- على الرغم من الجودة العالية للمسلسل، لم يثر الجدل المتوقع، مع ندرة المقالات النقدية حوله، ويتميز بتقديم شخصية موسى بطريقة درامية تعليمية تعزز التسامح.
- "الوصية: قصة النبي موسى" يبرز بأسلوبه التقديمي والتنوع الثقافي والتاريخي، مما يجعله عملاً متميزاً يستحق الاهتمام والمشاهدة، رغم التحديات المحتملة حول تفسيراته الدينية والسياسية.
شهدت السنوات السابقة إنتاج منصة نتفليكس لمجموعة من الوثائقيات التي تتطرّق إلى الطوائف المُريبة في الولايات المتحدة الأميركية، وتتناولها من منظور نقدي، Wild Wild Country الصادر عام 2018، إلى جانب أعمال وثائقية تتمحور حول الجماعات المتشددة، خصوصاً اليهود المتشددين الذين أثارت وثائقيات "نتفليكس" عنهم جدلاً واسعاً، كـOne of Us، الصادر عام 2017، كونها مسلسلات تكشف طبيعة التعصب الديني، وسعي "أسرى" هذه الجماعات إلى الخروج من العالم المغلق الذي وجدوا نفسهم عالقين فيه.
هذه الرؤية النقدية، والساخرة في بعض الأحيان، تلاشت بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، بل فجأة ظهر أمامنا مسلسل "الوصية: قصة النبي موسى" (Testament: The Story of Moses). ثلاث حلقات من الدراما الوثائقية (Docudrama)، تحكي سيرة نبي اليهوديّة في مصر، بوصفه ثورياً على المستويين الديني والسياسي. حكاية تندرج تحت سلسلة "نتفليكس" عن شخصيات تاريخيّة، سبقتها كليوبترا وألكسندر، ليوضع موسى بوصفه ملكاً ونبياً، والوحيد ذا المكانة الدينية في السلسلة.
لا يمكن تجاهل توقيت المسلسل بالتزامن مع حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، واستخدام النبوءات الدينية في هذه الحرب للدفاع عن "أرض الميعاد". مع ذلك، يترك المسلسل مجالاً للشك وطرح الأسئلة، كما يستعرض آراء الخبراء، بعكس مسلسل المنصة عن كليوبترا مثلاً، الذي وصفه كثيرون بأنه من وحي الخيال، ويتبنى المركزية الأفريقية، ولا يقوم على الحقائق التاريخية.
لا مكان للخوض بالاختلافات حول حكاية النبي موسى الحاضرة في الديانات الإبراهيميّة الثلاث، ولا صنعة المسلسل كونه متقناً وهذا ما لا جدل فيه. لكن ما يثير الاستغراب، هو ندرة المقالات النقدية عن المسلسل. معظم ما جاء عنه كان أخباراً مقتضبة، إضافة إلى مقال في "إنديان إكسبرس"، يتناول تاريخ عرضه بالتزامن مع العدوان على قطاع غزّة.
هذا التزامن لم يثر جدلاً كافياً حتى الآن على ما يبدو، خصوصاً أن المسلسل حذِرٌ في تقديم الشخصية الدينية وربطها بالسياق الثقافي والتاريخي، الذي يتجلى في تنويعات ألوان الممثلين، سواء ذوو البشرة السمراء أو ذوو البشرة الداكنة، ما لم يثر حفيظة لوبيات الهويات، التي لم تبادر إلى إثارة ضجة حول المسلسل وسياسات التمثيل فيه. لكن، ما يلفت النظر، هو أن الراوي في المسلسل، الممثل البريطاني تشارلز دانس، أحد أبطال "صراع العروش". كان دانس واحداً من عشرات الممثلين الذين شاركوا في حملة قرأ المشاركون فيها محضر محاكمة إسرائيل في محكمة العدل الدوليّة. وهذا اللافت، أن "الوصية: قصة النبي موسى"، الذي صور بين المغرب وتركيا، بدعم تركي ومالطي، لا حضور لإسرائيل فيه على مستوى الإنتاج (أو هذا على الأقل ما يتضح من شارة النهاية)، وربما لهذا السبب لم ينل الاهتمام الكافي، إلى حد غياب صفحة "ويكيبيديا" خاصة به، علماً أنه من أكثر المسلسلات مشاهدة على "نتفليكس" خلال أسبوع عرضه الأول.
حرص صناع العمل، وبعيداً عن التفسيرات الدينيّة والاختلافات السياسية، على جعل حكاية موسى تُقاد بناء على أحداث درامية. هو إنسان، ولا يمتلك ما يفوق قدرة البشر، حتى "كلامه" مع الله، أقرب إلى الرؤيا منه إلى الحدث الفعلي. هذه المحاولة الدرامية هنا تكسب المسلسل نوعاً من التشويق، بعيداً عن اتباع الحكاية الدينية بحذافيرها وترك بعض التفسيرات مفتوحة أمام النص الدينيّ، ناهيك عن أن النظر إلى موسى كشخصية محورية لا يمكن احتواؤها ضمن دين واحد يجعل العمل الوثائقي مثيراً للاهتمام، خصوصاً أن الاختلافات الدينية حول حكايته ترتبط بالعقيدة وأساليب التأويل، وليس بأحداث الحكاية نفسها.
لا يمكن القول إننا أمام رائعة تلفزيونية، بل حكاية تعليمية قائمة على التسامح، خصوصاً أن شخصيات موسى دار حولها كثير من الأفلام، أشهرها "الوصايا العشر" (The Ten Commandments) الذي صور في مصر، بإمضاء المخرج الأميركي سيسيل بلونت ديميل، لتتوالى بعده الإنتاجات العالميّة المتنوعة، والتي تختلف في أسلوب تقديمها للنبي موسى بين بطل خارق، وثائر يريد تحرير قومه من العبوديّة.