اليمين الأميركي: خدعة الأبواق والبحث عن النقرات

07 مايو 2024
في نيويورك، مايو 2024 (الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- قرار إيلون ماسك بإعادة أليكس جونز إلى منصة إكس يثير جدلاً حول حرية التعبير ويعكس تحولاً في تعامل المنصات الرقمية مع المحتوى السياسي، مما يشير إلى تغيرات في المشهد الإعلامي والسياسي الأميركي.
- النقاش حول الترامبية الشيوعية والتصريحات النارية من شخصيات مثل جونز يبرز تحولاً في الخطاب اليميني الأميركي، مع التركيز على قضايا السياسة الخارجية والدفاع عن القيم الوطنية.
- الجدل حول دور وسائل التواصل الاجتماعي في تشكيل الرأي العام والسياسات يكشف عن تعقيدات الديمقراطية في عصر المعلومات، حيث تصبح المصالح التجارية أحياناً أكثر أهمية من القضايا الإنسانية والسياسية.

أثار قرار إيلون ماسك بالسماح للمذيع الأميركي أليكس جونز، بالعودة إلى منصة إكس، موجة انتقادات هائلة، لكن هذه ضريبة حرية التعبير، ناهيك عن أن أبواق اليمين الأميركي كجونز وغيره، وجدت لنفسها منصات جديدة لصناعة المحتوى، كـRumble، الممنوع في فرنسا مثلاً. وفي لغة المال، هجرة الجمهور نحو منصات جديدة تعني خسارة للمنصات التقليديّة ذات الخوارزميات التي تدفن محتوى على حساب آخر.
نطرح سؤالاً حول تحولات أبواق اليمين الأميركي لأننا أمام مفارقات لا يمكن تجاهلها في الولايات المتحدة الأميركية. صحيح عاد الصحافي الساتيري جون ستيورات إلى الشاشة، ربما استعداداً لمواجهة ترامب و"إنقاذ" الديمقراطيّة، لكن أبواق اليمين أصبحت أكثر "انفتاحاً".
نقصد بـ"أكثر انفتاحاً"، أنها تتجاوز الموقف الرسمي الأميركي الذي يرفض حتى الحوار مع بوتين. ممثّلو الموقف الأميركي، وجدوا أنفسهم أمام مواطنهم تاكر كارلسون، الذي سافر إلى موسكو للقاء زعيم الكرملين، تحت حجة "لا بد من سماع الطرف لآخر!"، وهي حجة أقل ما يقال عنها إنها ديمقراطيّة، في حين وصفت هيلاري كلينتون كارلسون بأنه "مجرد أحمق".
ذات "الأحمق" التقى أخيراً مع الأب منذر إسحاق من بيت لحم، لـ"يكشف طبيعة تعامل إسرائيل" مع المسيحيين الفلسطينيين، فانتهى الأمر بوصف كارلسون بأنه معاد للساميّة وداعم لحماس. ولا ندافع هنا عن كارلسون، لكن أليس ما يفعله يندرج تحت بند الديمقراطية؟

بين اليمين الأميركي و"الترامبية الشيوعيّة"

خطاب آخر شديد الغرابة صرّح، أو صرخ به، أليكس جونز، الذي طالب بأن يرحل ابن نتنياهو عن ميامي ويتجه إلى غزة، لأن أميركا لن تتحمل ما تتسبب به إسرائيل. جونز المعروف ببيعه منتجات رياضية غير صحية، ومتهم بالتحريض على العنف ونشر الأخبار الكاذبة، يرى أن ما يحصل في فلسطين وحرب الإبادة شأن خارجي، ولا دخل للولايات المتحدة فيه.
لا مساحة هنا للحديث عن "المراهق" جاكسون هينكل، الذي يتغنى بالخميني وبوتين، ويناهض إسرائيل بشدة، ويقدم نفسه باعتباره ضحية ممنوعة من وسائل التواصل الاجتماعي بسبب آرائه، ويكفي أن نقول إنه من أنصار ما يسميه "الترامبية الشيوعيّة".
ما نشهده في الأمثلة السابقة، هو إما محاولة لإعادة دخول السوق الأميركية على حساب القضية الفلسطينيّة، وخلق "ترِند" جديد تحت شعارات حرية التعبير والديمقراطيّة، أو أننا أمام تيار يميني، يلبي حاجات جمهور يرى أن التدخل الأميركي في روسيا ودعم إسرائيل، ضد المصالح الوطنيّة الأميركية.
بصورة أدق، هذا تيار ينتقد ميزانية وزارة الدفاع والمليارات التي تُضخّ لإسرائيل، الأمر الذي يتطابق مع أعلام اليسار الأميركي في الكونغرس، كإلهان عمر، التي قالت بعد عزلها من لجنة الشؤون الخارجية بالكونغرس إنها "متحمسة للضغط من أجل ميزانية تركز على الناس، وتستثمر في احتياجات الشعب الأميركي".

الترندات والتصريحات الناريّة

لا يتوقف نجوم اليمين الأميركي الجديد الذي ينتقد إسرائيل والمفتوح على الحوار مع روسيا، عن خلق الترندات والتصريحات الناريّة. لا ننفي أنه يراكم رأس مال نتيجة هذه المواقف، لكنه يستقطب جمهوراً واسعاً. وهنا نتساءل: هل هؤلاء "الحلفاء" الذين نريدهم؟ ذاتهم الذين ينتقدون المهاجرين ويدعون إلى بناء جدار، والمحاطون بالدعاوى القضائيّة؟
لن نحسم الجواب، لكن لا بد من الأخذ بعين الاعتبار أن لهذا اليمين مصالحه شديدة الشوفينّية، وتبنيه القضية الفلسطينيّة والدعوة لوقف الإبادة في قطاع غزة، يخفي وراءه سياسات عنصريّة، ما يهم هذا اليمين هو حماية حدود أميركا، والوقوف بوجه أي "غريب"، وهذا ما يفسر اتهامات معاداة السامية التي تطاولهم، بوصفهم مفرطين في البياض، ومشكلتهم أعمق من ميزانية الدفاع، إذ اتهم تاكر كارلسون الديمقراطيين بأنهم "يستوردون مواطنين جدداً"، عوضاً عن أولئك "غير المطيعين".

ما تشهده الولايات المتحدة الآن من حراك طلابي، يكشف طبيعة القوى المُهيمنة، الشخصيات التي تبحث عن الترند، بعيدة عن أرض الواقع والاشتباك مع المؤسسة، ما يعيدنا إلى الحقيقة التي لا يمكن تناسيها، والمتمثلة في أن وسائل التواصل الاجتماعي ليست فضاء عاماً، بل هي شركات خاصة، نجومها يبحثون عن الربح. ما يهم هو عدد النقرات والمشاهدات، ليس الدم الفلسطيني، ولا تغيير السياسات الرسميّة.

المساهمون