كاريكاتير قيس سعيد / حجاج
11 يناير 2022
+ الخط -

تتجه معركة الرئيس التونسي قيس سعيد إلى الإعلام بعد استهدافه الأحزاب والقضاة. وانتقد سعيد في لقائه، أمس الإثنين، برئيسة الحكومة نجلاء بودن وسائل الإعلام المكتوبة، مستنكراً طريقة عنونة بعض المقالات التي تتحدث عن الاستشارة الوطنية أو الشعبية.

ورأى سعيد أنه "كلّ يوم يضعون على أعمدة الصُحف الاستفتاء الإلكتروني بين ظفرين، لو وضعوا أنفسهم بين ظفرين لكان أفضل". 

وأضاف سعيد أنّ "بعض وسائل الإعلام تتعمّد في نشراتها الإخبارية تشويه الحقائق"، وتابع قائلاً: "يشوّهون الحقائق ويتحدثون عن بعض المسائل التافهة ثمّ بعد ذلك يتحدثون عن جملة من القضايا الأساسية والجوهرية". 

ويعتمد سعيّد منذ 25 يوليو/تموز على احتكار الكلمة بصفة مباشرة، والقطع مع أي صيغة للاستماع للطرف الآخر والحوار وتبادل الرأي.

وقال رئيس حزب التكتل خليل الزاوية، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "المقلق في هذا الوضع أن البرامج في وسائل الإعلام العامة أصبحت في اتجاه واحد، وكأن هناك عودة لما قبل ثورة 14 يناير/كانون الثاني، أي وكالة الاتصال الخارجي التي كانت تروج لنشاط الرئيس بن علي والنظام السابق".

وأكد أن ما تحقق من 14 يناير من تحييد للمؤسسات الحكومية ووسائل الإعلام يتم العودة بها للمربع الأول.

وأوضح الزاوية أن هذا أصبح واضحاً في غياب برامج سياسية حوارية متوازنة يكون فيها الرأي والرأي المخالف، وهو أساس الديمقراطية وحرية الإعلام.

وبيّن أن جزءاً كبيراً من وسائل الإعلام الخاصة صار يتجنب الحوارات السياسية، مضيفاً أن هذا يكشف عن وجود ضغوطات لتجنب هذه الحوارات، وعن "رغبة واضحة من السلطة التنفيذية في تدجين الإعلام".

ولاحظ الزاوية أن "الملفت للانتباه أن رئيسة الحكومة نجلاء بودن لم تُدلِ بأي حوار صحافي ولا بتصريح حتى أثناء تقديم برنامج الحكومة وموازنة تونس للعام الحالي للدفاع عن الخيارات وبرنامجها، وهذا لم يحدث في أعتى الديكتاتوريات".

وأكد أن "المنشور الحكومي الموجه للوزراء بعدم الإدلاء بتصريحات يدل على عدم الثقة في الوزراء والخوف من أن يتورطوا في أي تصريحات".

واعتبر القيادي والنائب بحزب ائتلاف الكرامة منذر بن عطية، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن استهداف سعيد للإعلام ليس بجديد عليه، فهو يستهدف كل من ينتقده أو يخالف موقفه، مشيراً إلى أن هذا الاستهداف "إنما هو تواصل لمشروعه الاستبدادي الرامي لوضع يديه على كل مفاصل الدولة". 

وذكر بن عطية أنه "سبق لسعيد أن بدأ مشروعه في استهداف المؤسسات الديمقراطية من خلال ترذيله البرلمان وضربه لمجلس نواب الشعب باعتباره حجر أساس البناء الديمقراطي، ثم سارع إلى تعليق أعماله بعدما ضرب صورته لدى الرأي العام".

 كما أن سعيد "عمد إلى استهداف الحكومة وترذيلها ليصل إلى حلها والاستحواذ على صلاحياتها وتشكيل حكومة صورية تأتمر بأوامره وتعليماته"، بحسب تعليقه.

وذكر المتحدث أن "سعيد استهدف أيضاً القضاء بشكل لم تعرف السلطة القضائية له مثيلاً حتى في زمن بن علي"، كما عمد، في نظره، إلى "استهداف هيئة مكافحة الفساد وهيئة مراقبة دستورية القوانين وعطل تركيز المحكمة الدستورية"، و"يعمل منذ أسابيع على استهداف هيئة الانتخابات".

وبيّن بن عطية أن "الإعلام جزء من المؤسسات المستهدفة التي يجب تطويعها وتحويلها إلى أبواق لمشروع سعيد"، مشيراً إلى أن "سعيد يعمل على ضرب مؤسسات الدولة من أجل استكمال مشروع وضع يده على كامل مفاصل الدولة".

وقال القيادي في حزب "تحيا تونس" وليد جلاد، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "الاستماع لصوت الرئيس وللصوت الواحد لم يبدأ الآن، بل منذ 25 يوليو/تموز، وهذا ما تم التحذير منه، فسعيد يستهدف كل القطاعات وهو الحاكم بأمره، وله كل السلطات"، مؤكداً أنه "يعتبر نفسه في مقام أعلى من رئيس الجمهورية".

وبيّن أن "الهدف هو الحكم الفردي دون مراقبة، فبرنامجه استهداف القضاة واتحاد الشغل والأحزاب وتقريباً كل مكونات الدولة".

وتابع أن "مشروع قيس سعيد خطير، وأخطر مما يعتقد البعض، وخاصة من هللوا لانتهاء الإسلام السياسي"، مشيراً إلى أن "سعيد لا يؤمن بالأشكال الوسيطة من أحزاب ومنظمات وإعلام، ويعتقد أن العلاقة بين السلطة والشعب مباشرة".

وأضاف أن "مواقف سعيد واضحة من كل القضايا"، و"الوضع بهذه الطريقة خطير جداً".

ويرى القيادي في التيار الديمقراطي نبيل الحجي أن "رئيس الجمهورية يعتقد أنه فوق الجميع من أجل فرض تصور جديد للدولة"، مؤكداً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "تصور سعيد يتمحور حول شخصه، وكل من خالفه الرأي أو كان بينه وبين الشعب يجب أن يرحل، والمؤسسات والأحزاب والمجلس الأعلى للقضاء والهيئات والإعلام والأجسام الوسيطة كلها، بحسب سعيد، يجب أن ترحل".

وتابع الحجي أن "لا صوت غير الصوت الواحد والرأي الواحد، ولمَ لا السياسة الواحدة".

وبحسبه، فإن "استهداف سعيد للإعلام يرجع إلى أن أي حاكم مرتبك، من طبيعي أن يضع يده على الإعلام، وطبيعي أن أي مستبد يسعى إلى وضع يده على الإعلام".

ولفت إلى أن "الغريب رغم ذلك أن خطابات رئيس الجمهورية لا تزال تلقى ترحيباً ومساندة، ليس من قبل النخب بل من طبقات الشعب غير المسيسة"، مضيفاً: "إننا في الدكتاتورية ولم ندخل في الاستبداد، وعندما يتفطن جزء من الشعب إلى أن الطريق خاطئ ساعتها ستتراجع شعبية الرئيس، وخلافاً لذلك سيُسكِت سعيد أي صوت بالقوة".

وأكد القيادي بحزب حراك تونس الإرادة مبروك الحريزي، متحدثاً لـ"العربي الجديد"، أن جزءاً من الإعلام انخرط في التحضير للانقلاب قبل 25 يوليو، "وساهم في عملية الترذيل".

وأضاف "بعد 25 يوليو هناك مؤسسات إعلامية تبنت الانقلاب، وكان واضحاً، بحسب تقارير (الهايكا)، أنه تم إعطاء المساحة فقط للمساندين لقرارات 25 يوليو. كما انخرطت في الإشاعات وفي التضييق على بعض الحضور، وهناك مؤسسات أخرى انخرطت في الصمت على الإنقلاب وألغت برامجها السياسية".

وبيّن المتحدث أن "هناك قراراً بمنع الأحزاب السياسية من الحضور في الإعلام الحكومي، وحتى المقدمين الذين سيطروا على البرامج هم من الموالين للنظام السابق وليس هناك إلا رأي واحد".

وبحسب تقديره، فإن "الرئيس أعلن صراحة عن رغبته في السيطرة على الإعلام، بينما كان هذا سابقاً يحدث سرياً عبر ضغوطات بدأت من تذمره من نشرة الأخبار". 

وأضاف الحريزي أن "الرئيس كشف بشكل واضح عن نواياه واستراتيجيته من خلال رغبته في السيطرة على كل التفاصيل اليومية، وهذا يبين أنه من الديكتاتوريات الكلاسيكية الفاشية، فهو يريد أن يصبح الإعلام لمناصريه فقط ومن يريد أن ينخرط في مشروعه"، و"هو يبحث عن السيطرة على الإعلام في إطار مشروعه لدولة مركزية تسلطية".

المساهمون