تحتفل الصحافة الفرنسية بـ"بابِلون (Babylon)"، جديد الأميركي دميان شازيل (1985)، بالتزامن مع بدء عروضه التجارية الفرنسية في 19 يناير/ كانون الثاني 2023. بحسب الموقع الإلكتروني AlloCine، يحصل الفيلم على معدّل 4/ 5، كنتيجة لآراء 45 ناقداً، علماً أنّ معدّلات أفلام سابقة لشازيل نفسه تكاد تكون متساوية: Whiplash 4،1/ 5 و"لا لا لاند" 4،4/ 5 و"الرجل الأول" 3،8/ 5 (الأول إنتاج عام 2014، والثاني عام 2016، والثالث عام 2018).
هذه إحصائيّة يصنعها الموقع الفرنسي دائماً، كما تفعل مواقع غربيّة أخرى، تضع مقاييس علمية لاختزال المشترك في آراء نقّاد، أو نسب مُشاهَدات تجارية. جديد شازيل حاضرٌ في المشهد السينمائي الفرنسي قبل إطلاق عروضه، فالفيلم مُنتظر منذ إطلاق عروضه التجارية الأميركية، في 15 ديسمبر/ كانون الأول 2022 في لوس أنجليس، و23 من الشهر نفسه في ولايات أميركية مختلفة. هذا منبثقٌ من موضوعٍ، يُثير اهتماماً كبيراً وعميقاً في نفوس سينمائيين أميركيين، يتمثّل باستعادة فصولٍ من تاريخ أميركا، سينمائياً أولاً، وذاتياً/ شخصياً في مرتبة لاحقة، أو متساوية مع الأولى.
صحفٌ ومجلّات فرنسية تواكب إطلاق العروض التجارية، أو تُخصِّص بـ"بابل" (الترجمة الحرفية إلى العربية للعنوان الإنكليزي، علماً أنّ المضمون الدرامي يوضح سبب اختيار هذا الاسم، تحديداً، عنواناً للفيلم) صفحات عدّة. "بروميير" (مجلة سينمائية شهرية) تمنحه غلاف عددها الأخير (يناير/ كانون الثاني 2023)، مع 8 صفحات؛ بينما تكتفي "دفاتر السينما" (مجلة سينمائية شهرية أيضاً) بمقالة نقدية لشارلوت غارسُن، بعنوان "هوليوود آكلة لحوم البشر" (يناير/ كانون الثاني 2023). صحف يومية ومواقع إلكترونية متخصّصة بالسينما تتناوله، نقداً ولقاءات وتحقيقات، منشورة غالبيتها يوم إطلاق عروضه الفرنسية.
"محمولاً على كاستينغ متميّز بالطموح (دييغو كالفا، مارغو روبي، براد بيت، توبي ماغواير، وغيرهم)، يُستَقبل الفيلم جيّداً في الصحافة الفرنسية"، بحسب لوران شَانْك في "آلوسيني"، مشيراً إلى أنّه يأتي ثانياً بعد "البروفيسور ياماموتو يتقاعد" (2020)، للياباني كازوهيرو سودا، الوثائقي المتأخّر عرضه الفرنسي إلى الآن: رائد الطب النفسي في اليابان، يستعدّ البروفيسور ياماموتو (82 عاماً)، للتقاعد. مع اقتراب موعد مغادرته العيادة للمرة الأخيرة، يشعر أنّ مرضاه مرتبكون أكثر فأكثر، بينما هو غير عارفٍ كيفية مواجهة هذا الوضع.
موضوع يختلف كلّياً عن ذاك الذي يتناوله دميان شازيل، العائد إلى عشرينيات القرن الـ20، لمعاينة أحوال هوليوود، وأنماط عيشها، والتحوّلات التي تختبرها، تقنياً وفنياً واجتماعياً: "نصٌّ عن طموحات مفرطة في جموحها، يتابع الفيلم صعود وهبوط شخصيات مختلفة، في مرحلة إنشاء هوليوود. إنّها حقبةٌ مليئة بالانحطاط والفساد اللامحدود"، بحسب أحد التعريفات المختَصَرة. إيريك نُهوف (لو فيغارو) يكتب، بعد وصفه اشتغال شازيل بأنّه "إعادة إنتاج الإفراط كلّه لهوليوود العشرينيات"، أنّ المُشاهِد يخرج، بعد 3 ساعات، مُصاباً بالضربة القاضية، وفي الوقت نفسه "مسروراً". في مقالة سيبريان كادِأو (أومانيتيه)، يوصف "بابل" بأنّه "عمل ضخم ووحشي، على صورة موضوعه". مع إضافة 4 أوصافٍ أخرى: غير متناسب، مُثير للدوخة، منتَفخ، مُرهِق (أوصاف تبدو غير إيجابية، لكنّها ملتبسة المعاني أيضاً، وهذا يُحسَم بعد مشاهدة الفيلم).
"مليئةٌ بالموسيقى والسوائل الجسدية، تجد هذه اللوحة الجدارية معناها في لحظاتها المتمثّلة بصداع ما بعد احتساء الكحول، وبفتراتها الصغيرة الكئيبة"، يكتب نيكولا شالِر (لو نوفيل أوبسرفاتور)، واصفاً "اللوحة الجدارية" هذه بأنّها "زائدة عن اللزوم، ومُحرّكة للعواطف بشدّة، والواضحة كثيراً"، وبأنّها "تدفع الأمور إلى الأقصى، والمُوثَّقة (جداً)، وغير المتساوية، لكنّها تثير المشاعر". وصف الفيلم بأنّه "لوحة جدارية" حاضرٌ، أيضاً، في مقالةٍ لرُنان كْروس (CinemaTeaser): "لوحة جدارية مليئة بالضجيج والغضب والقيء والجنس والدم. وفي وسط هذا كلّه، هناك السينما". إنّه فيلمٌ "مُرهِق، ومُثير للانفعال، وراديكالي. إنّه فيلمٌ بارع".
من جهته، يقول دميان شازيل (بروميير) إنّ فيلمه الجديد هذا "نسخة مُرعبة" من "الغناء تحت المطر" (Singin'in The Rain)، لجين كيلّي وستانلي دونن، المُنجز عام 1952: "بعد 70 عاماً، كلّ شيءٍ مُتغيِّرٌ: العالم، نظام النجوم، طريقة إنجاز الأفلام، وطريقة مشاهدتها. لكنْ، لا شيء مُتغيّر (في الوقت نفسه): السينما تبقى أحد المواضيع المفضّلة في السينما الأميركية"، يكتب فريديريك فوبار في حواره مع شازيل، مُضيفاً أنّ غالبية "أعيان" الأفلام الأميركية، في الأشهر الأخيرة، "باستثناء تلك التي تُظهِر على الشاشة أبطالاً خارقين، أو توم كروز قائداً طيّارة مُطارِدة"، تتناول "بشكلٍ حصريّ، تقريباً، هذا الموضوع: صناعة المشهد السينمائي، بجانبه المظلم".
يُذكر أنّ ميزانية إنتاج "بابل" تبلغ 78 مليون دولار أميركي، كما في مقالة لريبيكا روبن في "فارايتي" (18 أكتوبر/ تشرين الأول 2022)، أو 80 مليون دولار أميركي، بحسب الوارد في مقالة أنتوني داليسّاندرو في "ديدلاين هوليوود" (25 ديسمبر/ كانون الأول 2022). أما إيراداته الدولية، منذ 23 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، فتبلغ (إلى الآن) 14 مليوناً و960 ألفاً و434 دولاراً أميركياً، وإيرادات اليوم المحلي الأول (أي العرض التجاري في الولايات المتحدة) تبلغ 3 ملايين و603 آلاف و368 دولاراً أميركياً (بوكس أوفيس موجو). في فرنسا، يجذب الفيلم، في يومه الأول، نحو 50 ألف مُشاهدٍ (تانغي كولون، Boxoffice.Pro، 19 يناير/ كانون الثاني الجاري)