قرّرت أكثرية وسائل الإعلام المحلية والأجنبية أن تبقي فروعها في بيروت، على الرغم من الدمار الهائل الذي لحقها من جراء انفجار 4 أغسطس/ آب 2020؛ فكانت ورشة إعادة الإعمار للعودة إلى المكاتب سريعاً، علماً أنّ التغطية استمرّت، رغم تعرّض زملاءٍ لإصابات جسدية ونفسية، في تجربة لن يمحو آثارها الزمن.
وأجرى مركز الدفاع عن الحريات الإعلامية والثقافية "سكايز" مسحاً للأضرار والخسائر التي أصابت الصحافيين اللبنانيين والأجانب، والقطاع الإعلامي من جراء انفجار مرفأ بيروت، إذ لحقت أضرار جسيمة بمكاتب "العربي الجديد"، و"تيلي لوميار"، و"نورسات"، و"ميغافون"، و"نداء الوطن"، و"النهار".
أضرار بالغة في مكتب "العربي الجديد" نتيجة #انفجار_بيروت pic.twitter.com/JHKoOh6Jl2
— العربي الجديد (@alaraby_ar) August 4, 2020
كذلك، لحقت أضرار كبيرة بمقرات "أساس ميديا"، و"أسوشييتد برس"، و"ذي إندبندنت"، و"بي بي سي"، و"الجزيرة"، و"ديلي ستار"، و"رويترز"، و"سكاي نيوز عربية"، و"الشرق الأوسط"، و"العرب"، و"العربية"، و"الحدث"، و"المدن".
ولحقت أضرار متوسطة بـ"إذاعة الشرق"، و"السفير العربي"، و"شبكة الإعلام العراقي"، و"الشرق"، و"لبنة آند فاكتس"، و"اللواء". ورصدت "سكايز" إصابة 15 صحافياً ومصوراً في المكاتب، و11 إصابة في المنزل، وخمس إصابات ميدانية.
The coronavirus saved us. This is our AP office this morning #Beirut_Explosion pic.twitter.com/0RFtWt6gy5
— Dalal Mawadدلال معوض (@dalalmawad) August 5, 2020
نداء الوطن
يقول رئيس تحرير جريدة "نداء الوطن" بشارة شربل، في حديث إلى "العربي الجديد": "كانت لحظات رعب عاشها الموجودون في المؤسسة عند وقوع الانفجار، علماً أنّ العدد لم يتخطَّ عشرة أشخاصٍ نتيجة التدابير والإجراءات الوقائية التي التزمنا بها لمواجهة فيروس كورونا؛ إذ كان العمل جزئياً، والاجتماع الذي عادة ما يعقد عند الساعة السادسة، أرجئ لحسن الحظ؛ فكان المكان الأكثر تضرراً والزجاج تبعثر في كلّ مكان".
لا أحد من الموظفين والعاملين رفض العودة إلى المكاتب، رغم الذكريات التي من الصعب حذفها
يشير شربل إلى أنّ "أيّ أضرار جسدية لم تسجّل، في حين أنّ الأضرار المادية كانت كبيرة، وهو ما أخّر عودتنا لحين الانتهاء من ورشة تصليح النوافذ والمكيفات وإمدادات الكهرباء والمكاتب عامةً، إلى جانب أنّ الجريدة تكبّدت كلّ تكاليف إصلاح الأضرار. وما زال الحضور بالحدِّ الأدنى بسبب فيروس كورونا، وهو محصورٌ بمن يعاني من أزمة كهرباء أو إنترنت في منزله وما شابه". ويؤكد شربل أن "لا أحد من الموظفين والعاملين رفض العودة إلى المكاتب، رغم الذكريات التي من الصعب حذفها، لكنّنا صحافيون نتحمّل كثيراً بحكم عملنا وتجاربنا، وهذا لا يعني أنّنا استثنائيون، بيد أنّ نظرتنا مختلفة عن المواطن العادي، ولنا أن نقدّر المخاطر ونعيش لحظات عنف وحروب ومعارك وهناك من الزملاء من مرّ بحوادث جمّة خلال التغطيات الميدانية، وهذه جزء من ضريبة عملنا".
ميغافون
من جهته، يقول جان قصير، أحد مؤسسي منصّة "ميغافون"، في حديث إلى "العربي الجديد"، إنّ "اجتماعاً كان من المنتظر عقده عند الساعة السادسة والنصف من مساء الرابع من أغسطس، وهناك زملاء كانوا في طريقهم إلى المكتب في الجميزة، وآخرون ينتظرون، وفجأة دوّى الانفجار الكبير. تعرّض بعض العاملين لإصابات مختلفة، والأضرار المادية كانت كبيرة فتحطم المكتب بأكمله".
هناك من الزملاء من طلبوا عطلة لفترةٍ نتيجة اللحظات التي عايشوها والضغوط النفسية التي عانوا منها
يؤكد قصير أنّ "العمل حتماً لم يتوقف، وأكملنا كالمعتاد لتغطية وقائع الانفجار والأحداث المرتبطة به. أما العودة إلى المكتب، فاستغرقت أسابيع"، لافتاً إلى أنّ "هناك من الزملاء من طلبوا عطلة لفترةٍ نتيجة اللحظات التي عايشوها والضغوط النفسية التي عانوا منها، وهناك من كان مستعدّاً، وفضّل الاستمرار وترجمة غضبه في العمل"، ويشير إلى أنّ "هناك من أصيب ليس فقط في الانفجار، بل خلال تغطية تظاهرة الثامن من أغسطس" (يوم اندلعت مواجهات حادة بين المتظاهرين المطالبين بالعدالة والحقيقة والقوى الأمنية، وسُجلت إصابات عدة، وهناك معتصمون فقدوا بصرهم نتيجة الوسائل العنيفة التي قمعهم بها الأمن).
وعلى صعيد ورشة "العودة"، يقول قصير إنّ "الجهات الرسمية طبعاً غابت عن المشهد، وحصلنا على منح من مؤسسات تعنى بالإعلام أعطيت للمؤسسات الإعلامية والصحافيين الذين خسروا معدّات وتجهيزات وأموراً أخرى يستفاد منها طبياً وغير ذلك"، مشيراً إلى أنّ "الموضوع ما زال يشكل تحدياً بالنسبة إلينا جميعاً، والتغطية لم تتوقف منذ سنة حتى اليوم رغم الصعوبات النفسية سواء عند وقوع الانفجار أو مواكبة كلّ تفاصيل الحدث أو مشاهدة الصور ومقاطع الفيديو التي دائماً ما تحيي الذكريات من جديد".
موقف "سكايز"
بدوره، يشرح المسؤول الإعلامي في "سكايز" جاد شحرور، لـ"العربي الجديد"، الدور الذي لعبه المركز منذ لحظة وقوع انفجار الرابع من أغسطس، وهو الذي يرتكز عمله على رصد الانتهاكات ضدّ الصحافيين "بيد أنّنا وسّعنا الفكرة أكثر، حتى نكون جهاز دعم لكلّ المؤسسات، لأنّنا سلّمنا جدلاً بأنّ الدولة لن تنظر إلى حالها كما هي غائبة عن الوقوف إلى جانب كل المواطنين".
ويشير شحرور إلى أنّ المركز تواصل سريعاً مع منظمات دولية بهدف إطلاق أقوى برنامج دعم حول العالم، يطاول المؤسسات الإعلامية والصحافيين الذين تضرّروا من جراء الانفجار، و"عملنا على ستّة محاور؛ الدعم الطبي للصحافيين المصابين، بما في ذلك العلاج المستمر مثل الفيزيائي، والأدوية، والمعدات الطبية، لا سيما لمن لا يتمتع بالتغطية الصحية الملائمة. وتمثل المحور الثاني بالمعدات الصحافية، بما في ذلك أجهزة الكومبيوتر والتصوير والبث والإرسال المتضررة، وكانت الأولوية للصحافيين المستقلّين الذين يعملون لحسابهم الخاص. أما المحور الثالث، فكان ترميم المقرات الصحافية. والرابع هو الدعم النفسي. في حين تمثّل الخامس بالعمل الاستقصائي، بمعنى رفض العودة إلى ممارسات صحافية كانت سائدة قبل الانفجار، كمحاباة السلطة وغياب ثقافة التدقيق بالمعلومات، والدفع بالتالي نحو مواجهة الفساد وإرساء الصحافة الحرة المستقلة عن الطبقة والأحزاب السياسية التقليدية. وتركّز المحور السادس على الدعم الاقتصادي الذي يهدف إلى تأمين حياة كريمة للصحافيين، بما يتيح لهم مواصلة عملهم، خصوصاً على صعيد المساءلة والتدقيق والالتزام بأعلى المعايير المهنية".
كان لدينا 12 شريكاً دولياً، إذ تمكّنا من جمع 779 ألفاً و800 دولار
يكشف شحرور لـ"العربي الجديد"، بعض الأرقام: "كان لدينا 12 شريكاً دولياً، إذ تمكّنا من جمع 779 ألفاً و800 دولار. استطعنا أولاً تقديم دعم لـ79 صحافياً كأفراد، وواحد على الصعيد الطبي، واثنين على الصعيد النفسي، وخمسة أشخاص استفادوا من ترميم المنازل، وثلاثة من استبدال المعدات، وستة من تأمين صحي شخصي، و62 من دعم اقتصادي، مثل المساعدة في تسديد أقساط أو قروض، وكان المجموع 125 ألفاً و175 دولاراً".