تنطلق اليوم الثلاثاء جلسات محاكمة "غوغل" في العاصمة واشنطن، بدعاوى تقدّمت بها وزارة العدل وعدد من الولايات الأميركية، تتّهم الشركة بانتهاك قانون مكافحة الاحتكار في إدارة أعمالها التجارية.
وتُتّهم "غوغل"، التابعة لشركة ألفابت، بالسيطرة على البحث عبر الإنترنت من خلال صفقاتها مع الشركات المصنعة للهواتف الذكية مثل "سامسونغ" و"آبل"، التي جعلت خدمة بحث "غوغل" الخيار الحصري على أجهزتها المستخدمة من قبل عشرات الملايين من المستهلكين.
وتمثّل الدعوى أمام قاضٍ فيدرالي آخر مرحلة في التحقيق المفتوح ضدّ الشركة منذ عام 2020، وقد قارن متابعون بينها وبين دعوى انتهاك قانون مكافحة الاحتكار التي رفعتها الحكومة الأميركية ضدّ شركة مايكروسوفت عام 1998، بسبب فرضها نظام تشغيلها ويندوز على أجهزة الكومبيوتر الخاصة بها.
في الحالتين، تواجه شركة تكنولوجيا عملاقة دعوى فيدرالية بسبب استعمال قوّتها في السوق لحرمان منافسيها بشكلٍ غير عادل من الوصول إلى المستهلكين. مع ذلك، يصعب تخيل أن تحظى الدعوى ضدّ "غوغل" بنفس الاهتمام الذي أحاط بقضية "مايكروسوفت" أواخر التسعينيات، إذ كانت الأخيرة شركة التكنولوجيا العملاقة الوحيدة في العالم، وكان مالكها بيل غيتس أيقونة وطنية للأميركيين.
بدأت محاكمة "مايكروسوفت" في أكتوبر/ تشرين الأوّل من عام 1998، واستمرت لقرابة 8 أشهر، حظيت خلالها بتغطية متواصلة ومكثفة من وسائل الإعلام الأميركية.
حاجج محامو الشركة خلال جلسات المحاكمة بأنّ الحكومة تستخدم مقتطفات معزولة من رسائل البريد الإلكتروني، وتخرجها عن سياقها، لتستخدمها كدليل على احتكار الشركة. آنذاك، وجد القاضي أن "مايكروسوفت" انتهكت بشكل متكرر قوانين مكافحة الاحتكار في البلاد، وأيدت محكمة الاستئناف معظم القرار، لكنها شكّكت في صحة رغبة الحكومة بتفكيك الشركة.
اليوم، اعتبرت وزارة العدل الأميركية في دعواها ضدّ "غوغل" أنّ الشركة تستعمل نفس كتيب التعليمات الذي اعتمدت عليه "مايكروسوفت"، من خلال استخدام قوتها بشكل غير قانوني في احتكار البحث عبر الإنترنت، كما سبق أن فعلت شركة بيل غيتس مع نظام تشغيل ويندوز الخاص بها.
لكن مدير الشؤون العالمية في "غوغل"، كنت ووكر، عارض هذا الرأي في حديث مع صحيفة نيويورك تايمز، لافتاً إلى أنّ نظام ويندوز من "مايكروسوفت" كان موجوداً على 90 في المائة من أجهزة الكومبيوتر الشخصية، مع فرض الشركة استخدام برامجها حصراً. أمّا في حالة "غوغل"، بحسب ووكر، فإنّ الأخيرة تعمل مع شركاء يصنعون الهواتف الذكية وتدفع لهم، معتبراً أنّ صفقاتها مع "آبل" و"سامسونغ"، لجعل "غوغل" محرك البحث الأوّلي على الهواتف الذكية، "قانونية وتفيد المستهلكين إذ تمنحهم أفضل التقنيات وتخفض التكاليف على صانعي الأجهزة وعملائهم".
توسّعت "مايكروسوفت" بشكل ضخم في منتصف التسعينيات، بحسب الصحيفة الأميركية، فعدا عن سيطرتها على صناعة التكنولوجيا، بدأت بالتمدّد إلى قطاعات أخرى من بينها الإعلام، مثيرةً خوف وريبة الكثير من الشركات والمؤسسات. أمّا "غوغل" اليوم، فلم تصل للحجم الذي كانت عليه "مايكروسوفت"، وهي جزء من نادٍ يضم شركات تكنولوجيا كبرى غيرها، مثل "أمازون" و"ميتا"، تواجه جميعها ضغوطاً قضائية أخيراً في مختلف أنحاء العالم.
كذلك، لعب تواجد اسم بيل غيتس دوراً كبيراً في لفت الأنظار إلى الدعوى المقامة ضدّ "مايكروسوفت". كان مؤسس الشركة ومالكها أغنى رجلٍ في العالم، وكشفت استطلاعات الرأي حينها عن إعجابٍ شعبي واسعٍ به باعتباره رجل أعمال ناجحاً ولامعاً، كما أن صناعة الثروات من قطاع التكنولوجيا كانت لا تزال مبهرة.
أمّا في حالة "غوغل"، فلا يحظى مؤسّسا الشركة سيرجي برين ولاري بيدج بدورٍ مهم في القضية، بخاصة أنّهما لم يعودا منخرطين في العمل كما في السابق، مع إعطاء مساحةٍ أكبر للمدير التنفيذي لشركة ألفابت الأم، سوندار بيتشاي الذي انضم إلى المؤسسة عام 2004، ومعروف بكونه شخصيةً محببة ولطيفة.
عدا عن ذلك، تفتقر الأدلة التي ستقدمها الحكومة ضدّ "غوغل" إلى عبارات واضحة تدلّ على ممارستها الاحتكار، على العكس من قضية "مايكروسوفت".
ولفتت وزارة العدل الأميركية إلى أنّ "غوغل" تعلّمت من القضية القديمة، وأعطت تعليمات لموظفيها بتجنب استعمال كلمات مثل قتل وسحق وتدمير في رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بهم.
في الماضي، أغلقت قضية "مايكروسوفت" بعد وصول إدارة جورج بوش إلى السلطة عام 2000، وتوصلت وزارة العدل والشركة إلى تسوية، منعت بموجبها الأخيرة من فرض عقود مقيدة، وسمح لمستخدمي أجهزتها باستعمال برامج شركات أخرى، كما فرض عليها الكشف عن المزيد من المعلومات التقنية التي كانت تحتفظ بها.
لكن، هل تتخذ قضية "غوغل" مساراً مشابهاً؟ لا يمكن الحصول على جواب واضح، لكن الأكيد، بحسب الأستاذ في كلية إدارة الأعمال في جامعة هارفارد، ديفيد يوفي، أنّ النتائج ستكون مفيدة للشركات الناشئة والمستهلكين على حدّ سواء.