بعد أسابيع عدّة على عرضه الدولي الأول، في برنامج "نظرة ما"، في الدورة الـ76 (16 ـ 27 مايو/ أيار 2023) لمهرجان "كانّ" السينمائي، يُعرض "أتمنّى أنْ أتحوّل إلى دبّ" (2023، 98 دقيقة، إنتاج مشترك بين منغوليا وفرنسا وسويسرا وقطر)، أول روائي طويل للمخرجة المنغولية زولجَرغال بورفيداش (1990)، في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة في الدورة الـ6 (14 ـ 21 ديسمبر/كانون الأول 2023) لـ"مهرجان الجونة السينمائي"، وينال ممثله الأساسي باتسوج أورتسيخ جائزة "نجمة الجونة لأفضل ممثل".
زولجَرغال بورفيداش الطفلة تُحبّ مشاهدة الأفلام، وهذا يجعلها سعيدة، ويمنحها خيراً، ويُعطيها أحياناً أملاً كبيراً في لحظاتٍ صعبة: "والدتي تُدير محلاً صغيراً في حيّ الخِيَم، وزبائن عديدون يأتون إليها لشراء أغراض. كلُّ مرة أرى فيها أطفالاً يعيشون في حالة عدم استقرار، أحلم بمنحهم مشاعر رائعة بفضل فيلمي الذي يُبثّ على شاشة التلفزيون. أشعر بقوّة السينما وسلطتها. متفاجئةٌ من إدراكي إلى أي حدّ يُمكنها تغيير الناس". لذا، في فترة المراهقة، تبدأ العمل على تحقيق حلمها، فتحصل على منحة لدراسة الإخراج في اليابان.
أولزي (باتسوج أورْتْسِخ) مراهق يعيش في حي محروم في "أولانباتار". يريد الفوز في مسابقة علوم وفيزياء، كي يحصل على منحة دراسية. تعثر والدته الأميّة على عمل في الريف، فتتخلّى عنه وعن أخيه وأخته، في منتصف الشتاء. يتجوّل ليلاً بحثاً عن أشياء يحرقها للتدفئة، وفي الوقت نفسه يستعدّ للمنافسة الوطنية.
بمناسبة بدء العروض التجارية الفرنسية للفيلم نفسه، "لو أستطيع السبات فقط" (ترجمة عربية للعنوان الإنكليزي المُعتَمد دولياً)، في 10 يناير/كانون الثاني 2024، تُنشر حوارات متفرّقة مع بورفيداش، بعد أوّل لها منشور في الموقع الإلكتروني لـ"نظرة ما"، هنا ترجمة عربية لمقتطفات منه.
ردّاً على سؤال: "ما مُحرّضُكِ على بدء العمل على هذا الفيلم؟"، تقول بورفيداش إنّ "باتور" تُعتَبر العاصمة الأكثر تلوّثاً في العالم، "لأنّ أكثر من 60 بالمائة من السكّان تُقيم في حيّ الخِيَم، حيث لا يوجد نظام تدفئة ولا بُنى تحتية، وحيث يُشْعَل الفحم للتمكّن من العيش في حرارة تبلغ درجتها المئوية 35 تحت الصفر، في فصل الشتاء القاسي". تُضيف أنّ عام 2016 "شاهدٌ على أول وأكبر تظاهرة ضد التلوّث في الهواء"، مع شعار "تدمير تلوّث الغلاف الجوي"؛ وأنّ "وسائل التواصل الاجتماعي ممتلئة حينها برسائل وتعليقات بغيضة ضد مواطني منطقة الخِيَم"، علماً أنّها (المخرجة) تعيش في تلك المنطقة، وتعرف أنْ لا أحد "يُشعِل الفحم ليُسمِّم الجانب الآخر من المدينة"، فما "نتنفّسه ليس دخاناً، بل فقراً".
تقول إنّها متفاجئةٌ بأنّ أناساً كثيرين في مدينتها "لا يفهمون هذا، ويتمنّون ببساطة أنْ نختفي، بدلاً من المطالبة بحلول"، مُحدّدة بعض تلك الحلول بـ"ألواح شمسية"، و"معمل جديد لإنتاج الطاقة". تُشير إلى أنّ الجميع يعيشون في المدينة نفسها، أي أنّ "التلوّث مشكلة الجميع، لكنّنا غير متفاهمين بعضنا مع بعض. إذاً، كيف نحلّ معاً مشاكلنا؟ لهذا السبب، أُنْجز فيلماً عن مُراهِقٍ يعيش في حيّ الخِيَم، ويحلم بمستقبل مشرق، لكنّه متأثّر بقوّة بديناميكية علاقاته بعائلته وبوضعه الاجتماعي". تُضيف أنّها تريد، عبر فيلمها هذا، جعل المواطنين يفهمون (الواقع الفعلي) ويشعرون ويحتضنون صراعات بعضهم البعض، كما أفراحهم.
عن العمل في بلاتوهات التصوير، تقول بورفيداش إنّ فيلمها هذا أول روائي طويل لها، وإنّها معتادة الإنتاج بنفسها، وتُحبّ أنْ يكون هناك معها منتج مشارك، يمنحها إمكانية التركيز على الإخراج فقط، في فترة التصوير: "هذا تحدّ حقيقي. لكنْ، في الوقت نفسه، هذه عملية حرّة كفاية. في البلاتوه، أحبّ خلق مناخٍ يسمح لكلّ واحدٍ بأنْ يكون منفتحاً وخلاّقاً للتعبير عن أفكاره. أحبّ الاستماع إلى كلّ الأفكار الخلّاقة والمجنونة. إنْ تكن فكرة ما مُقنعة كفاية، أقبلها، وأحاول تجربتها من دون تردّد. أفكّر أنّ إخراج فيلمٍ عملٌ جماعي".
إذاً، هل تبغي بورفيداش من الناس الاستفادة من فيلمها، وإنْ يكن الجواب "نعم"، ما الذي تبغيه في هذا الإطار؟ تُجيب: "ما يُستفاد من فيلمٍ مرتبطٌ بمن يُشاهده. لفيلمي مستويات عدّة. إنّه ليس فقط قصة تجري وقائعها في منغوليا، بل حكاية يُمكن لأحداثها أنْ تحصل في أي مكان في العالم. أرى أنّ قدرة المُشاهدين على اكتشاف كلّ طبقة في الفيلم أمرٌ رائع، وأيضاً أنْ يناقشها هؤلاء أنفسهم بانفتاح وحرية".
وماذا عن ممثلي "أتمنى أنْ أتحوّل إلى دبّ ـ لو أستطيع السبات فقط"؟ تقول إنّهم "الأطفال الأكثر جدّية، والأكثر عملاً، والأكثر نقاءً، والأكثر لطفاً". تروي أنّها، في أول يوم تمرينات، تُخبرهم عن هدف فيلمها بصدق: "لاحقاً، يُشاركوني مشاعرهم وتجاربهم، بصدقٍ أيضاً. ثم يُصبحون جدّيين للغاية"، منهية كلامها عنهم بقول التالي: "لا شيء يُمكنه إيقاف الأطفال عندما يكونون جدّيين وصادقين. إنّهم منخرطون كثيراً في شخصياتهم".