بانكسي... آفة "الطّباعة" التي أصابت الفن

27 مارس 2021
أعلن بانكسي عن وضعه آلة لإتلاف لوحة "الفتاة والبالون" ذاتياً (فيكتور زيمانوفتيش/Getty)
+ الخط -

تحت عنوان Banksy: The Brussels show، أعلن غاليري Deodato للفنون في بروكسل أخيرًا، عن افتتاح معرضه الجديد للفنان البريطاني، الذي يعد اليوم أشهر فناني الشارع في العالم، متضمناً 17 عملاً، أغلبها من الأعمال الصغيرة التي "نفّذها" بانكسي باستخدام الشاشة الحريرية في إصدارات محدودة. وأوضح مالك الغاليري دوتاتو سالافيا، وهو رجل أعمال في مجال تكنولوجيا المعلومات والأعمال الفنية، ويمتلك أيضاً عدداً من صالات العرض في إيطاليا، أن: "15 عملاً منها معروضة للبيع"، مضيفاً أن: "سعر الأعمال يتراوح بين 40 ألفا و500 ألف يورو".

قبل عام ونصف العام، أُغلق معرض غير مصرح به من قبل بانكسي في غاليري ستروكار في بروكسل، بعد ضجة حول الملكية الفكرية للأعمال المعروضة ضد رغبة أصحابها، وثارت نقاشات مطولة آنذاك حول أحقية عرض الأعمال الفنية دون احترام ملكيّتها، لتصبح إقامة هذا النوع من المعارض أكثر حساسية في بروكسل منذ ذلك الحين.

لكن بإعلان غاليري Deodato مؤخراً عن معرض بانكسي الجديد، ثارت الضجّة مرة أخرى، فشنّ بيورن فان بوكه، الخبير في أعمال بانكسي ومنظّم مهرجان Crystal Ship لفنون الشارع، هجوماً حاداً على صفحات جريدة "ده مورخن" البلجيكية الأسبوع الماضي، ضد منظّمي المعرض الجديد، قال فيه: "بانكسي لا يريد لمعارضه أن تستضيفها أطراف ثالثة، أو أن يركب الناس موجة شهرته لكسب المال".

وعلى الرغم من تأكيد غاليري Deodato أن جميع أعمال بانكسي التي سيضمّها معرضه الجديد هي "حقيقية"، وكلها أعمال معترف بها من قبل Pest Control، الجهة الوحيدة التي تملك سلطة المصادقة على "حقيقة" أعمال الفنان البريطاني مجهول الهوية أو "زيفها"، كما أنها وفقاً لدوتاتو سالافيا: "معروضة على حساب بانكسي على إنستغرام".

15 عملاً معروضاً للبيع سعرها يتراوح بين 40 ألفا و500 ألف يورو

لم يمرّ هجوم خبير بانكسي بيورن فان بوكه ضد منظّمي المعرض في سلام، فخرج دوتاتو سالافيا المنظّم لمعرض بانكسي الجديد صباح الأربعاء الماضي على صفحات "ده ستاندارد" البلجيكية مدافعاً: "لقد تواصلنا مع بانكسي عدّة مرات من خلالPest Control ، الشركة التي أقامها بنفسه للمصادقة على صحة أعماله الفنية، وأعلمناه برغبتنا في إقامة هذا المعرض لأعماله في بروكسل، ولم يعارض، كل ما طالبنا به هو أن نعلن بوضوح أن لا علاقة له بإقامة هذا المعرض، ليس أكثر من ذلك".

ضد رأسمالية الفن
من جهته، سخر بيورن فان بوكه، الذي يدير أيضاً غاليري لعرض الأعمال الفنية في بروكسل، من تصريحات دوتاتو سالافيا، وأوضح لصحيفة "ده ستاندارد"، التي غطّت النزاع في تقرير مطول على صفحاتها الأربعاء الماضي: "ليس من السهل إحضار فنون الشارع إلى قاعات المعارض، وحين تفعل يجب أن يكون ذلك بموافقة الفنان نفسه وليس ضد رغبته، فهذا أقل أشكال الاحترام، وما يجب أن يتم بدافع حب الفن وحده، وليس رغبة في جمع المال"، وواصل فان بوكه هجومه قائلاً: "سيكون مخجلاً بالنسبة لي، أن يتبرّأ فنان من معرض أقيمه له في الغاليري الذي أديره، ولأنّني شخصياً من المتحمّسين لأعمال بانكسي، أرى أن هذا المعرض الجديد لأعماله لا يتناسب مع فلسفته حول الفن، فأعمال بانكسي تقف ضد الرأسمالية التي حوّلت سوق الفن إلى تجارة، لا تهدف إلا لجني المال عبر تسليع الفن ورموزه".

قبل عام ونصف العام، أُغلق معرض غير مصرح به من قبل بانكسي في غاليري ستروكار في بروكسل، بعد ضجة حول الملكية الفكرية للأعمال المعروضة ضد رغبة أصحابها

كذلك يشير فان بوكه، إلى حادثة تمزيق لوحة بانكسي الشهيرة "الفتاة والبالون" Girl with Balloon ذاتياً عام 2018، مباشرة بعد أن أعلنت مطرقة رجل المزاد عن بيعها في دار Sotheby's بمبلغ 1.5 مليون دولار، وهو الحدث الذي صوّرته كاميرات الفيديو، ولا يزال شاهداً على موقف بانكسي من الإتجار بأعماله.

وكدليل على إدانته بيع لوحاته بهذه الأسعار المبالغ فيها، أعلن بانكسي لاحقاً عن وضعه آلة لإتلاف اللوحة ذاتياً داخل إطارها، ثم نشر حينها تغريدة ساخرة على تويتر قال فيها: "إنها تضيع.. تضيع.. ضاعت"، مستشهداً في تغريدته بعبارة بيكاسو التي يقول فيها: "التوق إلى التدمير هو أيضاً توق إبداعي".

ولم يزد تعليق دار Sotheby's للمزادات على الحادثة حينها إلا أن قالت في تغريدة سريعة على "تويتر": "يبدو أننا وقعنا ضحية خدعة من بانكسي"! وتعليقاً على الحادثة يقول فان بوكه: "لا يمكنك شراء الأصالة، لكن التأرجح في محيطها يُربح بعض المال".

مجهول الهوية
ربما يكون في موقف بانكسي من الإتجار بأعماله الفنية ما يبرّره، لكنّه يطرح علينا أيضاً العديد من الأسئلة المشروعة اليوم التي تخصّ فنون الغرافيتي ورسوم الشارع أكثر من غيرها. فالقول بأن "إدخال أعمال الغرافيتي وفنّ الشارع إلى قاعات العرض، لا يستقيم والفلسفة التي قامت على أساسها هذه الأعمال"، بوصفها انطلقت منذ البداية على أساس إخراج الفن من قاعات العرض وإيصاله إلى رجل الشارع، ما هو إلا هراء لا طائل من خلفه، ذلك لأن ظواهر فن البوب آرت الأكثر نجاحاً، هي تلك الأسماء التي تحوّلت فجأة إلى "الأعلى سعراً" بلغة سوق الفن العالمي الراهن، ويكفي ذكر أسماء مثل آندي وارهول وجيمس روزنكويست وكيث هارينغ وروي ليختنشتاين وغيرهم، لنتخيّل حجم الأرباح التي يحقّقها المتاجرون بأعمالهم الفنية، خاصة مع توفر نعمة "الطباعة"، أو بالأحرى "الآفة" التي أصابت الفن، وجعلتنا اليوم نسمع عن مثل هذه الصرعات الهزلية.

عام 2019، خاض بانكسي نفسه صراعاً قضائياً طويلاً مع "مطبعة" تقوم بتوزيع عمله الشهير Love is in the air أو "قاذف الزهور"

وكي تكون الصورة أوضح، سنعود إلى منتصف العام 2019، حين خاض بانكسي نفسه صراعاً قضائياً طويلاً مع "مطبعة" تقوم بتوزيع عمله الشهير Love is in the air أو "قاذف الزهور"، الذي رسمه بانكسي لأول مرة عام 2005 في بيت لحم، وبيعه في صورة بطاقات بريدية. خسر بانكسي القضية في سبتمبر/أيلول 2020، بعدما حكم مكتب الاتحاد الأوروبي للملكية الفكرية EUIPO آنذاك بأنه: "يمكن للشركة المصنّعة للبطاقات الاستمرار في استخدام الصورة"، معللة ذلك في حكمها بـ: "لا يمكننا إثبات أن بانكسي هو مالك العمل بيقين مطلق، لأنه هو نفسه مجهول الهوية".

قام بانكسي لاحقاً بعمل نسختين من Love is in the air باستخدام طباعة الشاشة الحريرية، وخصّصهما للعرض الفني، وحين بدأت الشركة المصنعة في طباعة العمل وبيعه في صورة بطاقات بريدية، قرّر بانكسي قطع الطريق على المتاجرين جميعاً بفتح متجر لبيع أعماله بنفسه، وباع مائة نسخة من اللوحة ذاتها بـ"سعر رمزي" وقتها وصل إلى 750 جنيهاً استرلينياً (ما يعادل 870 يورو) لكل نسخة، واليوم تتضاعف قيمة هذه النسخ لتصل إلى آلاف الدولارات، بعدما وصل بعضها إلى غاليري Deodato ببروكسل.

سينما ودراما
التحديثات الحية

وإذا كانت محكمة بلجيكية قد استطاعت في 2018 أن تلغي معرضاً لبانكسي مباشرة بعد افتتاحه في غاليري Strokar للفنون في بروكسل، ونجحت حينها في مصادرة 58 عملاً للفنان بقيمة 15 مليون دولار، فقط بسبب "اعتراضه على تنظيم المعرض "ضد رغبته""، فليس من المتوقّع أن تنجح أي محكمة اليوم في إغلاق معرضه الجديد في غاليري Deodato، ذلك لأن جميع الأعمال التي يضمها المعرض مصدّق عليها من قبل مكتب Pest Control، وهو الدفّاع الذي يتمترس خلفه الغاليري وأصحابه، على الأقل حتى هذه اللحظة، والشكر كل الشكر لـ"نعمة الطباعة".

المساهمون