انحياز الإعلام الفرنسي لإسرائيل: فتّش عن السيدة رافوفيتش

29 مايو 2024
أوليفييه وروكسان رافوفيتش (Getty، فيسبوك)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في 15 نوفمبر 2023، خلال حرب الإبادة في غزة، واجه الإعلامي محمد قاسي المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي بسؤال حول جرائم الحرب، مما أدى إلى تبادل حاد واتهامات متبادلة بين الطرفين.
- قناة "تي في 5 موند" أصدرت بيانًا تنتقد فيه طريقة إدارة المقابلة وتعد باتخاذ تدابير لضمان تغطية متوازنة، معبرة عن أسفها للانطباع الذي أعطته المقابلة.
- تأثير روكسان رواس رافوفيتش، زوجة المتحدث الإسرائيلي، في الإعلام الفرنسي يسلط الضوء على السردية الإعلامية المنحازة لإسرائيل والحصانة الإعلامية التي يتمتع بها رافوفيتش في فرنسا.

في الشهر الثاني من حرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة، تحديداً في 15 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، طرح الإعلامي في قناة "تي في 5 موند" الفرنسية، محمد قاسي، سؤالاً بسيطاً على المتحدث الرسمي باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي باللغة الفرنسية أوليفييه رافوفيتش، ضمن الحلقة اليومية لبرنامج 64’ Le Monde en Français. السؤال كان واضحاً: "هل ترى أن اقتحام المستشفيات في غزة جريمة حرب؟". لكن بدل تقديم إجابة واضحة تتناسب مع وضوح السؤال، تهرب رافوفيتش من الجواب، رافضاً إدانة اقتحام الاحتلال للمستشفيات في غزة، وقائلاً من خارج السياق إن "حركة حماس قتلت الأطفال والنساء واقتحمت بيوتاً وسرقتها"، فردّ عليه قاسي "هل تقول إذاً إنكم تتصرفون مثل حركة حماس؟". سؤال الإعلامي الفرنسي الأخير، أخرج المتحدث الإسرائيلي عن طوره، فقال منفعلاً إن قاسي لا يقوم بدوره الصحافي، بل يتصرف انطلاقاً من موقفه السياسي.
كان يمكن لهذه المواجهة أن تنتهي هنا. لكن غضب رافوفيتش توسّع، وكانت نتيجته إصدار قناة "تي في 5 موند" بياناً في 20 نوفمبر، وقّعته إدارة الأخبار ممثلة بأربعة مديرين تنفيذيين، جاء فيه أن المقابلة "لم تحترم القواعد الصحافية المطبقة على أي مقابلة. وقد أدى ذلك إلى إعطاء انطباع، في السؤال الأخير، بأن أساليب عمل الجيش الإسرائيلي تعادل استراتيجيات حركة حماس، وهي منظمة تعتبرها العديد من الدول إرهابية. علاوة على ذلك، لم تنته المقابلة وفقاً لمعايير التحكم في الهواء، بل انتهت بشكل مفاجئ جداً، وهو ما يأسف له قسم الأخبار في TV5 Monde بشدة. (...) وسنتخذ جميع التدابير اللازمة لضمان استمرار تغطيتنا المتوازنة في سياق التوتر الكبير".

روكسان رواس رافوفيتش... ملايين في الإعلام

قد يبدو بيان القناة الفرنسية مفهوماً في ظل انحياز الإعلام الغربي للاحتلال منذ اللحظة الأولى التي تلت السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، لكن في حالة أوليفييه رافوفيتش، هناك بعد آخر، لم يسلّط الضوء عليه بالشكل الكافي.
لفهم تأثير رافوفيتش على الإعلام الفرنسي، لا بدّ من البحث في السيرة المهنية لزوجته، روكسان رواس رافوفيتش. أسست هذه الأخيرة عام 2021 شركة استوديو فاكت الفرنسية بالشراكة مع جاك أراغون. تعمل شركتها بشكل مباشر مع مجموعة "فرانس تلفزيون" الحكومية، التي تضم القنوات الحكومية فرنسية، ومع قناة LCP، وشبكة الإذاعة والتلفزيون البلجيكية الخاصة بالجالية الفرنسية RTBF... وهي الشركة نفسها التي أنتجت في 26 أكتوبر الماضي (بعد أقل من 20 يوماً على عملية طوفان الأقصى) الفيلم الوثائقي "حماس: الدم والسلاح" لصالح برنامج Complément d’enquête الذي تعرضه قناة فرانس 2 الحكومية، بحسب ما كتب مؤسس ومدير موقع Orient XXI، الصحافي الفرنسي ألان غريش، في مقال نشره في "لوموند ديبلوماتيك".
تأثير الشركة التي تملكها السيدة رافوفيتش متشابك ومتداخل بالإعلام الفرنسي. في عام 2022 اشترت مجموعة "ليزيكو ــ لو باريزيان" 30 في المائة من أسهم شركة استوديو فاكت. وبحسب موقع أكريميد الفرنسي الخاص برصد أداء الإعلام، فإنّ تغيطة صحيفة لو باريزيان للعداون على غزة لم تكن متوازنة بالمطلق، بل منحازة بشكل كامل للسردية الإسرائيلية، "نقلت الصحيفة وجهة نظر واحدة فقط: نظرة الحكومة الإسرائيلية لغزة والنظرة التي تريد تصديرها لبقية العالم. خلال أكثر من شهرين، لم يُنشر وجه مدني فلسطيني واحد على الصفحة الأولى من صحيفة لو باريزيان. ولا واحد".
نشر موقع أكريميد تحليلاً آخر للخطاب الإعلامي، بيّن فيه الحصانة الإعلامية الذي يتمتّع بها المتحدث الفرنكوفوني باسم جيش الاحتلال أوليفييه رافوفيتش. فقارن بشكل بسيط بين مقابلتين بثتهما قناة BFM الفرنسية بفارق دقائق قليلة على الهواء في 10 أكتوبر الماضي. الأولى كانت مع رافوفيتش الذي تحدّث من دون أي مقاطعة أو استفسار، حتى عندما قال "اليوم نحن نضرب قطاع غزة بقوة. يمكنهم البكاء، يمكنهم طلب المساعدة، لن يساعدهم أحد". بعده بدقائق قليلة استقبلت القناة مدرّس اللغة الفرنسية، الأستاذ الغزي زياد مدوخ الذي أشار إلى وحشية المجازر الإسرائيلية وقتل المدنيين، فقطاعه بشكل متكرّر الصحافيون الموجودون في الاستديو في باريس، مكررين الرواية الإسرائيلية التي تقول إنها لا تستهدف المدنيين في غزة.

ضيف مدلّل

تتغلغل روكسان رافوفيتش في الإعلام وتغطيته إذاً، وهو ما يجعل زوجها ضيفاً مدللاً، ممنوع إحراجه على القنوات الفرنسية. لكن سلطة زوجة المتحدث الفرانكوفوني باسم جيش الاحتلال تتجاوز شركتها استوديو فاكت.
بحسب تدوينة للصحافي الفرنسي جاك ــ ماري بورجيه في موقع ميديابار بعنوان "الزوج يبرئ إسرائيل وزوجته تشوه حماس"، فإن روكسان رافوفيتش اشترت تلفزيون Infolive، أول تلفزيون دولي يبث من القدس المحتلة، وهو تلفزيون كان يملكه زوجها. كما حصلت على عقد بقيمة 35 مليون دولار لتوجيه وإنتاج العروض والتقارير والبرامج الترفيهية للتلفزيون الفرنسي. كذلك توصّلت السيدة رافوفيتش إلى عقد شراكة مع صحيفة ليبراسيون اليومية، التي يدير تحريرها منذ عام 2020  الصحافي الفرنسي ــ الإسرائيلي دوف ألفون، مراسل صحيفة هآرتس السابق في باريس، وضابط المخابرات الإسرائيلي السابق في الوحدة 8200 في جيش الاحتلال.
سيرة روكسان رافوفيتش تضم أيضاً إدارة شركة FreemantleMedia العملاقة، التي أنتجت أبرز البرامج الترفيهية في العالم.
ومنذ بدء العدوان على غزة، كانت مواقف رافوفيتش واضحة، خصوصاً لجهة الترويج لادعاءات كاذبة حول السابع من أكتوبر. على سبيل المثال أعادت نشر تدوينة عن "اغتصاب إرهابيي حماس، ونزع أحشاء وقتل النساء على وجه الخصوص وبطريقة مخططة خلال مذبحة 7 أكتوبر". وهو ما تبيّن أنه كذب بطبيعة الحال، في تقارير عدة نشرتها وسائل إعلام غربية، آخرها وكالة أسوشييتد برس.

بالعودة إلى مقال ألان غريش، ودور المتحدث الرسمي باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي باللغة الفرنسية أوليفييه رافوفيتش في الترويج لسردية الاحتلال بأريحية، يشير إلى نقطة مهمة جداً، وهي أن إسرائيل تتمتع بميزة لا تتمتع بها الدول الأخرى، "المسؤولون ووسائل الإعلام الغربية يعتقدون، بداهة، أن إسرائيل تقول الحقيقة. ينطق السيد رافوفيتش بالأكاذيب بطريقة وقحة، مع ضمان أنه نادراً ما سيجد من يناقضها: لقد كرر الخرافات حول المرأة الحامل منزوعة الأحشاء أو تلك المتعلقة بالأطفال الإسرائيليين الموضوعين في أقفاص. ونفى، خلافاً للأدلة، أن يكون الجيش الإسرائيلي وراء سقوط قتلى خلال مذبحة الطحين في 29 فبراير/ شباط الماضي، والتي قُتل خلالها أكثر من مائة مدني بالرصاص. ومع ذلك، وعلى الرغم من أكاذيبه المثبتة، فإنه لا يزال يلقى الترحيب والرضا في عدد من وسائل الإعلام الفرنسية، التي لا تطعن في تصريحاته إلا بشكل استثنائي".
ما يقوله غريش يظهر بشكل فاقع، لمن يتابع الإعلام الفرنسي، فالرواية الإسرائيلية نادراً من تجد من يكذّبها، حتى قبل السابع من أكتوبر. لنأخذ على سبيل المثال الحروب الأخيرة على غزة، تلك التي سبقت طوفان الأقصى، أو اغتيال الصحافية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة. في هذه الجريمة تحديداً، كانت الرواية الأولى في الإعلام الفرنسي هي بيان جيش الاحتلال الذي نفى أن يكون هو من قتل أبو عاقلة، ثمّ بعد أيام عاد وتراجع، لكن هذا التراجع لم يجد طريقه للصفحات الأولى.

المساهمون