، الذي المقتبس من الملحمة التي كتبها الشاعر مالك محمد جياسي في القرن السادس عشر. لكن كاتب ومخرج الفيلم سانجاي ليلا بهنسالي، ارتأى ببساطة تشويه القصة الحقيقية لتحويلها إلى قصة حب عنيف، وإعجاب من الملك المسلم الشرير علاء الدين الخلجي، بملكة راجبوت الهندوسية التي اشتهرت بجمالها راني بادمافاتي. تتتابع أحداث الفيلم ليظهر الملك المسلم كبربري دمويا مقابل عفاف ونقاء وبساطة الملكة الهندوسية التي تفضل في نهاية المطاف أن تحرق نفسها على أن ترتبط بالملك المسلم.
ما سبق عينة فقط من تحوّل بوليوود إلى ساحة للتحريض على المسلمين سواء على الشاشة أو في كواليس العمل، في وقت يجد هذا الخطاب صداه في الشارع وعلى المنابر السياسية ليترجم باعتداءات متكررة على المسلمين في منازلهم وشوارعهم ودور عبادتهم.

المساهمون