النقد ولو متأخّراً أهمّ من كلّ سبق صحافي

26 يوليو 2024
"قتلة زهرة القمر" لمارتن سكورسيزي: قراءات نقدية لا سَبق صحافي (الملف الصحافي)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **النقد السينمائي العربي لا يحتاج إلى "سبق صحافي"**: الأهمية تكمن في جودة المحتوى والتحليل العميق، وليس في سرعة النشر.
- **الاستعجال في النشر يضر بالمهنة**: النقد الجاد يتطلب وقتًا للتفكير والتحليل، والاستعجال يؤدي إلى تدهور جودة المقالات.
- **تغطية المهرجانات السينمائية تختلف**: يمكن نشر المقالات بسرعة ولكن دون تسرع، مع التركيز على تقديم محتوى نقدي رصين وهادئ.

 

مُجدّداً، أو ربما للمرة الأولى: أهناك "سَبقٌ" صحافي عربي في النقد السينمائي؟ توضيح: هناك من يظنّ أنّ ما يكتبه، كنقدٍ سينمائي، يُفترَض به أنْ يُنشَر سريعاً، قبل كلّ صحيفة عربية أخرى. أيّ سَبق هذا؟ كلّ إبداع عظيم سيُكتب عنه، والنشر، إنْ يحصل بعد أيام أو بعد أسابيع قليلة، لن يكون مؤثّراً، فالتأثير الفعلي كامنٌ، بل منبثقٌ من مضمون النقد، وتساؤلاته وقراءاته ومحاولاته الجدّية لمقاربةٍ وتحليل، ومدى تمكّنه من إثارة حشرية مُشاهدة (أو إعادة مُشاهدة) ونقاشٍ.

هذا غير متأخّرٍ أبداً، وإنْ يُنشَر بعد وقتٍ، علماً أنّ من يُحرّر المقالة قبل نشرها، الآن أو بعد قليل، يُدرك تماماً أنّ الأولوية للمضمون (تحليل، تفكيك، تساؤلات، قراءة، معاينة، إلخ)، وأنّ النشر قابلٌ لتأخّر، لن تتجاوز مدّته أياماً قليلة، بحسب متطلبات العمل اليومي.

هذا يطرح سؤالاً عن أيّهما أهمّ: سَبقٌ صحافي لمقالةٍ، ربما لن تُقدِّم جديداً، أو تحرِّض على مشاهدةٍ ونقاش؛ أو محتوى مقالة، بما في المحتوى من ملاحظات وتساؤلات وبحثٍ؟ أميل إلى الجانب الثاني، فالأهمّ دائماً، في زمنٍ كالذي نعيشه حالياً، يظهر في كلّ نقاشٍ جدّي، وتحليل معمَّق، وحوارٍ غير منتهٍ، وسجالٍ غير مُفتَعل، وتواصل دائم لن يتوقّف عند فيلمٍ واحد (إنْ يكن هذا كلّه ممكناً). فالأساسي كامنٌ أيضاً في الاستمرار في هذا، والأبرز يتمثّل في تواصل دائم، أي متابعة وتساؤل وحوار/نقاش عن سابقٍ وراهنٍ ومُقبل.

هناك من يظنّ أنّ كتاباته، إنْ تكن جادّة (بنظره) أو غير جادّة (عامّة)، يُفترض بها أنْ تُنشَر سريعاً، كي لا "تسبقها" أي مقالة من أي ناقدٍ آخر. هذا لا علاقة له بمهنةٍ، يحاول زملاء وزميلات عربٍ حمايتها من انهيارٍ تشهده منذ أعوامٍ، والحماية متأتية من عملٍ دؤوب على جعل النقد، مقالةً أو دراسةً أو حواراً أو تحقيقاً صحافياً، سجاليّاً، يتحرّر من كلّ استعجال في النشر، فالاستعجال كارثة، بل مقتلٌ حقيقيّ لكلّ نقدٍ ومهنةٍ.

سؤال آخر: أي فيلمٍ يستدعي سَبقاً صحافياً؟ ربما هناك قضية مُثيرة لضجّة وسجال عربيين أو دوليين، يجب على المهنةِ متابعتها بدقّة ورويّة. هذا مهنيّ بحت، وإنْ تتضمّن المتابعة المهنية رأياً نقدياً. لكنْ، حتى في هذا، ما الداعي إلى سَبقٍ صحافي؟ ألن يكون الأهمّ تقديمَ معطيات ووقائع حقيقية، موثوقٍ بها، بدل التلهّي بسَبقٍ يتطلّب استعجالاً، والاستعجال يحول، غالباً، دون تثبيت حالة أو مسألة، وتأكيد واقعةٍ أو قول؟

أمّا تغطية مهرجان، فمختلفةٌ: لا سَبق صحافياً بل متابعة، وفي المتابعة مهنة/صحافة ونقد. الكتابة عن أفلامٍ معروضة في دورة جديدة لمهرجان ما تُنشَر سريعاً، من دون تسرّع بالتأكيد، كما يمكن لنشرها أنْ يتأخّر ولو قليلاً، وهذا لا بأس به. نقدُ أفلامٍ في مهرجان، في أيام دورته الآنيّة، مطلبٌ وضرورة، وإنْ يحتمل انفعالاً ـ انطباعاً أول.

مع هذا، لا سَبق صحافياً البتّة، فالنقد الرصين والجدّي والهادئ يبقى أهمّ.

المساهمون